رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مقاعدنا فى مجلس الأمن

المقعد الدائم بمجلس الأمن، الذى وعد الرئيس الأمريكى جو بايدن بدعم حصول القارة السمراء عليه، خلال القمة الأمريكية الإفريقية الثانية، هو واحد من مقعدين دائمين، على الأقل، وخمسة مقاعد غير دائمة، يطالب بهما، منذ سنوات، «إعلان سرت» و«توافق إيزولوينى»، اللذين يعكسان الموقف الإفريقى الموحد، ويعكسان، أيضًا، موقف «دولة ٣٠ يونيو»، الذى تكرر إعلانه مرارًا، ضمن رؤية أشمل، ترى أن إصلاح البيت الأممى لن يتحقق إلا بتحريره من قبضة، سيطرة، أو هيمنة الدول دائمة العضوية فى ذلك المجلس.

تأسست منظمة الأمم المتحدة، بعد الحرب العالمية الثانية، لتخلف «عصبة الأمم»، التى فشلت فى إحلال السلم والأمن بعد الحرب العالمية الأولى. ووفقًا لميثاقها، فإن «مجلس الأمن» هو الجهة المنوط بها حفظ السلم والأمن الدوليين وتحقيق التوازن والحفاظ على استقرار العالم. ومع ذلك، فإن ذلك المجلس هو الأكثر تجسيدًا لعدم التوازن فى العلاقات الدولية، بمنحه الدول الخمس دائمة العضوية: الولايات المتحدة، روسيا، بريطانيا، الصين وفرنسا، حق نقض أو نسف أى قرار، وتهميش الأعضاء العشرة غير دائمى العضوية.

النظام الدولى العادل والفاعل، لن يتحقق إلا بتمثيل متوازن يحقق التوازن بين المصالح والمسئوليات. غير أن «عملية المفاوضات الحكومية الدولية» لإصلاح مجلس الأمن، التى أطلقتها الجمعية العامة، بموجب القرار الصادر فى ١٥ سبتمبر ٢٠٠٨، وبدأت التفاوض فى ١٩ فبراير ٢٠٠٩، لم تسفر عن شىء فى القضايا الخمس الأساسية: فئات العضوية، استحواذ الأعضاء الخمسة الدائمين على حق النقض، أو الفيتو، التمثيل الإقليمى، حجم المجلس الموسع وأساليب عمله، والعلاقة بين المجلس والجمعية العامة. وعليه، ظل المجلس «معطلًا وغير قادر على أداء دوره»، بحسب وصف تشابا كوروشى، رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال جلسة عقدتها الجمعية فى ١٧ نوفمبر الماضى، جرى خلالها الإعلان عن تعيين رئيسين جديدين لعملية المفاوضات، هما ميخال مينار وطارق البناى، ممثلا دولتى سلوفاكيا والكويت لدى الأمم المتحدة.

باستثناء سنوات أو فترات متقطعة، مرتبكة أو مظلمة، ظلت مصر، منذ أن شاركت فى تأسيس الأمم المتحدة، سنة ١٩٤٥، واحدة من أكثر الدول الأعضاء حرصًا على بقائها وقوتها وفاعليتها، بل إن رومانسيتنا الزائدة، خلال ستينيات القرن الماضى، جعلتنا نحلم بأن تكون تلك المنظمة بيتًا للدول والشعوب ومظلة واحدة ووحيدة يجتمع تحتها البشر على اختلاف أجناسهم، وألوانهم ولغاتهم، وعلى تباين أهدافهم السياسية أو حتى تناقضها. وبالرومانسية الزائدة نفسها، أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى كل كلماته، كلمات مصر، أمام الجمعية العامة للمنظمة الدولية، على أننا ما زلنا نؤمن بأن الأمم المتحدة قادرة على تجاوز التشكيك فى جدواها ومصداقيتها من خلال استعادة المبادئ السامية، التى تأسس عليها ميثاقها، والعمل وفقًا لأولويات تلك المبادئ. 

تأسيسًا على ذلك، لم تتوقف مطالبات «دولة ٣٠ يونيو» عن إعادة ترتيب البيت الأممى، ورفع الظلم التاريخى الواقع على القارة الإفريقية، كأساس لتحقيق ديمقراطية العلاقات الدولية. وفى سياقات ومناسبات مختلفة، أبرزها عقب تسلمه رئاسة الاتحاد الإفريقى، فى ١١ فبراير ٢٠١٩، أكد الرئيس السيسى إيمان مصر بأن الإصلاح الشامل والجوهرى لأجهزة الأمم المتحدة يبدأ بجعلها أكثر تمثيلًا وتعبيرًا عن حقائق العصر، وبمنح القارة السمراء التمثيل العادل، الذى تستحقه، بفئتى العضوية الدائمة وغير الدائمة بمجلس الأمن. 

.. وتبقى الإشارة إلى أن مصر، خلال إحدى فتراتها المرتبكة، شاركت إيطاليا وباكستان والمكسيك، فى تأسيس مجموعة «متحدون من أجل الإجماع»، المعروفة باسم «نادى القهوة»، التى عارضت مقترحًا بزيادة عدد المقاعد الدائمة، تقدمت به البرازيل وألمانيا والهند واليابان، بزعم أن «زيادة المقاعد الدائمة سيزيد من التفاوت بين الدول». والغريب، أن عشرات الدول انضمت إلى هذه المجموعة الضالة، وأوائل فبراير ٢٠٠٩، أى قبل أيام من بدء «عملية المفاوضات» الأممية، استضاف فرانكو فراتينى، وزير الخارجية الإيطالى الأسبق، الذى رحل أمس الأول، وزراء خارجية أكثر من ٧٥ دولة، لبحث سبل إصلاح مجلس الأمن!