سامى شرف: عبدالناصر كان يقول للوزراء فى الاجتماعات "اللى ناوى يوافقنى فى كل حاجة ما يقعدش"

- نجيب محفوظ ويوسف إدريس حصلا على جوائز وأوسمة الدولة رغم انتقادهما الشديد 

- بعض المثقفين دخلوا المعتقلات لأن «ابنك لما يخرج عن نظامك تشد ودنه.. يخرج أكثر تضربه.. يخرج أكثر تحبسه»

- الاعتقالات فى عهد عبدالناصر كانت لـ«تأمين الدولة» «تشتبه وبعدين تصفى لغاية ما تعثر على المتهم الأصلى»

- يسمع لمعارضيه «طالما رأيهم من دماغهم».. ويكره «بتوع الكلام والهتاف»

- صلاح عبدالصبور أصبح رئيس تحرير ومديرًا عامًا فى وزارة الثقافة رغم وصفه لعبدالناصر بأنه «ذو الوجه الكئيب»

فى مسكنه ٦ شارع «محمد جلال» المتفرع من «إبراهيم اللقانى» بجوار مبنى رئاسة الجمهورية فى مصر الجديدة، الدور «٤» شقة «٤٧»، صعدت وزميلى المصور المخضرم حمدى عبدالصادق لمقابلة سامى شرف، ولما أبديت دهشتى من تواضع الشقة وصغر حجمها، قال لى إنه «اضطر إلى ذلك بعد أن باع شقته الأولى حتى يستطيع تدبير أمور معيشته بعد خروجه من السجن»، وفى نهاية الحوار قال لى: «انشر كل ما قلته لك بحذافيره وإلا سأكذبك». طمأنته بأن الأمانة رأسمال الصحفى، وإذا فقدها فقد سمعته ومصادره، وأنا لا أريد أن أفقد سمعتى، ولا أفقد مصدرًا بقيمة وقامة سامى شرف.

طلب منى حين النشر أن أكتب أن حواره معى جرى قبل ٣ سنوات، ولما أبديت دهشتى، قال لى إنه لم يجر حوارات منذ هذه الفترة، ولا يرغب بعدها، لأنه لا يريد أن يفتح على نفسه بابًا أغلقه، فشكرته على استثنائه لى. وكان له ما طلب، ولذلك استمرت علاقتى بى حتى رحيله، حتى إنه استجاب لرغبتى فى كتابة مقال خاص لمجلة «الإذاعة والتليفزيون» فى احتفالها بإصدار عدد خاص بمئوية الرئيس جمال عبدالناصر، وحين كررت نفس الرغبة احتفالًا بمئوية الرئيس أنور السادات، اعتذر طبعًا، ولما حاولت أن أحصل منه على رأيه فى «السادات»، قال لى: «دمه خفيف»، ولما سألته: «ماذا تعنى؟» قال: «يعنى ابن نكتة»، ولما أردت أن يزيدنى، طلب إعفاءه من هذا الموضوع، وألا أنشر شيئًا مما حدثنى به.

وبالعودة إلى مقابلتى لسامى شرف، سكرتير الرئيس عبدالناصر للمعلومات، صباح ٢٤ مايو ٢٠٠٨، راجعت معه- قبل النشر- حوارًا أجريته معه تليفونيًا لمجلة «الإذاعة والتليفزيون»، ثم طلبت منه استكمال الحوار. ونشر الجزء الأول بعد أن حذف منه ياسر رزق، رئيس التحرير آنذاك، فقرة قال فيها سامى شرف إنه بعد وفاة الرئيس عبدالناصر، أرسل إليه رئيس أركان سلاح المدفعية، محمد عبدالحليم أبوغزالة، رسالة مفادها أنه إذا تم اختيار «السادات» رئيسًا للجمهورية فـ«سيقوم بانقلاب!»..

يومها قال لى ياسر رزق- وكان المشير أبوغزالة لا يزال على قيد الحياة- إن نشر كلام سامى شرف سيثير «أبوغزالة»، وربما يدفعه ذلك لشكوانا إلى الرئيس «مبارك»، وتنقلب الدنيا على رءوسنا، وزيادة فى الاطمئنان اتصل «رزق» تليفونيًا أمامى بأنس الفقى، وزير الإعلام آنذاك، وشرح له الموقف، فوافقه وطلب منه الاكتفاء بنشر الجزء الأول فقط من حوار سامى شرف، ومن ثم بقى الجزء الثانى حبيس شريط تسجيل أكثر من ربع قرن، حتى وجدتها اليوم فرصة لاستعادته وسماعه ونشره احتفالًا بعيد الثورة الـ٧١، وتكريمًا لسامى شرف، آخر المدافعين عن الثورة وزعيمها حتى رحيله.

لا أنسى لسامى شرف يوم أن وقف فى ندوة فى «الحزب العربى الناصرى» عام ٢٠٠٣ قائلًا: «أنا عنتر، وأى ناصرى عنتر، فنحن نقود العالم بشجاعة، ويشرفنى أن يتهمنا أصحاب الياقات البيضاء دعاة الاستسلام اللى باعوا كل حاجة أننا عنتريون، ومش هنخاف، فأنا صريح ومن فرط صراحتى أحيانًا باقول كلام سوقى»، وأضاف: «الذين يهاجمون الفترة الناصرية لولا الثورة كان زمانهم وراء الجاموسة، كان بالكتير أى واحد من حضرتهم إما هيكون صبى جزار أو بياع كازوزة»!.

كان وفاء سامى شرف للثورة وقائدها يفوق الوصف حينما اعترف لى أنه أبلغ عن أخيه الضابط بالقوات المسلحة عندما اكتشف تآمره على النظام، أو كما قال لى: لو أخويا سيعمل على الإضرار بالوطن، هل أوقفه وأبلغ عنه، أم أحميه وأسكت عليه؟، أنا عملتها مع أخى الضابط، حينما تآمر ودبر للقيام بانقلاب، أبلغت عنه.

فلما فغرت فاهى دهشة، قال لى سامى شرف بقوة وقناعة وبصراحة وبلا مواربة: سلامة الوطن فوق كل الاعتبارات، حتى فوق صلة الرحم، لأن الولاء يجب أن يكون لمصر أم الدنيا، لازم أحافظ عليها حتى من أخويا.

ولم يكن هذا أمرًا مستغربًا من سامى شرف، فقد كان متفانيًا فى حب عبدالناصر وخدمته إلى درجة أنه لم يكن يغادر مكتبه المقابل لمكتب عبدالناصر فى منشية البكرى إلا بعد أن يرى أن الرئيس قد أطفأ أنوار مكتبه وأخلد نفسه إلى الراحة.

ولعل هذا ما يفسر ارتياح الرئيس لهذه الشخصية، كما قال لثروت عكاشة- حسب مذكراته- عندما راجعه وسأله: لماذا لم يجعل أحد الضباط الأحرار مديرًا لمكتبه؟، فقال إنه فعل، وكانت النتيجة أن أى قرار يصدره يقابل بمناقشة وجدل من سكرتيره: كيف ولماذا، وهو ليس لديه وقت يضيعه فى الشرح والتوضيح، وأمامه مسئوليات جسيمة، فاختار سامى شرف لأنه مريح ومنضبط وينفذ أوامره دون أن يضيع وقته.

بدأت حوارى بتصريح للدكتور يوسف إدريس عن حرية المسئولين فى مناقشة الرئيس عبدالناصر، قال فيه: عندما قرأت كتاب عبدالمجيد فريد عن محاضر مناقشات جمال عبدالناصر بالقيادات والمسئولين بعد ١٩٦٧، اندهشت عندما عرفت أن عبدالناصر كان يطلب من هذه القيادات أن تتكلم وتناقش وتنقد الأوضاع، فيؤثرون الصمت!

■ سألت سامى شرف عن سر هذا الصمت.. هل هى كاريزما عبدالناصر أم الخوف المانع من الكلام؟ 

- فقال لى: أنا أختلف معك، ولدىّ أمثلة على الهواء وليس فى القاعات المغلقة، فهناك المؤتمرات الشعبية والاتحاد الاشتراكى والمؤتمر القومى، وأمام العالم كله على الهواء، كان هناك من يناقشون ويعترضون، وتختلف آراؤهم، وكان عبدالناصر يسمع ويتقبل الرأى الآخر ويناقش، ونموذج خالد محمد خالد معروف ومشهور، كان مخالفًا لرأى عبدالناصر وجرت بينهما مناقشات نقلتها الإذاعة على الهواء.

هذه نقطة، النقطة الثانية أن كاريزما عبدالناصر هى كاريزما شخصية من داخلك لتأخذ منه أكثر مما تعطيه.

النقطة الثالثة أن عبدالناصر زعيم أو رئيس أو قائد له ميزة أنه صاحب تجربة، فيكون فيه خوف أو رهبة، فيقوم هو بنفسه بكسر هذا الحاجز بأسلوبه فى التعامل مع الآخرين، وهؤلاء الآخرون هم ضيوفه ولهم مستويات مختلفة من صحفيين إلى مواطنين عاديين، وحينما تبدأ الجلسة تبدأ الرهبة، وبعد خمس دقائق تزول، وهناك كتاب كثيرون كتبوا فى أمريكا وإنجلترا وفرنسا- والكتب موجودة- يقول الكاتب: أول ما جلست مع عبدالناصر شعرت بالرهبة، وبعد ثلاث دقائق زالت، وأشعر مع ناصر كأنه أخى وزميلى.

■ هل أثرت هزيمة ١٩٦٧ على شخصية عبدالناصر؟

- مجلة «التايم» الأمريكية وضعت على غلافها صورة عبدالناصر بعد ٥ يونيو وقالت: عودة القائد المهزوم- إشارة إلى تمسك الشعب المصرى بقائده يومى ٩ و١٠ يونيو. وكان الهدف من الهزيمة هو تحقيق هدف سياسى وهو إسقاط النظام، وهو الهدف الذى لم يتحقق، ولذلك فإننى أرى أن ناصر بعد ٦٧ أحلى من ناصر قبلها.

■ بمعنى إيه وفى أى شىء؟

- فى كل حاجة.. تفكيره وآراؤه وقدرته على اتخاذ القرار من أنضج ما يمكن، لم يمت عبدالناصر فى ٦٧، كما زعموا، بل كانت هذه الفترة، من خلال معايشتى معه حتى رحيله، أقوى وأنضج فترة فى حياته، وتعادل ما قبلها بمراحل، وكانت آماله بلا حدود.

■ نعود إلى حرية الرأى والتى دفع ثمنها بعض المثقفين فى المعتقلات.. ما تعليقك؟

- كان الرئيس عبدالناصر يتعامل مع المثقفين معاملة طيبة إيمانًا منه بدورهم حتى لو خالفوه فى الرأى، إيمانًا منه أن الخلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية، طالما أنى أؤمن بالوحدة المصرية ضمن إطار وحدة شاملة، لأن اللحمة المصرية تشكل البذرة الأولى للحمة العربية، وهى نظرية الدوائر التى أعلن عنها عبدالناصر فى «فلسفة الثورة»، وليس مصر أولًا، وحكاية أننا مصريون ولّا عرب؟.. عبارة عن كلام فاضى، فأنا عربى وكلامى بالعربى ورأيى بالعربى، فالعملية كلها وحدة واتحاد وتلاقٍ يثمر ويتقدم للأمام، أما الانكفاء على النفس فهو انكسار وفرقة وتراجع.

■ هل كان عبدالناصر يستمع لمن يخالفه فى الرأى؟

- عبدالناصر يسمعك طالما رأيك من دماغك، لا أحد يعاقبك، إنما لو رأيك ترديد لرأى آخرين، أو كلام كثير بلا طائل، كان عبدالناصر يقاطع محدثه ويقول له: هو إنت فى الاتحاد الاشتراكى؟!- يقصد شوية كلام وهتاف، وهذا الأسلوب لم يكن يعجبه، إنما لو أنت مثقف ولك رأى أو وجهة نظر مخالفة، لا توجد مشكلة، كان يجتمع بطه حسين ويشرح له أبعاد الموقف، ويجتمع بخالد محمد خالد ويستمع إليه رغم اختلافه مع رأى الرئيس علنًا على الهواء، كما ذكرت لك من قبل، وصلاح عبدالصبور الذى كتب قصيدته «ذو الوجه الكئيب» التى تناول فيها سياسات عبدالناصر بصورة رمزية من خلال أبوالهول، لم يؤاخذه أحد، ومع ذلك كان رئيس تحرير، ومديرًا عامًا فى وزارة الثقافة، ونجيب محفوظ كتب قصة «الخوف» التى انتقد فيها عبدالناصر، ورمز له باسم عثمان جلالى، ومع ذلك حصل على جائزة الدولة التقديرية، ود. يوسف إدريس حصل على وسام العلوم والفنون رغم سياساته المفعمة بالنقد لسياسات عبدالناصر، وعبدالناصر نفسه هو الذى سمح بعرض أفلام رغم نقدها الشديد مثل «ميرامار» لنجيب محفوظ وفيها تهكم على الحكم والتنظيم السياسى والاتحاد الاشتراكى، ووصم أعضائه بالوصولية والانتهازية، و«شىء من الخوف» «لثروت أباظة» وفيها طعن فى شرعية الثورة حينما رفع شعار (جواز عتريس من فؤادة باطل)، فضلًا عن لقائه المباشر بالأدباء والمثقفين، كما حدث حينما افتتح مؤسسة «الأهرام» فى مبناها الجديد.

■ ولكن بعض المثقفين دخلوا المعتقلات عقابًا لهم على رأيهم المختلف مع سياسات عبدالناصر.. فبم تفسر ذلك؟

- ابنك لما يبدأ يخرج عن نظامك تشد ودنه، يخرج أكثر تضربه، يخرج أكثر تحبسه، وهنا الاعتقالات فى هذه الحالة تكون نظرية أمنية أنت تضطر إليها لتأمين نفسك، ما تفهمنيش غلط، أقصد تأمين الدولة، وهذه تحدث حينما تستشعر وجود خطر من مواقف معينة فى ظل غياب معلومات واضحة، وحاسس إنك داخل فى مصيبة، تقوم تطبق نظرية الاشتباه، وبعدين تصفى حتى تعثر على المتهم الأصلى، حدث ذلك فى قضايا كثيرة، وأنت وأنا وكلنا يعلم أن مصر مستهدفة بمؤامرات من الداخل والخارج، وعداء معلن أو من تحت الترابيزة. إنما لو أنت فى محكمة، الأمور بتكون واضحة، سرقة، قتل، إلخ، النيابة تحدد المجرم، لكن فى المسائل السياسية صعب، المعلومات ناقصة، لما تكتمل المعلومات وتتضح الرؤية، يطبق العقاب على المتهم.

■ إذا كان النقد مباحًا.. فلماذا فُصل مفيد فوزى من عمله الصحفى لانتقاده وزير الزراعة؟

- هذه ليست القصة الحقيقية، إنما هذا الذى تتحدث عنه كان يحرض المدرسين على عدم تصحيح الامتحانات، وشجعهم على الإضراب، وهو لم يفصل ولكنه استبعد لبعض الوقت، لم يخرب بيته، وزوجته كانت تعمل بالإذاعة ولم يقترب منها أحد، ولما حدثنى عبدالحليم حافظ بشأنه، تحدثت إلى الرئيس، وعاد كما كان، وأبلغه هيكل بعودته قبل أن أبلغه، هذه هى الحكاية.

■ على عكس ما هو مشاع كانت علاقة عبدالناصر بالعقاد جيدة حتى إن شقيقه عبدالعزيز العقاد قال إن عبدالناصر عرض على العقاد العلاج على نفقة الدولة ولكنه قال إنه لا يحتاج إلى علاج، وقال إن عبدالناصر كان دائم السؤال عليه فى مرضه.. هل هذا صحيح؟

- حصل فعلًا مع العقاد وغيره كثيرون، كانت الدولة تهتم بعلاج أى مريض من غير ما نرجع للرئيس، هو أعطانا أوامره منذ البداية بعلاج كل من يحتاج إلى علاج، سواء كان مثقفًا أو مواطنًا عاديًا، ثم نقول له بعد ذلك، فقد كانت مساعدة المرضى أحد ثوابت الحكم.

■ هل كانت مثل هذه الأمور تدخل تحت بند المصاريف السرية!؟

- مصاريف سرية أو تبرعات لمقاومة العدوان، كله خاضع للجهاز المركزى للمحاسبات، والرئيس نفسه تبرع بمرتبه كله للمجهود الحربى فى عدوان ٥٦.

■ مصطفى أمين ذكر أن عبدالناصر لم يقم بتهريب أولاده خارج القاهرة أثناء العدوان.

- مثلهم مثل أى مواطن.

■ حسن التهامى فى مذكراته ذكر أن أعضاء مجلس الثورة لما صوتوا للحكم الديكتاتورى مقابل تصويت عبدالناصر للحكم الديمقراطى قرر الاعتزال ولزوم بيته، ولكن التهامى حسب قوله قام بتكتيف عبدالناصر فى الكرسى حتى لا يتخلى عن الثورة.. هل حدث هذا؟

- اكتفى سامى شرف بقوله: إنسان لاسع.

■ هل صحيح أن الرئيس الأمريكى جونسون المتواطئ مع إسرائيل فى عدوان ٦٧ طلب ألا يتنحى عبدالناصر حسبما ذكر علوى حافظ فى مذكراته؟

- غير صحيح.

■ كان اهتمام عبدالناصر بالفن كأحد عناصر قوى مصر الناعمة.. وقيل إنه الذى طلب من أم كلثوم وعبدالوهاب أن يجتمعا فى عمل فنى واحد.. ما تفاصيل هذا الموضوع؟

- فى عيد العلم أنا تكلمت معاهم، وكان عندهم استعداد، لكن كانوا كاشين من بعض، وأنا كنت عنصر مساعد كالكيمياء للتفاعل، واتفقوا.

■ ذكر وزير الاقتصاد فى حكومة عبدالناصر أن الرئيس كانت له روح متصوفة، وكان يقابل أحد المتصوفة من أسوان.. ما مدى صحة ذلك؟

- هو من قنا وليس أسوان، وكلام حسن عباس زكى صحيح، فهو إنسان أمين، ويعرف أن عبدالناصر له نزعة صوفية، لم يكن يمثل فيها، كان يعرف ربه، ويتعامل مع البشر من منطلق ما أمر به الله من صفات الخالق، لم يكن إيمان ناصر تمثيلًا، تراه وهو يصلى فى سيدنا الحسين أو أثناء الحج، بنى آدم خاشع، ليس مع الصورة.

■ إلى أى حد كان عبدالناصر يسمح لوزراء حكومته بالتعبير عن أنفسهم؟

- اللى عايز يتكلم، يتكلم، وفى كثير من الأحيان كان عبدالناصر يبدأ كلامه فى اجتماع مجلس الوزراء بقوله: اللى ناوى يوافقنى فى كل حاجة ما يقعدش. كان يريد من كل وزير أن ينقل له مشاكل الناس، ويتكلم برأيه، ويعترض، لكن يوضح هو معترض على إيه وليه، إنما كل شىء تمام، يبقى عاملين مجلس وزراء ليه، مالوش لازمة والقطار ماشى فى سكته، عبدالناصر كان يقود مؤسسات، وعاوز يعرف هنا غلط وهنا صح، ويبقى فيه رؤية للمستقبل.

■ ما مقاييس اختيار عبدالناصر للوزراء؟

طالما فيه ثقة خلاص، طبعًا مع الكفاءة والخبرة فى مجاله، وإذا صدأ كما تصدأ المعادن، يعطى للوزير فرصة يجدد نفسه، وإلا خلاص لا يحمل نفس الوزير أكثر من طاقتها، وقد أعطى ما عنده، ولكن العلاقة تظل موجودة حتى بعد خروجهم يشاورهم، كما كان يفعل مع فتحى رضوان الذى كان وزيرًًا للإرشاد، وأحمد حسن الباقورى الذى كان وزيرًا للأوقاف، وغيرهما من الوزراء القدامى، أما أعضاء مجلس الثورة لما تكون فيه مشكلة يحضروا على طول من أنفسهم، لإحساسهم الوطنى وإيمانهم بقضايا بلادهم.