رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«رمضان فى مصر» أولى ندوات «الأعلى للثقافة» بالشهر الفضيل

الأعلى للثقافة
الأعلى للثقافة

 عقد المجلس الأعلى للثقافة تحت رعاية الدكتور هشام عزمى، الأمين العام للمجلس،أمس، أولى ندواته فى الشهر الفضيل، تحت عنوان "رمضان فى مصر"، ونظمتها لجنة التربية وعلم النفس بالمجلس، وأدارها الدكتور عصام الدين هلال، الأستاذ بكلية التربية جامعة كفر الشيخ، وتحدث فيها الدكتور كمال مغيث، الخبير بالمركز القومى للبحوث التربوية.

تحدث الدكتور كمال مغيث راويًا ذكريات نشأته فى المنوفية، منذ ما يزيد عن خمسة عقود، كان الأطفال يحملوا الفوانيس الصغيرة، المصنوعة من بقايا الصفيح والزجاج الملون؛ حيث كان ثمن الفانوس لا يتجاوز القروش الخمسة، ويشعلها الأطفال فوانيسهم المزودة بالشمع ونمر على البيوت، وهى فى النهاية بيوت أقاربنا وجيراننا، ونحن ننشد وحوى يا وحوى.. إياحة، حالو يا حلو رمضان كريم يا حالو، وكان هؤلاء الأقارب يجودون على الأطفال ببعض التمرات أو ثمار الفاكهة.

 وأضاف أن تلك الأغنية تُعد واحدة من أهم الأغانى الرمضانية التراثية المصرية والتى يردد كلماتها كل عام الشعب المصرى والعربى أجمع، بالتزامن مع حلول هلال شهر رمضان المبارك، مؤكدا أن اهتمامه بفك رموز ثقافة شعبنا المصرى، قد دفعة إلى محاولة فهم معانى كلمات تلك الأغنية، وكان من المنطقى أن يبدأ بالبحث فى القواميس والمعاجم العربية عن معنى كلمة: "وحوى" و"إياحة"، لكن معاجم اللغة العربية لم تسعفه بشىء؛ فاستعان بخزانة ذكرياتنا وتراثنا المصرى، وأوصله بحثه إلى الملكة (إياح حتب) التى يشار إليها فى الأغنية بكلمة "إياحة" تدليلًا لها، وتعود كلمات مطلع الأغنية إلى حقبة احتلال الهكسوس لمصر فى أواخر القرن الثامن عشر قبل الميلاد، إبان حكم (تاعا الثانى) الملقب كذلك بـ (سقنن رع) وكانت زوجته الملكة (إياح حتب) تدعمه وتشجعه على طرد هؤلاء الغزاة من أرض الوطن؛ فراح الرجل يعد العدة ويجند الجند ويواصل التدريبات، ونقلت هذه الأخبار إلى ملك الهكسوس الذى أرسل رسالة سخرية إلى الملك (تاعا الثانى)، يقول فيها: "أسكتوا أفراس النهر التى تصيح فى طيبة، إنها تزعجنى"، وقامت الحرب بينهما وتقدم جيش (طيبة)، وتحت أسوار (أواريس) ينال الملك (سقنن رع) ضربتى دبوس قاتلتين، واحدة فى فكه الأسفل والأخرى فى جمجمته، هكذا نجد أثر الضربتين حينما نقف أمام مومياء ذلك الملك المناضل العظيم، وبعد أن فقدت الملكة زوجها الذى فاضت روحه قبل أن يتم الانتصارخلال مواجهته للغزاة دفاعًا عن شعبه، ولكن الملكة (إياح حتب) لم تيأس؛ فدفعت بابنها الأكبر لكى يستكمل الحرب أمام الهكسوس، ولكنه مات أيضًا، ولكن لم ينل ذلك أيضًا من عزيمتها؛ فوجهت دعمها إلى ابنها الثانى الملك (أحمس) الذى نجح فى طرد الهكسوس من مصر، وبعد هذا الانتصار الكبير الذى حققه الملك (أحمس)، خرجت جموع المصريين احتفالًا بالنصر فى استقبال الملكة المنتصرة (إياح حتب)، حاملين المصابيح وينشدون "وحوى يا وحوى إياحة"، وتعنى هذه الكلمات: مرحبًا يا قمر الزمان أو أهلًا يا قمر الزمان، ومن هنا انصهر هذا فى تراثنا المصرى، لكى تبقى هذه الأغنية رمزًا لفرحتنا كلما استقبلنا هلال شهر رمضان المعظم، تلك الأغنية التى استنبط روحها الشاعر حسين حلمى المانستيرلى وقام بتلحينها أحمد الشريف وغناها أحمد عبدالقادر للإذاعة المصرية.

وتابع الدكتور كمال مغيث حول مقرئي القرآن الكريم، وما قدمه كل منهم من إبداعات وأساليب فريدة؛ موضحا أنهم استطاعوا تقديم قراءة مجودة، مبنية على أنغام المقامات الموسيقية مثل مقام البيَّات، وهو مقام يمتاز بالخشوع، ومقام النهاوند الذى يبرز العاطفة ويبعث على ترقيق المشاعر، مشيرا إلى أن وضع المقرئ كفه خلف أذنه هى عادة مصرية خالصة، اعتاد على تأديتها المصرى القديم وقت إنشاده، وقد ترسخت منذ آلاف السنين فى مكنون الشخصية المصرية؛ فبفضل تلك الوضعية لليد خلف الأذن يستطيع القارئ أن يستمع بشكل أفضل لما ينشده من مقامات، وبذلك يكون أكثر تمكنًا من التجويد وإضافة العُرب الموسيقية، وقدم بعض التسجيلات الخاصة بتجويد القرآن بواسطة أبرز المقرئين المصريين مثل الراحل الشيخ مصطفى إسماعيل.

وأكد أن رمضان كان يمتاز بالهدوء أكثر من وقتنا، وكانت الناس تعتبره وسيلة للتسامح مع النفس والآخرين، دون أى تدخل فى أمورهم والحكم عليهم بالتقصير، سواء من لم يصم جراء مرضه وما إلى ذلك، مشيرا إلى أن أبرز الظواهر السلبية التى صرنا نشهدها رمضان مؤخرًا، الإصرار على الصيام من قبل البعض، حتى فى حالة المرض، وهذا مرفوض لأنه يشكل خطرا على الإنسان لا يريده الخالق عز وجل، حتى إننا نعلم أن الله يحب أن تؤتى رخصه.