رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حدود سيناء خط أحمر

الحرب المنقولة على الهواء مباشرة، قادرة على تغيير الخريطة بالمنطقة العربية ولها ما بعدها، نسينا منذ تفجر الصدام في غزة اسم فلسطين التي كنا نهتف باسمها في مظاهرات الجامعة وفي ميدان التحرير وبرز اسم حماس والقسام والجهاد وحزب الله، وهو ما يجعل الكلام عن حل الدولتين يحتاج إلى مراجعة هل السلطة الفلسطينية الشرعية في رام الله قادرة على إقناع كل الطيف الفلسطيني بهذا الحل، هذا إذا تحرك المجتمع الدولي من أجل إقرار قرارات الشرعية الدولية المؤجلة منذ عشرات السنين.
هذه الخاطرة لم تغادرني وأنا أتابع أهوال يوم القيامة في غزة ومشاهد الرعب عند الجانب الإسرائيلي، مع أول غارة إسرائيلية على المدنيين في غزة قلت الستر يا رب على سيناء، وما هي إلا لحظات وجاء الرد المصري حكومة وشعبًا واضحًا وعاليًا وهو الرفض التام لأي محاولة لترحيل المشكلة نحو أراضينا المقدسة، وذلك لعدة أسباب يأتي على رأسها أن ترحيل المشكلة نحو سيناء يكتب كلمة النهاية للقضية الفلسطينية وسوف تخرج إسرائيل رابحة بكل المقاييس.
تجربة كسر الحدود المصرية في 2008 ما زالت في الذاكرة وهي درس له فوائد معتبرة يومها قالت مصر الكبيرة أهلًا وسهلًا بالأشقاء وكانوا بالفعل ضحايا أبرياء ولكن هناك من استفاد من حالة السيولة تلك ووصل به الحال إلى تحويل شمال سيناء إلى مزرعة للإرهاب، دفعنا دماء ذكية من أجل تطهير بلادنا، دفعنا أثمانًا باهظة حتى نجحنا في إعادة الأغنية العربية الخالدة "مصر عادت شمسك الذهب".
والآن لحسابات إقليمية عاد التوتر كي تغيب شمسنا ثانية، بقلوبنا ودمائنا ندافع عن القضية الفلسطينية وبأرواحنا نحمي حدودنا المقدسة، هي قضية متشابكة نعم ولكن العقل المصري الراجح قادر على الفرز وعلى ترتيب الأولويات، كل الدعم الإنساني والطبي سيصل إلى غزة في التوقيت المناسب، كل الدعم السياسي والدبلوماسي يتم منذ اللحظة الأولى للصدام، وهذا ليس بجديد على القاهرة منذ بداية الأزمة في أربعينيات القرن الماضي.
وإذا كانت غزة في محنة الآن وإذا كانت القضية الفلسطينية تقف الآن في مفترق الطرق، فعلينا أن نتذكر أن تلك الأزمة وتداعياتها تصيب أمن العرب القومي مباشرة، ويأتي ذلك في توقيت غريب حيث اشتعال السودان جنوب مصر ولم تحط الحرب هناك أوزارها بعد، فضلًا عن التوتر في الجانب الليبي غرب مصر والآن تنفتح الجبهة الثالثة شمال شرق مصر في غزة، ما هذا الخناق المحكم؟ لو كان الشيطان هو الذي رتب لهذا المخطط ما كان له أن يصل إلى كل هذا الأذى.
كلمة الشعوب هي الأقوى هناك في فلسطين شعب عظيم قال عنه الراحل ياسر عرفات شعب الجبارين، لذلك سوف يفرض هذا الشعب كلمته نحو إنهاء الانقسام الفلسطيني نحو مدنية الدولة نحو الحرية وتأسيس دولة حرة عاصمتها القدس.
في مصر كان وجدان الشعب المصري سباقًا متضامنًا مع الحق الفلسطيني وفي ذات الوقت منتبهًا لانعكاس الأزمة الفلسطينية الأخيرة وأثرها على أمننا القومي.
لا مجال للمزايدة السياسية على الموقف المصري سواء جاءت تلك المزايدة من الداخل المصري أو جاءت من المحيط العربي، نعرف موضع قدمنا جيدًا ونعرف أدوات الضغط من أجل الحلول العادلة للقضية الفلسطينية.
لا رهان إلا على قوة العرب الذاتية، المجتمع الدولي له حساباته التي تصب في مصالحه المباشرة، وهي غير مصالحنا بالتأكيد، انتهى زمن الإملاءات وفرض الوصاية، وكل جرح سوف يندمل ليشرق الحق واضحًا وخفاقًا تحت رايات وطنية مدنية حديثة.