رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رجال حول السادات [2]

شخصية الرئيس السادات من الشخصيات المحيرة فى التاريخ من ناحية أنه تمكّن من تصفية خصومه، ثم تمكّن من تحقيق انتصار أعاد به الأرض التى احلتها العدو الإسرائيلى، ولكنه مع ذلك دفع ثمن كل هذا من حياته وقُتل غدرًا وتجربته لم تنضج. 
ورث عن جمال عبدالناصر بعض المحيطين به ومنهم:
حسن التهامى 
ذكرنا دور حسن التهامى أثناء فترة عبدالناصر، وكان عبدالناصر قد أبعده عنه، ولكنه وقف إلى جانب السادات فى صراعه مع مراكز القوى لأجل ذلك قرّبه السادات وكلّفه بمهمات صعبة، وقام بها على أفضل وجه. وكان عضوًا فى المحكمة الخاصة التى قامت بتصفيتهم. وعيّنه الرئيس السادات، بعد ذلك، فى نهاية 1970، وزير دولة لشئون رئاسة الجمهورية. وفى عام 1977، مُنح درجة نائب لرئيس الوزراء برئاسة الجمهورية. عيّنه الرئيس السادات، خلال حرب أكتوبر مسئولًا عن الدفاع عن مدينة السويس، عندما حاولت القوات الإسرائيلية اقتحامها، بعد صدور قرار وقف إطلاق النار، فى 22 أكتوبر 1973وفى الذكرى الرابعة لحرب أكتوبر 1973، أى فى أكتوبر، منحه الرئيس أنور السادات رتبة الفريق الشرفية بالقوات المسلحة، تقديرًا لدوره فى الدفاع عن مدينة السويس.
فبعد أيام قليلة من زيارة الرئيس السادات إلى القدس نوفمبر ٧٧ التى رافقه فيها حسن التهامى وبطرس غالى والكاتب أنيس منصور وإحساسه بأن قفزته فوق إجراءات السلام ربما قد تفشل بسبب تعنت رئيس الوزراء الإسرائيلى مناحم بيجين. فقد اتفق السادات وبيجين على استخدام قناة غير رسمية لاستمرار الاتصالات بينهما عن طريق حسن التهامى من مصر وموشى ديان من إسرائيل، تم تحديد موعد ثانٍ للقاء ديان والتهامى فى المغرب يوم الثانى من ديسمبر ١٩٧٧ تقريبًا بعد ثلاثة أشهر من الزيارة الأولى.
ومنذ أول لحظة بدا أن الإسرائيليين يمارسون جيدًا لعبة الصلاحيات. فعندما جلس ديان إلى حسن التهامى بحضور ملك المغرب الملك الحسن قال ديان: إن الأفكار التى يطرحها لم يوافق عليها مجلس الوزراء، غير أنه اتفق مع بيجين على تقديم مشروع لمقترحات إسرائيل لمعرفة رد مصر عليها، فإذا ما كانت إيجابية ستتم صياغتها فى مقترحات محددة بحيث إذا وافق عليها مجلس الوزراء الإسرائيلى تجرى على الفور مناقشات عملية مع الحكومة المصرية. أما إذا رفضت مصر هذه المقترحات من حيث المبدأ فإنها ستعتبر لاغية وليس لها أى صفة رسمية وسيكون على إسرائيل إعادة النظر فى موقفها.
وقد تحدث التهامى بعد ذلك فقال بحسم- كما ذكر ديان- إنه بالنسبة للمستوطنات الإسرائيلية فى سيناء فلا بد من إزالتها جميعًا، وإن رئيس مصر وشعبها لن يقبلوا مستوطنة إسرائيلية واحدة ولا حتى جنديًا إسرائيليًا واحدًا فى سيناء. ولا جدوى من إضاعة الوقت فى هذا الموضوع لأنه لن يكون هناك سلام حقيقى بين مصر وإسرائيل طالما ظل الإسرائيليون على أرضنا.
ولم يتغير موقف التهامى- يقول ديان- بالنسبة لشرم الشيخ. حقيقة أن السادات وافق على تواجد قوات الأمم المتحدة، ولكن ذلك لضمان حرية الملاحة عبر الخليج فقط. قال التهامى: حتى إدخال تغيير على الحدود الدولية أمر غير وارد، وعلم مصر سيرفرف على أرض سيناء غرب الحدود الدولية وليس علم الأمم المتحدة وإنما العلم المصرى وحده.
ويستمر موشى ديان بقوله: انتهت المحادثات وودعت الملك الحسن فقبلنى الملك هذه المرة على وجنتى وكان قد اكتفى بمصافحتى عند وصولى فى الليلة الماضية. ولم أشعر بالسعادة- يقول ديان- عندما جلست فى الطائرة عائدًا إلى إسرائيل، وأنا أُعيد التفكير فى المحادثات التى جرت، حيث لم يتضح الموقف المصرى. فقد ترك التهامى لدىّ الانطباع بأنه شخصية غامضة، خاصة عندما يزعم أنه من المقربين للسادات، فقد كانت كلماته كأنها صادرة عن السادات، لكنه لا يمثل الحقيقة، إذ إنه ليس مفوضًا لطرح أى أفكار إزاء القضايا العامة، وإنما ينصت ثم يتكلم فحسب.
فى مباحثات السلام فى كامب ديفيد سبتمبر 1978، كان التهامى ضمن أعضاء الوفد المصرى وكان حسن التهامى يجلس مع الرئيس السادات، فى استراحته. فكان يحدث أن يكون جالسًا بين أصدقائه ثم ينهض فجأة، ويقول بصوت مرتفع: «وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته»، ويقول التهامى إن سيدنا الخضر مر أمام الجالسين، ولكن لا يراه ولا يرد عليه السلام إلا من كُشف عنه الحجاب فقط.
ومع ذلك ظل حسن التهامى أقرب المقربين للرئيس السادات إلا أنه أدلى فى عام 1979 بتصريحات صحفية معادية لليهود وللإسرائيليين نُشرت فى الكويت وأثارت استياء السادات والحكومة الإسرائيلية، ما أدى إلى عودته مرة أخرى إلى دائرة الظل حتى توفى فى 9 ديسمبر 2009.