رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التنمية السريعة ردًا على «التنمية الكسولة»

هل يشعر الرئيس- أى رئيس- بالظلم؟ نعم يشعر الرئيس بكل المشاعر التى يشعر بها الإنسان فى حياته.. متى يشعر الرئيس بالظلم؟.. إذا أحس أن ما يقوم به يتم تشويهه.. أو أنه غير واصل للناس كما ينبغى.. أو أن ظروفًا معاكسة منعت جنى ثمار ما يقوم به.. أو أن ظروفًا دبلوماسية تمنعه من أن يطلع الناس على حجم الحقائق والتحديات والمؤامرات التى مررنا ونمر بها ونجانا الله وسينجينا منها بإذن الله.. هل يشعر الرئيس السيسى بالظلم إذن رغم سلطته الكبيرة كرئيس قوى وقائد كبير.. أنا كمحلل سياسى أقول إن خطابه يكشف عن شىء من هذا.. وإن بعض الظروف قد ساهمت فى هذا الظلم.. فالرئيس جاء بعد فترة جمود سياسى بدأ منذ التسعينيات ثم فترة سيولة سياسية وهى عكس الجمود بدأت منذ ٢٠١١ وكادت تذوب فيها الدولة ومؤسساتها.. وفى فترة الجمود السياسى كانت الدولة تتبع نمطًا من التنمية يمكن تسميته بنمط «التنمية الكسولة» أو «التنمية الحذرة».. حيث كان يسود نوع من الحرص على السير البطىء أصبح مع الوقت سيرًا فى المكان.. وساعد على ذلك الطبيعة الشخصية للقيادة فى ذلك التوقيت.. ثم تدخل العنصر البشرى مع التقدم فى السن فأصبح البطء جبرًا لا اختيارًا.. وبدا أن العالم والشرق الأوسط كله يتغير ونحن ثابتون فى محلنا.. ثم كان التفكير فى حل الأزمة عن طريق مجموعة من رجال الأعمال عرفوا برجال أمانة السياسات.. وكانت ميزتهم الأساسية هى عيبهم الكبير.. فقد كانوا أقرب فى طبيعتهم للخبراء الأجانب لا للقادة الوطنيين وكانوا أكثر إلمامًا بأحوال مجتمعات الغرب من إلمامهم بأحوال المجتمع المصرى، وبدوا أمريكيين وأوروبيين أكثر منهم مصريين.. وبدوا وكأنهم إدارة وافدة لشركة متعثرة.. لكن الحقيقة أن الأوطان غير الشركات.. ففى الأوطان لا يمكن فصل الملكية عن الإدارة.. كما كان رجال السياسات يريدون.. والوطن مملوك لشعبه ورجاله الذين أحسوا أنهم ليسوا طرفًا فى المعادلة لا من قريب ولا من بعيد.. فكان أن رفض الناس ما يحدث من صميم قلوبهم وكرهوه.. فلو كان المصريون يكترثون بالنتائج التى تحققها إدارة ليست منهم لرحبوا بالنتائج التى حققها لورد كرومر عقب الاحتلال البريطانى لمصر.. لكنهم كرهوه كما لم يكرهوا أحدًا وقاوموه كما لم يقاوموا أحدًا واستمرت جهودهم حتى نجحوا فى إقصائه.. وكان السبب أنه أدار مصر كشركة لا كوطن.. والمصريون يؤمنون بأن مصر وطن لا شركة.. وقد جاء الرئيس السيسى للحكم فى ٢٠١٤ ليجد أن الناس رفضوا حكم من تأكدوا أنه لا يشبههم فى الطبع والثقافة وظنوا أنه يعاملهم باستعلاء.. ثم رفضوا حكم الجماعة الإرهابية بعد أن تأكدوا أنها بديل وهمى يفتقر للكفاءة والمعرفة بشئون الحكم.. وأن البلد تعطل عن التنمية كثيرًا بفعل كل ما جرى.. قبل يناير وبعد يناير، وأنه ليس أمامه سوى أن يسابق الزمن ويعوض ما فات.. وأن يستعين بالقوة العملاقة للقوات المسلحة فى عملية البناء والتنمية استنادًا لعدة عوامل.. أولها أن هذه قوة وطنية خالصة يثق فيها المصريون كما يثقون فى أنفسهم لأن أبناءهم هم قوامها الرئيسى والوحيد.. وأن هذه قوة كبيرة من حيث العدد والإمكانات والكفاءات والانضباط.. وأنها تستطيع أن تشارك فى محاربة التخلف بنفس الكفاءة التى تستطيع بها قتال العدو فى ساحات المعارك.. ولذا كان الرئيس يسير فى نهجه للتنمية عكس نهج «التنمية الكسولة» أو فى اتجاه معاكس لها.. أو وكأنه ابتكر منهج «التنمية السريعة» و«التنمية الشاملة».. فهو يفكر أن موانئ مصر كلها يجب تطويرها وإضافة موانئ جديدة بها وينفذ هذا فورًا على أحسن ما يكون التطوير.. وهذا واقع موجود الآن على الأرض.. لا خيال فى الأذهان..وهو يفكر أن البحيرات المصرية تمت إهانتها والتعدى عليها وإهدار الفرص الكامنة فيها فيطهرها كلها على أفضل ما يكون التطهير.. وهو يفكر أن مخططات ربط شرق مصر بغربها وربط العالم كله من خلالها قد آن أوان تنفيذها فيشق الطرق والمحاور ويمد خطوط القطارات بمختلف أنواعها.. وهذا كله واقع موجود على الأرض وليس خيالًا فى ذهن من يكتب أو يتحدث.. ثم يفكر- كما رأينا أمس الأول- أن سيناء ظلت قرونًا طويلة متروكة كساحة محتملة للمعارك فيقرر أنه آن الأوان لتنميتها ويخوض معركة عملاقة لتنمية ستين ألف كيلومتر مربع ومد الطرق والكهرباء والمياه وتطوير الزراعات وبناء المدن والتجمعات السكنية والمصانع.. فيفعل هذا كله أو جزءًا منه كأفضل ما يكون الفعل.. ثم يمارس فضيلة العدل السياسى الذكى فيشرك أهل سيناء الأصليين فى عمليات التنمية والتملك وجنى الثمار لأنه يدرك أن استبعاد أهل سيناء من جنى الثمار كان أهم أسباب تورط بعضهم فى الإرهاب.. ولأنه أيضًا يؤمن بأن مصر لكل أبنائها وأنه يجب أن يتم إنصاف أبناء سيناء كما تم إنصاف أبناء النوبة مثلًا وتعويضهم عن أضرار لحقت بهم منذ بداية القرن الماضى دون قصد من أحد.. إننا إزاء طموح كبير.. وحركة عملاقة وروح مغامرة.. لم نعتد عليها كمصريين لأننا رغم تقدم الزمن ما زلنا نؤمن بأن «الباب اللى يجيلك منه الريح سده واستريح»!! ونؤمن بأن عدم المغامرة أفضل من المغامرة ونقول «امشى سنة ولا تعدى قنا» أى لا تغامر بعبور قناة حتى لو استدعى الأمر السير لمدة عام.. ولم تثر هذه الحركة الطموحة مخاوف المصريين فقط.. لكنها أثارت مخاوف دول وحكومات كانت قد بنت مخططاتها على أن العملاق المصرى سيستمر فى سباته سنوات طويلة فإذا بها تجده يستيقظ ويمارس حقه المشروع فى الطموح والحلم لنفسه وللآخرين.. لكن العمالقة دائمًا ما يخيفون الآخرين حتى ولو كانوا طيبين ويضمرون الخير للجميع.. ورغم أن كل هذا واصل بالفعل للقاعدة العريضة من المصريين وأنه هو دافعهم الأول للصبر والتحمل والأمل فى الله.. إلا أن الظرف الاقتصادى أعطى فرصة لخليط من المزايدين حينًا والمضارين من التغيير حينًا وللإرهابيين حينًا لاستغلال معاناة المواطن وإشعاره أن كل ما تحقق- وهو كثير جدًا- قبض ريح.. وأنه لم يحدث من الأساس.. بل إنه هو نفسه سبب الأزمة.. وهذا كذب صريح وظلم كبير.. سواء شعر به الرئيس أو لم يشعر.. وإن كنت أظن أن من حقه أن يشعر بالظلم.