رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خطة الخروج

من السهل أن تدخل حربًا، يمكن جرّك إليها، يمكن أن تُجبر عليها، يمكن أن تبادر إليها، لكن فى كل الأحوال سيكون صعبًا أن تخرج منها، كل النظريات العسكرية تؤكد ذلك، فى واشنطن يطلقون عليها «الوحل». الجميع يعرف كيف تبدأ الحرب، لكن ليس كلهم يعرفون كيف يوقفونها؟

بعد مرور أكثر من شهر على الحرب فى غزة، رغم الأسئلة الصعبة التى ترددت منذ يوم هجوم ٧ أكتوبر، إلا أن السؤال الأصعب الذى لا يزال مطروحًا، ولست متأكدة أن أحدًا فى إسرائيل لديه إجابة واحدة ومحددة حوله، هو: كيف سيمكن لإسرائيل الخروج من غزة؟ ما الذى ستتركه وراءها؟ وهل ستحل الحرب المعضلة ويتم القضاء فعليًا على حماس؟، كلها أسئلة صعبة.

أخيرًا نتنياهو تكلم، قبل أيام صرّح فى مقابلة مع شبكة «ABC» الإخبارية، قائلًا: إن إسرائيل ستتحمل «المسئولية الأمنية الشاملة» فى غزة «لفترة غير محددة» بعد الحرب، وأضاف أن إسرائيل تسعى إلى ضمان أن «أولئك الذين لا يريدون الاستمرار على طريقة حماس هم وحدهم الذين سيحكمون غزة فى المستقبل، لأننا رأينا ما يحدث عندما لا نملكها، وعندما لا نتحمل تلك المسئولية الأمنية، فإن ما نواجهه هو اندلاع إرهاب حماس على نطاق لا يمكننا تصوره».

قبل تصريح نتنياهو، أفادت هيئة البث الرسمية «كان» بأن الحكومة الإسرائيلية بدأت رسم الخطوط العريضة لليوم التالى بعد انتهاء الحرب، والتى تهدف للتوصل إلى سيطرة أمنية على قطاع غزة، وذلك بعد أسابيع حاولت فيها إسرائيل أن تؤجل النقاش فى هذا، خاصة مع الولايات المتحدة التى طالبتها برسم خطة خروج من غزة.

الحقيقة أنه حاليًا يضعون فى إسرائيل عدة خطوط عريضة توجيهية لما بعد حرب غزة، بينها السيطرة الأمنية على القطاع، وزيادة عدد الجيش وميزانية الأمن، تلك الخطوات تحظى بدعم الوزير بينى جانتس، ووزير الأمن يوآف جالانت، اللذين يرغبان بالاستمرار فى سيطرة أمنية مستقبلية على قطاع غزة، بينما عقيدة نتنياهو كانت حول عدم التورط فى غزة، لكن فى ظل الموقف الحالى فإن كل شىء تغير.

فى إسرائيل انقسموا حول خطة الخروج من غزة، هناك من رأى أنه كان يجب الاهتمام بها فقط بعد أشهر طويلة، بعد معرفة ماهية الأهداف التى تحققت، وبالاستناد إلى الوضعين العسكرى والسياسى فى ذلك الوقت. وهناك من رأى أنه يجب أن تعرف كيف ستخرج من الآن.

واشنطن أرادت من إسرائيل تقديم خطة الخروج قبل الدخول، ويمكن فهم الطلب بأنه يستند إلى الصدمة التى يعانيها الأمريكيون فى أفغانستان والعراق، وإلى الصدمة لدى الإسرائيليين من حرب لبنان الأولى «اجتياح ١٩٨٢». 

لا أحد يعرف، فإذا كان الهدف من الطلب الأمريكى هو فقط أن تتعهد إسرائيل بعدم البقاء فى القطاع لفترة طويلة، فلا توجد مشكلة إذن، فإسرائيل لا تريد القطاع لكنها لا تريد أيضًا أن تتركه دون حكم مجهول قد يكون أسوأ من «حماس».

إسرائيل لا تريد وضعًا تتورط فيه لفترة طويلة فى القطاع، لا تريد احتلالًا ثابتًا للقطاع، وضعًا مرهقًا ومشابهًا للضفة، يجر أحداثًا أمنية متتالية مثل قذائف الهاون، ورصاص القنص، والكمائن، والعمليات «الانتحارية».

فى إسرائيل الآن يريدون القضاء على «حماس»، وتدمير الأهداف العسكرية، ثم الخروج بسرعة خارج القطاع، وبعد ذلك، ستستمر المعركة بالنار، وربما تُشَن حملات برية إضافية، إلى أن يتم تدمير ما يكفى من القوة العسكرية والسلطوية لحركة «حماس»، لكن الأهم هو ترك القطاع لحكم لا يشبه «حماس».. أيام النار لا تزال قادمة.