رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ما قبل اغتيال رابين

هذه المرة يوجد شىء جديد، من يتابع إسرائيل يفهم أن الاضطرابات والخلافات والتوتر شىء عادى، الحوادث الأمنية والخلافات بين قيادات الحكومة شىء طبيعى، قد نقلق إذا مرت أيام هادئة، هذا يعنى أن هناك ترتيبات كبيرة لشىء ما سيحدث، لكن هذه المرة هناك شىء جديد، الحديث يدور أولًا وبالأساس عن خطر تآكل الجبهة الداخلية لإسرائيل.

الإصلاحات القضائية التى يطرحها وزير العدل تمزق المجتمع الإسرائيلى بصورة خطيرة، كانت هناك أيام مثل هذه، لكن لم تكن هناك دومًا أيام مثل هذه.

عرف المجتمع الإسرائيلى الغضب والتمزق، فى فترات متقطعة، كانت ذروتها أثناء «اتفاقيات أوسلو» فى التسعينيات من القرن العشرين، و«فك الارتباط» عن غزة فى الألفية الثانية، لكن هذه المرة ثمة شىء جديد، إذ إن الخلاف حينها كان على حدود إسرائيل، لكن اليوم الأزمة أعمق، لأنه يدور حول هوية إسرائيل وأعمدة الديمقراطية والقضاء.

سابقًا كان التهديد من اليمين، بسب رفضه أوسلو وفك الارتباط، لكن اليوم التهديد والصراخ والتحريض من الجانبين، اليمين واليسار، فبالإضافة إلى التصريحات المتطرفة، تحدث نتنياهو عن تهديد واضح على حياته.

الإسرائيليون يعرفون عمق الأزمة، يعتقد حوالى ٦٠٪ من الإسرائيليين من جميع الخلفيات والفصائل السياسية أن تعديل النظام القضائى سيؤدى إلى أعمال عنف من أى نوع، يخشى أكثر من ثلث الإسرائيليين من احتمال اندلاع حرب أهلية بسبب الإصلاحات القضائية المقترحة من قِبل الحكومة، وفقًا لاستطلاع أجراه معهد سياسة الشعب اليهودى «JPPI»،٤١٪ من الإسرائيليين يؤيدون، و٤٤٪ يعارضون الإصلاح الذى يسعى إلى إصلاح العدالة وإعطاء الحكومة سلطة أكبر، وبينما يعتقد ٨٤٪ من الإسرائيليين أن النظام القضائى بحاجة إلى أى تغيير، فإن ٢٢٪ فقط يؤيدون كل تغيير مقترح فى الإصلاح، نتائج الاستطلاع هذه هى ضوء أحمر يشير إلى وجود تهديد حقيقى، هذه أرقام مخيفة وكبيرة وغير معهودة.

يمكن الاعتراف، الآن، بالانقسام فى المجتمع الإسرائيلى، وهذا بالأساس بسبب خطوات الحكومة فى المجال القضائى، ما عرّفته الحكومة كإصلاحات قضائية لتعزيز الديمقراطية هو، بحسب فئات واسعة داخل المجتمع، انقلاب على الحكم، يُضعف الديمقراطية ويعزز نظام حكم مركزى وعدوانى.

هذه الأيام نعرفها، تذكرنا بالأيام الأخيرة قبل اغتيال رئيس الوزراء الأسبق إسحاق رابين عام ١٩٩٥م، حيث قام طالب يدعى «يجال عمير» من اليمين المتشدد بإطلاق النار على رابين بعد فترة من التحريض الحاد والتطرف ضده مثل هذه الأيام.

بعد اغتيال إسحاق رابين تشقق المجتمع الإسرائيلى بشكل كبير، والتحريض الداخلى وصل مراحل خطيرة، وكانت الفترة التى تلت اغتيال رابين أكثر دراماتيكية فى تاريخ إسرائيل، كانت أيام تحريض شديد أخرى ليست بعيدة، عقب تشكيل حكومة «بينيت- لابيد»، وقتها اليمين بقيادة بنيامن نتنياهو كان يقود حربًا شرسة ضد الحكومة، ووقتها ارتفعت مؤشرات التهديدات، وكان هناك حديث فى الأوساط السياسية الإسرائيلية حول إمكانية تكرار مشهد اغتيال رابين، ووقتها اتهم اليسار نتنياهو بأنه يحمل مسئولية فى اغتيال رابين «بسبب الحملة الكبيرة التى شنها ضده وضد اتفاقيات أوسلو»، وأعادوا اتهامه بأنه يحرض ضد حكومة بينيت ولابيد، وبعد عام ونصف العام أصبح هناك تهديد مماثل اليوم من اليسار الإسرائيلى ضد الإصلاحات القضائية إلى حد خروج نتنياهو أمام كاميرات وسائل الإعلام ليصرح بأن هناك خطرًا على حياته.