رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حدث فى مؤتمر التحالف

المؤتمر الأول للتحالف الوطنى للعمل الأهلى كان مناسبة لتحديد عدة أفكار أساسية باتت من ملامح العمل الوطنى لمصر فى عهد الرئيس السيسى أو فى «الجمهورية الجديدة» وفق التعبير الشائع.. وأول هذه الملامح أن الرئيس بحكم كونه قائدًا عسكريًا فى الأساس يلجأ إلى «قوات الصاعقة» لإنجاز المهام التى لا تستطيع إنجازها «الكتائب الكبيرة».. وقوات الصاعقة فى حالتنا هذه هى منظمات المجتمع المدنى وقواه الحية التى نظمت نفسها فى «التحالف الوطنى للعمل الأهلى» أما الكتائب النظامية فى هذا المثل فهى الوزارات والهيئات الحكومية المثقلة بالأعباء والبيروقراطية والمعوقات وقليل من الاختراقات فى صفوف موظفيها والعاملين فيها.. أما المهمة التى يستعين فيها الرئيس بالتحالف الوطنى للعمل الأهلى فهى تدور حول عدة محاور يجمعها فكرة تنمية الإنسان المصرى وإطلاق طاقاته وزيادة قدرته على الإنتاج، ومن ثم زيادة الناتج القومى واللحاق بركب النهضة وبالمكان الذى تستحقه مصر وهو المعنى الذى عبر عنه الرئيس أمس متحدثًا عن إيمانه بأن مصر مليئة بالمواهب وأن التحدى هو الوصول لهذه المواهب وإطلاقها.. والحقيقة أن الرئيس فكر فى المجتمع المدنى كمساعد للحكومات فى إنجاز التنمية منذ اليوم الأول لتوليه الحكم وتحدث عن هذا أكثر من مرة، وشجع الشركات الكبرى على تأدية فريضة المسئولية الاجتماعية لرأس المال.. ثم جاءت فكرة التحالف الوطنى للعمل الأهلى فى مارس الماضى كضرورة فرضتها تداعيات الأزمة العالمية ودخول شهر رمضان موافقًا تاريخ إطلاق التحالف.. حيث لهذا الشهر خصوصية لدى المصريين جميعًا ويحرص فيه غنيهم على أن يبر فقيرهم، ولا شك أن إطلاق التحالف أدى إلى طفرة فى توزيع المساعدات العينية على المستحقين وإلى تنظيم عمليات التبرعات وتوزيعها وإلى استغلال طاقات المتطوعين بشكل أكثر تنظيمًا.. وإلى إعداد خريطة معلومات واضحة بالأشخاص الأولى بالرعاية والأماكن المستحقة.. وعلى طريقة قوات الصاعقة التى تواصل التقدم لهزيمة العدو بأساليب غير تقليدية كانت القوافل الصحية التى نظمها التحالف لتجوب القرى وتقدم الخدمات الصحية للناس فى أماكنهم، بالتوازى مع الجهود الحكومية فى إنشاء المستشفيات والمراكز الصحية والتى بطبيعتها تستغرق وقتًا أطول وتمول من الميزانية الرسمية، فى حين تعتمد قوافل التحالف على تبرعات أهل الخير وتمويلات الشركات الكبرى من بند المسئولية الاجتماعية لرأس المال.. فضلًا عن سعى التحالف للتعاون مع المنظمات الإنمائية العالمية ضمانًا لتوجيه أموال التمويلات الإنمائية لطريقها الصحيح بعد سنوات تناثرت فيها حكايات كثيرة عن مسارات غير سليمة لكثير من هذه الأموال.. نفس ما ينطبق على مجال الرعاية الصحية.. ينطبق على جهود تنمية الفلاح المصرى وإضافة مهارات حديثة لخبراته التاريخية فى الزراعة التى يتوارثها منذ عهد الفراعنة.. والحق أن الفلاح المصرى تعرض لظلم كبير فى عهود ساد فيها السماسرة وارتفع شأن غير المنتجين فكان من الطبيعى أن يتراجع شأن الفلاح المنتج والذى يعمل بدأب وشرف حتى تكاد حياته كلها تقتصر على العمل، وقد آن أوان رد الاعتبار للفلاح الذى هو أصل مصر كلها وقد أعجبنى جدًا ذلك الفلاح الفصيح الذى تحدث فى الفيلم الذى أنتجه التحالف وقال مخاطبًا الرئيس «إحنا تاج راسك»! وقد ظننت أنه أخطأ ويقصد العكس لكنه كررها ثانية وشرحها قائلًا بأن الفلاح يحب أن يوضع فى العيون! والحقيقة أن هذا الفلاح المصرى لم يبتعد أبدًا عما يعتقده الرئيس ويفعله فعلًا حيث يضع المصريين جميعًا تاجًا فوق رأسه، ويسعى لأن يحتلوا المكانة التى تليق بهم بين الأمم.. ولعل نفس ما ينطبق على تنمية مهارات الفلاح فى إدارة المشاريع وغيرها من مهارات زيادة الإنتاجية.. ينطبق على مشروع إحلال الثروة الحيوانية فى بيوت الفلاحين بسلالات أكثر إنتاجًا للحليب واللحوم أيضًا.. وهى فكرة طرحها الرئيس أكثر من مرة فإذا بنا نكتشف أمس أنها تحولت إلى واقع على الأرض، وحقيقة تسابق الزمن.. إن أكثر ما يمس القلب حقًا هو إيمان الرئيس بالمصريين وسعيه لفتح الأبواب أمام الجميع دون واسطة أو محسوبية أو شرط سوى الكفاءة.. وهو ما عبر عن نفسه أمس فى إشادته بالمذيعة الشابة مريم حسن التى خطت خطوتها الأولى نحو المستقبل من خلال برنامج الدوم لاكتشاف المواهب وهو فكرة الرئيس نفسه.. وقد انتقلت مريم عبر هذه الخطوة من العيش فى محافظة كانت توصف فى الماضى بأنها نائية وهى مرسى مطروح للتدريب فى إحدى قنوات الشركة المتحدة.. ولأن منهج رعاية المواهب ومنحها الفرصة مستمر.. فقد تم منح مريم الفرصة لتقديم حفل يحضره رئيس الجمهورية رغم أنها لم تبلغ العشرين بعد.. وهى السن التى بلغها كاتب هذه السطور فى بداية التسعينيات وأشهد أمام الله أن المصرى فى ذلك الوقت كان يعامل على أنه طفل ما دام أقل من أربعين عامًا على الأقل ويُحرم من كل الفرص بحجة أنه «لسه شباب والعمر قدامه» وأن الأديب المصرى كان يوصف بالأديب الشاب وهو فى الخامسة والخمسين من عمره!! وكان بعضهم يشكو من هذا الوضع فى مقالاته.. لذلك فإن على الشباب المصرى أن يمتن لهذا الولع بتمكين الشباب وأن يستغل الفرصة فى العمل والتعلم والسعى.. فليس كل الرؤساء يؤمنون بالشباب ويفتحون لهم الباب واسعًا لإطلاق مواهبهم.. ويبقى أن أقول إن المؤتمر الأول للتحالف الوطنى كان مناسبة لأن نرى وجوه المصريين الحقيقيين الفلاحين والنساء والشباب دون رتوش أو تجميل أو رقائق «فيلر»..مصر الحقيقية جميلة جدًا بناسها وشعبها ودولتها وأملها فى المستقبل.. الذى سيحمل لنا كل الخير بإذن الله.