رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خبراء: المسرح المدرسى ينمى شخصية الطفل ويزيد قدرته على مواجهة الحروب الثقافية

المسرح المدرسى
المسرح المدرسى

- اكتشاف الموهوبين وتشكيل الوجدان ومعالجة جفاف المواد التعليمية

قبل أسبوع أعلنت وزارة التربية والتعليم والتعليم الفنى عن إطلاق مبادرة إحياء المسرح المدرسى والفنون بالمدارس المصرية، بالتعاون مع وزارة الثقافة ومجموعة قنوات «مدرستنا» والشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، بهدف اكتشاف الموهوبين من الطلاب فى جميع المراحل التعليمية، وخلق جيل مثقف علميًا وفنيًا، وبث الروح الفنية وتنميتها عبر المسرح المدرسى.

ومع ترقب الإعلان عن تفاصيل المبادرة، خلال النصف الثانى من العام الدراسى الحالى، استطلعت «الدستور» آراء عدد من الخبراء فى مجالات التعليم والثقافة والفنون للتعرف على تصوراتهم عن كيفية إحياء المسرح المدرسى، وأثر ذلك على الطلاب فى حاضرهم ومستقبلهم، وأهم التحديات التى تواجه تلك المبادرة، بالإضافة إلى آليات تجاوز التحديات لتحقيق أقصى استفادة منها. 

وجه الدكتور هانى كمال، رئيس الإدارة المركزية لمكتب رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، الشكر لكل الأطراف المشاركة بمبادرة إحياء المسرح المدرسى، لافتًا إلى أن مجرد إطلاق المبادرة وبذل الجهود لتنفيذها على أرض الواقع هو أمر عظيم ورائع.

وأوضح أن هيئة قصور الثقافة لديها أكثر من ٦٢٠ موقعًا ثقافيًا فى كل ربوع مصر، وتضم خبرات رائعة من المتخصصين فى كل الأنشطة الثقافية والفنية الموجهة للطفل، لذا فإنه يمكن فى ضوء التعاون بين وزارتى الثقافة والتربية والتعليم استغلال تلك الإمكانيات من أجل تعليم الطلاب وتدريبهم على الأنشطة المسرحية والموسيقية والفنون التشكيلية وغيرها، مع سد العجز فى المتخصصين فى تلك المجالات بالمدارس.

وأضاف: «مشاركة الطفل فى العروض المسرحية هى عملية شديدة الأهمية، فالمسرح هو أبوالفنون، ومن خلاله يتعرف الطفل على أشكال متنوعة من الفنون، مثل الديكور والموسيقى والتمثيل والتأليف وغيرها، ومشاركة الطفل فى المسرح خلال سنوات عمره الأولى تساهم بشكل كبير فى تشكيل وجدانه، وتجعله قادرًا على مواجهة المجتمع والحديث أمام الجمهور، مع معالجة أى مشكلات تتعلق بالنطق أو العزلة الاجتماعية، بالإضافة إلى زيادة قدرته على التعبير عن إبداعاته وأفكاره».

وعن آليات تنفيذ المبادرة على أرض الواقع، قال: «لا بد أن تكون لدينا خطة استراتيجية واضحة، وبرامج لإحياء المسرح المدرسى، وأقترح تشكيل لجنة عليا من المتخصصين والمعنيين بالأمر، من داخل وزارة الثقافة وخارجها، لوضع برامج ذات أهداف توعوية، كما أن علينا التنسيق لتكوين تصور عن الاحتياجات الفعلية للطلاب عبر المتخصصين فى مجال التربية المسرحية على مستوى الجمهورية، كما أن علينا تخصيص ميزانيات واضحة لممارسة هذا النوع من الأنشطة بالمدارس».

قالت الدكتورة رضا بكرى، موجه التربية المسرحية بإدارة شرق مدينة نصر بوزارة التربية والتعليم، إن مبادرة إحياء المسرح المدرسى هى حلم كان يحلم به معظم المهتمين بالمسرح والتعليم، لما للمسرح من قدرة على اكتشاف وثقل مواهب الطلاب، وبناء شخصياتهم الثقافية والفكرية.

وأوضحت أن مشاركة الطفل فى العروض المسرحية لها أثر كبير فى تكوين شخصيته من عدة جوانب، سواء على مستوى ثقته بنفسه وتقديره لذاته، أو أثناء وقوفه على المسرح وتلقى تحية الجمهور، أو على مستوى علاقته بالآخرين، من خلال التفاعل مع زملائه وأساتذته.

وأضافت: «المسرح هو عمل جماعى، يجعل الطفل يتعاون مع زملائه، ويكوّن صداقات ويتخلص من الخجل والعزلة، كما يمكن استخدامه فى تعديل بعض السلوكيات الخاطئة، مع الارتقاء بالذوق الفنى للطفل، وزيادة ثقافته وعلمه من خلال المحتوى المقدم».

وعن خطوات تنفيذ المبادرة على أرض الواقع، أشارت إلى أنه سيجرى تكوين فرق مسرحية من الطلاب، تحت إشراف الإخصائيين بالمدارس، لاختيار الطلاب الراغبين فى الانضمام إلى هذا النوع من الأنشطة، مع دعم الطفل فنيًا من خلال إعداده للتمثيل والتعبير الصوتى والجسدى بطريقة بسيطة تتناسب مع مرحلته العمرية.

وعن التحديات التى تواجه المبادرة، قالت: «المسرح المدرسى بحاجة لتنميته مهنيًا وفنيًا عبر تطوير الأدوات وتأهيل الإخصائيين فى التربية المسرحية، وتدريبهم وتثقيفهم بشكل مستمر، كما أن هناك ضرورة لتوفير مسرح مجهز بكل ما يساعد الإخصائى أو المخرج على تقديم العرض المسرحى بشكل فنى يجذب الطلاب ويجعلهم يرغبون فى المشاركة».

وأكدت أن مبادرة إحياء المسرح المدرسى قوبلت بحماس شديد، لافتة إلى أن تأثيرها سيتجاوز المدارس، خاصة فى ظل الاهتمام الكبير من الدولة ومديرى المدارس والمدرسين، وحتى أولياء الأمور أنفسهم.

«إحياء المسرح المدرسى هو ضرورة لمواجهة التحديات المعرفية والتأثيرات الجديدة على النشء»، بهذا بدأ محمد ماجد، معلم أول التربية المسرحية بمديرية التربية والتعليم بالغربية، حديثه لـ«الدستور» عن أهمية المبادرة، مؤكدًا أهميتها فى ظل ما يواجهه الأطفال والشباب فى ظل العولمة من تأثيرات نفسية واجتماعية وهجمات على الهوية الثقافية للمجتمع.

وقال: «المبادرة قادرة على معالجة جفاف المواد التعليمية وقصور المناهج الدراسية على الاهتمام بالجانب الثقافى ومهارات التفكير الإبداعى والنقدى والتذوق الفنى، ومواجهة انتشار ثقافة القبح، بشرط أن تعمل وفق أهداف واضحة، وبشكل يوائم بين الفن والتربية، مع الاستعانة بمتخصصين من داخل المؤسسة التعليمية».

وأضاف: «اهتمام الأطفال بالمسرح المدرسى لا يحتاج لجهد كبير، لأنهم عادة يسعون لذلك مدفوعين بشغف الطفولة والحب الفطرى للدراما والقص والتقليد والمحاكاة، وهى أمور تصاحب البشر منذ نشأتهم، ولا يحتاج الأمر سوى لبعض الدعم والإشادة، مع تسليط الضوء على أهمية ما يقدمونه لمجتمعهم».

وأشار إلى أن أهم المشكلات التى سيعانى منها المسرح المدرسى هو عدم إدراك الهدف الحقيقى من المبادرة لدى كثير من المسئولين عن التربية المسرحية، نظرًا لكونهم من غير المختصين أو لفقدان بعضهم المعرفة أو الموهبة، موضحًا أن ذلك جعل مناهج التربية المسرحية تعانى منذ سنوات من فقدان البوصلة وتركز فقط على مهارات التمثيل والإلقاء.

وتابع: «البعض سيعتقد خطأ أن هدف المبادرة هو إعداد ممثل مسرحى، وهذا أمر غير صحيح بالمرة، ويغفل ما هو أهم من ذلك بكثير، وهو تعزيز مهارات الاتصال لدى الأطفال، وزيادة مهاراتهم الفكرية والمعرفية فى مجالات النقد والتحليل والاستنباط، وتعزيز تواصلهم مع التجربة الإنسانية والتراث والهوية من خلال الدراما، مع سد الفجوة الثقافية فى المناهج الدراسية، وهذا أمر يجب الاهتمام به، لأن هذه هى الأهداف العليا للعملية التعليمية عمومًا».

وقالت الدكتورة هالة فوزى عبدالخالق، الأستاذ المساعد بكلية التربية النوعية جامعة طنطا، إن مبادرة إحياء المسرح المدرسى ستساعد على اكتشاف الموهوبين ورعايتهم، وتعزيز اهتمام الأسرة والأطفال بالفنون والمعرفة، ما يؤدى لخلق جيل مثقف علميًا وفنيًا. 

وأضافت: «المبادرة تحتاج للتنسيق مع كليات التربية النوعية، لأنها المنوط بها تخريج إخصائى المسرح فى المدارس، كما تحتاج من الإعلام المرئى أن يلعب دوره لتوضيح مدى أهمية هذه المبادرة للأطفال، خاصة إذا استطاع عرض بعض المسرحيات على قنوات التليفزيون، ما يزيد من الاهتمام بها، ويسمح برعاية الموهوبين وتقديم الدعم المادى والمعنوى والعلمى لهم».

وتابعت: «نجاح المبادرة يحتاج لتوافر عدة عوامل، منها التأكد من إمكانيات المدارس، ومدى توافر الأماكن المخصصة للتدريب وتقديم العروض، وكذلك توافر المختصين فى مجال المسرح المدرسى، حتى يشعر الطفل بأهمية الأمر وجديته، ويتأكد أن المشاركة فيه ليست مضيعة للوقت».

واستطردت: «تحتاج المبادرة أيضًا إلى تبنى المواهب الجادة، سواء فى التمثيل أو الكتابة أو الإلقاء، ورعايتها حتى بعد التخرج فى المدرسة، عبر التنسيق مع وزارة الثقافة ودمجهم فى ورش لصقل مواهبهم، مع تقديم الحوافز المعنوية والمادية للمدارس الفائزة بعروضها على مستوى الجمهورية».

وقالت الدكتورة مايسة على زيدان، أستاذ المسرح ورئيس قسم الإعلام التربوى بكلية التربية النوعية بجامعة طنطا، إن المسرح المدرسى بفنونه المتعددة يمكنه أن يلعب أدوارًا مهمة فى العملية التعليمية والتربوية، خاصة أنه يتسم بالقدرة على الإمتاع والترفيه، وهو ما يميزه عن باقى الأنشطة المدرسية.

وأوضحت أن إحياء المسرح المدرسى يمكنه مسرحة المناهج التعليمية، وتحويل بعض المواد الدراسية إلى عروض مبسطة وجذابة للطلاب، مشيرة إلى أن التحدى الحقيقى للمبادرة سيتمثل فى عدم توافر المختصين من خريجى كليات التربية النوعية بالمدارس، رغم أعداد الخريجين الكبيرة، بالإضافة إلى عدم وجود أماكن مخصصة داخل المدارس لممارسة هذا النشاط، خاصة فى القرى والأماكن النائية، بالإضافة إلى عدم توافر ميزانيات مخصصة له، وكذلك النظرة السلبية من بعض أولياء الأمور للأنشطة المدرسية، باعتبارها مضيعة للوقت وإهدارًا لطاقات الطلاب.

وأكدت ضرورة وضع خطة واضحة لتحديث معارف وخبرات الإخصائيين فى المدارس، من خلال الورش والدورات التدريبية والتربوية، بالإضافة إلى العمل على تصنيف العروض المقدمة عبر أنشطة المسرح المدرسى، من اسكتشات ومسرحة مناهج ومونولوجات وإلقاء، حتى يتم تشجيع المدارس على المشاركة فى واحدة أو أكثر منها.

كما دعت إلى دعم مشاركات الطلاب الموهوبين فى التأليف القصصى والمسرحى والشعرى، مع رصد مكافآت مالية وشهادات تقدير للمتميزين من الطلاب والإخصائيين والمدارس فى احتفال كبير يضم القيادات التربوية على مستوى المحافظات.