رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«نوّارات مصر».. كيف نجحت الدولة فى حصار الختان؟

ختان الإناث
ختان الإناث

تواصل الدولة بذل الجهود من أجل رفع الوعى بالقضايا المجتمعية المهمة بما تشمله من قضاء على العادات الضارة، وفى مقدمتها ختان الإناث باعتباره جريمة فى حق الفتيات لها آثار صحية ونفسية جسيمة، وتتنوع الجهود بين حملات التوعية والتثقيف وتغليظ العقوبات وتشديد الرقابة، وهى الجهود التى أسفرت عن انحسار الظاهرة بشكل كبير.

التضامن: استجابة كبيرة من الأسر بعد برامج الدولة التوعوية

أكدت نيفين القباج، وزيرة التضامن الاجتماعى، أن الوزارة تعمل على رفع وعى الأسر الأولى بالرعاية، لتحذيرهم من عواقب وتداعيات بعض الممارسات الضارة ضد الفتيات، منها ختان الإناث، أو الحرمان من التعليم، أو تزويج القاصرات أو التمييز ضد الفتيات فى التنشئة الأسرية.

وأضافت أن الوزارة تطلق العديد من الحملات لمواجهة ختان البنات، للوصول للفئات الأولى بالرعاية، أبرزها حملة «ختان البنات جريمة» التى تتضمن عروضًا فنية وندوات تثقيف وحوارات مجتمعية وجلسات حكى، من خلال الاستعانة بـ١٤ ألف رائدة اجتماعية على مستوى محافظات الجمهورية، إضافة إلى متطوعى عدد من الجمعيات الأهلية الشريكة.

وأكدت أن ختان البنات مرفوض بكل صوره وأشكاله، وجريمة يعاقب مرتكبها، سواء كان طبيبًا أو غيره وبغض النظر عن الدافع لها أو ما ينتج عنه من أضرار.

وأشارت إلى أن الوزارة تربط الالتزام بالقانون والتخلى عن العادات الضارة بالخدمات التى تقدمها تحت مظلة الحماية الاجتماعية، مثل الدعم النقدى «تكافل وكرامة»، بحيث يجرى حرمان الأسر من الدعم فى حال لم تلتزم باستمرار تعليم الفتيات ومنع تزويجهن فى سن مبكرة أو إجبار الأطفال على العمل أو منع ختان الإناث.

وأطلقت «التضامن» حملة «ختان البنات جريمة» فى ٦ فبراير الماضى وتمتد إلى ١٥ مارس الجارى، وتعمل من منظور اجتماعى وثقافى وصحى، لتزويد الأسر بالمعلومات الصحية والنفسية والدينية الموثقة عن أضرار الختان.

وتستهدف العديد من التدخلات والفعاليات التى تنفذ بالمحافظات، خاصة بالقرى التى ما زالت تعانى من تلك الممارسات لأسباب اجتماعية أو اقتصادية- التخلى عن هذه الممارسة التى جرمها القانون، من أجل صحة ومستقبل الفتاة ومن ثم مستقبل أسرتها بعد زواجها، وذلك من خلال تنظيم حوارات مجتمعية وندوات ثقافية، تتضمن عروضًا فنية وجلسات حكى للأسر والأهالى المستهدفين. 

وكشفت الوزارة عن نتائج المسح الصحى للأسرة المصرية الصادر عن المركز القومى للتعبئة والإحصاء، الذى يشير إلى انخفاض نسب الختان بين الفتيات من سن يوم و١٩ عامًا بنسبة ١٤٪ بنحو ٨ نقاط أقل من المستوى المسجل فى ٢٠١٤.

كما انخفضت نسبة الأمهات اللاتى لديهن نية ختان بناتهن فى المستقبل إلى ١٣٪ فقط، مقارنة بحوالى ٣٥٪ فى عام ٢٠١٤، وهو ما يدل على استجابة الأسر المصرية بكل فئاتها إلى تدخلات الدولة فى تنفيذ برامج توعوية خاصة بعد تغليظ عقوبة الطبيب مجرى العملية إلى السجن المشدد ٧ سنوات وفقًا للقانون رقم ١٠ لسنة ٢٠٢١. وأوضحت الوزارة أن الأسر المتعلمة التى تعيش فى المدن تخلت عن التمسك بختان بناتها منذ منتصف القرن الماضى، حيث تشير النتائج إلى انخفاض نسب الختان مع ارتفاع المستوى التعليمى لتصل النسبة إلى ٨٢٪ بين السيدات اللاتى أتممن المرحلة الثانوية، مقارنة بالسيدات اللاتى لم يسبق لهن الذهاب إلى المدرسة.

الأمهات: قاومنا الآباء من أجل بناتنا

قالت أسماء أو أم عبدالرحمن من محافظة بنى سويف، إنها تزوجت فى سن ٢٠ عامًا، وحاصلة على دبلوم فنى تجارى، ولديها ٣ أبناء هم منة، ١٢ عامًا، وتدرس فى الصف الخامس الابتدائى، وعبدالرحمن، فى الصف الثانى الإعدادى، ومروان بالحضانة.

وأضافت: «رغم العادات والتقاليد التى تسيطر على أهالى القرية، فإن حملات التوعية التى نفذتها وزارة التضامن من خلال الرائدات الريفيات نجحت فى إقناعى بالتراجع عن ختان بنتى بعد أن أثبتن لى بالأدلة العلمية والشرعية عدم جدوى هذه العملية ومخاطرها الصحية والنفسية واحتمالية تعرضها لخطر النزيف الحاد المؤدى للوفاة». وتابعت: «الرائدات الريفيات استعن بالأطباء والشيوخ والقساوسة للحديث معنا وإقناعنا بالأدلة، وأنا اقتنعت وأقنعت زوجة أخى وشقيقاتى بالتخلى عن هذه العادة الضارة».

وقالت إيمان السيد، من محافظة الغربية، متزوجة منذ ١٥ عامًا، حاصلة على دبلوم فنى زراعى، ولديها ٣ بنات، الأولى ١٢ عامًا، والثانية فى الصف الثانى الابتدائى، والأخيرة عمرها عام ونصف العام، إنها واجهت العديد من التحديات لمنع ختان بناتها خاصة مع إصرار زوجها وحماتها على ختانهن.

وأضافت: «أجلت ختان ابنتى الكبيرة أكثر من مرة أملًا فى أن تحدث معجزة تنقذها من هذه العملية الخطيرة، وقد استجاب الله لدعائى وأرسل لى رائدة ريفية نجحت فى إقناع زوجى وحماتى بمخاطر الختان وأضراره من خلال أكثر من جلسة وندوة».

وتابعت: «التوعية لعبت دورًا إيجابيًا ونجحت فى إقناع عدد كبير من الأسر بالتراجع عن التفكير فى ختان بناتهن من خلال الاستعانة بقصص واقعية انتهت بشكل مأساوى وأحيانًا بالمشايخ والقساوسة لما لهم من كلمة مسموعة بين الأهالى».

وقالت شيماء أو أم محمد: حاولت منع ختان شقيقتى الصغرى التى تصغرنى بــ١٤ سنة، وذات مرة جاءت الرائدة الريفية للحديث مع أهالى القرية فى عدة قضايا منها الختان، وبالطبع هناك العديد من الأهالى رفضوا ولكنها استمرت وحاولت أكثر من مرة حتى نجحت فى إقناع عدد كبير منهم وعلى رأسهم والدتى».

رائدات: نستعين بالمشايخ والقساوسة والعروض الفنية لشرح الأضرار

كشفت هدى سميح، من محافظة الغربية، رائدة اجتماعية بوزارة التضامن عن أنها تعمل فى مجال توعية سكان القرى بالمخاطر الصحية والعادات السليمة منذ ١٥ عامًا.

وأضافت: «أعمل ضمن برنامج وعى الذى يضم ١٢ قضية مجتمعية، ونركز كل شهر على قضية واحدة تقريبًا».

وتابعت: «فى البداية لم يتفاعل معنا أهالى القرى بحماس خاصة فيما يتعلق بقضية ختان الإناث، ولكن الوضع الحالى مختلف تمامًا ونلاحظ وجود معدلات استجابة عالية، خاصة بعد الاستعانة برجال الدين الإسلامى والمسيحى وصدور أحكام قضائية بحق أطباء تورطوا فى إجراء عمليات ختان».

واستطردت: «عقدنا عدة ندوات للتوعية ومسرحيات فى الشارع تستهدف جميع فئات المجتمع، خاصة كبار السن من السيدات اللاتى يتمتعن بنفوذ واسع على بناتهن وحفيداتهن».

وقالت سعاد سيد عيسوى، رائدة مجتمعية من مدينة البدرشين بمحافظة الجيزة، إن توعية السيدات تجاه قضية الختان وأضرارها يتم من خلال تجمعات تضم عددًا كبيرًا منهن بهدف ضمان استفادة أكبر عدد ممكن من رسائل التوعية.

وأضافت: «فكرة تغيير عادة استمرت لأجيال صعب للغاية، لأنها تكون تمكنت من تفكيرهم، وقصص السيدات اللاتى تعرضن للختان تؤكد أنها تجربة قاسية ومريرة، ويصفنها باليوم الأسود».