رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عصر الغليان العالمى.. خبراء يطلقون التحذير الأخير: التغيرات المناخية أكبر خطر يهدد حياة البشر

الغليان الحرارى
الغليان الحرارى

«عصر الاحتباس الحرارى انتهى وبدأ عهد الغليان الحرارى العالمى».. عبارة مرعبة دق بها الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، ناقوس الخطر بشأن التأثير السلبى الكبير للتغيرات المناخية على حياة البشر فى مختلف دول العالم.

ولا يحتاج الأمر إلى تصريح من الأمين العام للأمم المتحدة أو غيره، فالجميع تقريبًا، هذا الصيف، يرون التأثير السلبى للتغيرات المناخية بأعينهم ويعيشونه يوميًا، من خلال الارتفاع غير المسبوق فى درجات الحرارة.

ويتعدى تأثير التغيرات المناخية ليشمل كل مناحى الحياة، بداية من الحالة الصحية والنفسية، مرورًا بالأمن الغذائى والمائى، وعلى المحيطات والجليد والغلاف الجوى، بالصورة التى يمكن أن نقول معها: يؤثر على الحياة ككل.

وهنا فى مصر يبدو التأثير واضحًا، فقد أدت درجات الحرارة غير المسبوقة إلى زيادة الأحمال على شبكة الكهرباء، وبالتالى زيادة الطلب على الغاز والمازوت المستخدم فى تشغيل محطات الإنتاج، ما دفع الحكومة مضطرة للجوء إلى تخفيف الأحمال.

«الدستور» تحاور فى السطور التالية عددًا من خبراء العلوم البيئية، وكذلك أساتذة علم النفس، للتعرف على أبرز التغيرات السلبية للتغيرات المناخية، وكيف يمكننا التعامل معها. 

تتسبب فى أمراض تؤدى إلى الوفاة.. وتسهم فى انتشار الأوبئة

أكد الدكتور عبدالمسيح سمعان، الأستاذ فى كلية الدراسات والبحوث البيئية بجامعة عين شمس، وجود علاقة قوية بين التغيرات المناخية بالصحة البدنية والنفسية، والتى تتأثر بدرجات الحرارة على وجه التحديد.

وقال «سمعان»: «مع التغيرات المناخية التى نشهدها حاليًا، تزداد نسب ثانى أكسيد الكربون على مستوى العالم، ما يؤدى إلى ارتفاع درجات الحرارة، الذى يتسبب فى العديد من التأثيرات السلبية على الصحة البدنية».

وأضاف: «ارتفاع درجات الحرارة يؤثر على الوظائف الحيوية للجسم، ما يؤدى إلى الإصابة بالعديد من الأمراض البدنية، على رأسها ضربات الشمس، والتى يمكن أن تؤدى إلى الوفاة، إذا لم تُعالج فى أسرع وقت، إلى جانب أمراض وأوبئة أخرى يمكن أن تنتشر فى مثل هذه الأجواء، مثل الملاريا».

وانتقل للحديث عن التأثير السلبى للتغيرات المناخية على الصحة النفسية، قائلًا إن ارتفاع درجات الحرارة يؤدى إلى الإخلال بالتوافق النفسى لدى الشخص، سواء مع نفسه أو الآخرين. وأضاف: «الطقس الحار الناتج عن التغير المناخى يجعل الحالة النفسية للشخص تتبدل كليًا، ويؤدى إلى زيادة السلوك العدوانى وانتشار العصبية الشديدة بين البشر».

وأتم بقوله: «كما أن إنجاز الأعمال من ضمن الأشياء التى تتأثر بالتغيرات المناخية، إذ تقل كلما زادت درجات الحرارة، علاوة على الأثر السلبى لهذه التغيرات على مساعدة الأشخاص بعضهم البعض».

تضر العديد من الزراعات والموارد المائية

حذرت الدكتورة سوسن العوضى، خبيرة العلوم البيئية وتغير المناخ، من التأثير السلبى الكبير للتغيرات المناخية على الأمن الغذائى والمائى، وذلك من خلال الأضرار التى تسببها لكثير من الزراعات والموارد المائية. 

وأشارت خبيرة العلوم البيئية كذلك إلى تأثير الاحتباس الحرارى والارتفاع الملحوظ فى درجات الحرارة الناتجين عن التغير المناخى على صحة الإنسان، عبر إصابة الدورة الدموية بالخلل، والتأثير على معدل التركيز لدى الإنسان.

وأضافت أن الصحة النفسية أيضًا تتأثر بشكل كبير بالتغيرات المناخية، فى ظل أن سلوك الشخص وقدرته العقلية لا تكون بكامل تركيزها فى درجات الحرارة العالية، ويحتاج إلى مدة زمنية طويلة للتكيف مع هذه الدرجات غير المسبوقة، لذا يعانى ملايين الأشخاص خلال هذه الأيام من عدم القدرة على التكيف مع الطقس الحار.

وبينت أن أكثر الأشخاص الذين يتأثرون بتغيرات المناخ هم كبار السن والأطفال والسيدات، مشيرة إلى إعلان أوروبا تسجيل ٦٠ ألف حالة وفاة بسبب ارتفاع درجات الحرارة فى العام الماضى.

واختتمت بالإشارة إلى تأثر المرأة بالتغيرات المناخية بصورة أكبر من الرجل، نظرًا لطبيعة جسدها وزيادة درجة حرارته، ما يؤدى إلى حدوث مشاكل فى الصحة الإنجابية وأثناء الدورة الشهرية بسبب الأجواء شديدة الحرارة.

تؤدى إلى إصابة الإنسان بالاكتئاب والوسواس القهرى

استعرضت ريهام عبدالرحمن، الباحثة فى الإرشاد النفسى والتربوى بجامعة القاهرة، التأثيرات السلبية الكبيرة للتغيرات المناخية على الصحة النفسية والعقلية للإنسان.

وقالت باحثة الإرشاد النفسى إن العديد من الدراسات النفسية خلال الفترة الأخيرة ربطت بين التغيرات المناخية والتأثير على الصحة النفسية والعقلية للإنسان بشكل سلبى.

وأضافت: «تبين أن التغيرات المناخية تتسبب فى العديد من الأمراض النفسية، مثل الاكتئاب والوسواس القهرى والتوتر، إلى جانب الاضطرابات السلوكية والانفعالات العصبية، حتى إن علماء النفس نسبوا العديد من الأمراض الجديدة إلى التغير المناخى، مثل الكآبة البيئية والقلق البيئى».

وواصلت: «الظاهرة أسهمت أيضًا فى ازدياد الخلافات الأسرية، لأن تغير المناخ وما سببه من درجات حرارة شديدة، يؤدى إلى حدوث ضغوط إضافية تؤدى لظهور هذه الخلافات».

وأكملت: «الأمر ذاته يحدث فى التعامل مع الآخرين، سواء فى الشارع أو العمل، فالتغيرات المناخية تؤثر أيضًا على العلاقات الاجتماعية والعلاقات فى العمل، فى ظل ارتفاع درجات الحرارة، خاصة للذين لا يستطيعون التكيف مع مثل هذه الأجواء».

وشددت على أن تغير المناخ تسبب فى زيادة التوتر والقلق، متابعة: «لعب دورًا كبيرًا فى سيطرة القلق على الشباب والمراهقين بنسبة تصل لـ٧٥٪، وفقًا لإحدى الدراسات التى ربطت بين التغير المناخى والأمراض النفسية، إضافة إلى الأمراض البدنية».

وحذرت من إمكانية تسبب التغيرات المناخية فى فقدان الشخص الوعى، وهو ما يتطلب نشر الوعى بتلك الظاهرة، إلى جانب التوعية بشأن ضرورة ترشيد استهلاك المياه والكهرباء.

وأشارت إلى تسبب التغيرات المناخية فى اضطرابات النوم، التى بدورها تؤثر على الصحة النفسية، لأن عدم النوم المنتظم يؤدى للشعور بالقلق، إضافة إلى انخفاض إفراز هرمون السعادة، وزيادة إفراز هرمون «الإدرينالين»، الذى يتسبب فى زيادة شعور الإنسان بالخوف، وبالتالى الدخول فى نوبات اكتئاب، وهو ما يمكن تفاديه من خلال ممارسة الرياضة بانتظام، لزيادة القدرة على النوم بعمق وسط درجات الحرارة المرتفعة.

تضغط على الجهاز العصبى.. وتؤثر على الضغط والتنفس

قالت دينا الجابرى، أستاذ مساعد الأمراض النفسية والعصبية بجامعة عين شمس، إن ارتفاع درجات الحرارة يؤدى إلى زيادة معدل عمل الجهاز العصبى اللا إرادى.

وأضافت أستاذ مساعد الأمراض النفسية أن الجهاز العصبى اللا إرادى يتحكم فى عدة وظائف بالجسم، مثل ضغط الدم ونبضات القلب والتنفس ودرجة حرارة الجسم وإنتاج سوائل الجسم من عرق ودموع.

وواصلت: «مع زيادة العرق وشد العضلات، يتعرض الجسم إلى حالة من عدم الراحة والتأهب، وبالتالى يكون سريع الانفعال تجاه أى حدث أو موقف، بما يؤدى فى النهاية إلى وجود خلل فى الجهاز العصبى».

وأكملت: «الطقس الحار الذى يؤثر على العالم، خلال الفترة الحالية، يتسبب فى زيادة الضغط العصبى، ما يؤدى إلى زيادة الانفعالات بشكل كبير، لأن عدم راحة الجسم يتسبب فى الشعور بعصبية شديدة».

وأعلنت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن الآثار الكارثية لتغير المناخ تسببت فى حدوث ملايين الوفيات فى العالم، خاصة ما يتعلق بارتفاع درجات الحرارة بشكل كبير نتيجة زيادة الانبعاثات الضارة.

وتحذر عدة جهات دولية معنية أخرى من أن «الاحترار العالمى» حتى بمقدار ١.٥ درجة مئوية، لا يعتبر «آمنا»، وكل «عُشْر» إضافى فى درجته يمكن أن يتسبب فى أضرار خطيرة بحياة وصحة الأشخاص.