رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدعم العربى لفلسطين

فى نهاية عام ٢٠٠٠ كنت مشاركًا، مع عدد من الأدباء والأصدقاء، فى مهرجان المربد الشعرى بالعاصمة العراقية بغداد، وقتها كانت فلسطين مشتعلة بانتفاضتها الثانية، «الأقصى»، التى فجرها اقتحام رئيس الوزراء وقتها أرئيل شارون لباحة المسجد الأقصى، واستمرت لأشهر وقع خلالها صدام دامٍ مع قوات الاحتلال، ما أدى إلى استشهاد وإصابة آلاف الفلسطينيين.

فى بغداد كنا نهمّ باستقلال الباص، الذى سيتحرك بنا إلى العاصمة الأردنية عمان، حين استوقفنى موظف بالعلاقات العامة، وتلك تسمية حركية لمن يعملون بالأمن وقتها، وسألنى: «هل صحيح أن مصر سحبت سفيرها من إسرائيل؟»، بدوت واجمًا فليس لدىّ رد فى بلد كان يحظر كل وسائل الاتصال بالعالم خارج العراق، فلا هواتف محمولة ولا إنترنت ولا قنوات فضائية، على الأقل فى فندق الإقامة، وقبل أن أفيق بادرنى بجملته: «كل العرب يعولون على القاهرة».

اختلجتنى رعشة وأنا أصعد الباص وأعلن لأصدقائى الخبر، الذى لم نتأكد من صحته إلا بعد أن وصلنا إلى منفذ الأردن البرى، وانتابتنى مشاعر مختلطة من الفرح والفخر والقلق، إذ لم نكن نعلم ما الذى حدث مع الشعب الفلسطينى ليدفع مصر إلى سحب سفيرها.

فى الحافلة رقص كل من معنا، وهم من دول عربية مختلفة، ابتهاجًا بسحب السفير المصرى، وغنينا للشعب الفلسطينى ونضاله، وللأرض العربية وتحريرها المأمول، وهتفنا بسقوط «رأس الحية وشريعة هولاكو».

لمسنا أصداء تحرك القاهرة وعايشناها ونحن بعيدون عن الوطن، رأيناها فى أعين من كانوا مسافرين معنا، وفى تصرفاتهم وبالغ كرمهم الذى زاد على نحو ملحوظ، كأنهم يقولون: «شكرًا مصر».

قدر مصر ليس فى الانغلاق، وقدر العرب ليس فى الابتعاد، يقول جمال حمدان فى الباب الحادى عشر، المعنون بـ«مصر والعرب»، من كتابه الخالد «شخصية مصر» عن البعد الآسيوى لمصر: «... وإذا كان هذا التوجيه الآسيوى عودًا فى الحقيقة على بدء، قديمًا قِدم التاريخ، فإن قضية فلسطين بالدقة تؤكده اليوم كما تحتمه، تمامًا مثلما فعلت الحروب الصليبية فى العصور الوسطى. فمنذ حرب فلسطين خاضت جیوش مصر معاركها الأساسية على الجبهة الآسيوية، بما فى ذلك اليمن، وإنه لمن الواضح جدًا، فى الخلاصة، أن البعد الآسيوى هو البعد المحـورى فى توجيه مـصـر الخارجى، فضلًا عن أنه أساسًا علاقة أخذ وعطاء من طرفين، تمتاز بالاستمرار والاطراد دون ذبذبة أو تقطع، ولا شك أنها نظرة غير علمية إطلاقًا، إن لم تكن مغرضة حقًا، تلك التى حاولت حينا ما أن تبتر بعدنا الآسيوى بزعم أنه (لم يجئنا من آسيا خير قط)، إشارة إلى أخطار قديمـة كـالمـغـول والتـرك.. إلخ، فهى إشارة مبتورة ناقصة بقدر ما هى ملتوية مضللة».

مصر لم تتخل عن فلسطين فهى تعمل بداية من أجل إصلاح البيت من الداخل، عبر استضافة جلسات المصالحة الفلسطينية، كما أن الرئيس عبدالفتاح السيسى أعلن عن تخصيص ٥٠٠ مليون دولار؛ للمساهمة فى إعادة إعمار غزة بعد القصف الإسرائيلى على القطاع عام ٢٠٢١، فضلًا عن فتح معبر رفح والمستشفيات لاستقبال المصابين.

لكن حكومة الاحتلال تزداد تطرفًا يومًا بعد يوم، وتزداد صلفًا، ويقتحم وزراؤها باحة المسجد الأقصى بشكل دورى، مصحوبة بتصريحات عنصرية عن إبادة العرب فى أرضهم فلسطين، مع اعتداءات دائمة على المدنيين والمنشآت فى الضفة الغربية وغزة.

ومع تكرار هذه الحوادث، على نحو يومى تقريبًا، لم تعد الإدانات صالحة مع من لا يعيرنا التفاتًا، لذا أصبح ضروريًا أن تتحرك الدول العربية، خاصة مالكة الثروة، وأن تضغط على حكومة الاحتلال اقتصاديًا، وبالوسائل الدبلوماسية، حتى يعرف الاحتلال أن مصالحه ستكون فى خطر إذا واصل اعتداءاته المستمرة على الشعب الفلسطينى، وأصر على حرمانه من حقوقه المشروعة.