رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رعب السامبا.. هل يستمر جبروت البرازيل فى الأدوار المقبلة؟

البرازيل
البرازيل

فى وداعية ملعب «٩٧٤» بالعاصمة القطرية الدوحة، قدم البرازيليون عرضًا كرويًا فاق فى جماله فقرات السيرك العالمى وأقوى العروض المسرحية والفنية التى يمكن أن تقابلها فى أى مكان فى العالم.

بينما يزداد الحديث عن غلبة الأمور الخططية وسيطرة التكتيك على منافسات كأس العالم المقامة حاليًا فى قطر، مع تراجع الكرة الشاملة والجوانب الجمالية- أعاد نجوم «السامبا» تحت قيادة ساحرهم الأول نيمار دا سيلفا إحياء زمن «الحرفنة» وكرة القدم الجميلة، التى يحب أن يتذوقها الجمهور قبل أن تستحوذ فكرة النتائج والانتصارات على كل شىء.

فى الموروث الثقافى البرازيلى، بدأت كرة القدم فى شوارع ريو دى جانيرو باستعراضات، اختلطت فيها عروض الرقص المشهور بها أهل «السامبا» مع «الساحرة المستديرة»، ومن هنا امتلكوا سحرًا خاصًا، جعلهم يرقصون ويستمتعون بكرة القدم قبل أن يلعبوها.

وبعد مرور ما يزيد على ١٠٠ عام، عاد البرازيليون بعد صيام طويل يمارسون نفس العادات التى جعلتهم فوق الجميع فى كرة القدم، والبلد الأكثر عشقًا وارتباطًا بعشاق اللعبة فى كل مكان حول العالم.

لم يكن الأمر متعلقًا بتسجيل ٤ أهداف فى شوط واحد أمام كوريا فى ثمن النهائى فحسب، بل كان مرهونًا بطريقة التسجيل وما جرى قبلها، فحتى فى ركلة جزاء نيمار دا سيلفا، أبى أن يسجلها بطريقة عادية، وفعل ما أشبه بالمراوغة لحارس المرمى، الذى أهانه نيمار فى صورة أظهرته مكسورًا تحت أقدام النجم البرازيلى.

فى الهدف الرابع الذى سجله ريتشارلسون كانت التمريرات التى سبقت الهدف وهى تخرج من أقدام لاعبى «السامبا» أشبه بمعزوفة لفرقة موسيقية فى أعظم تجلياتها، ثم مع احتضان الشباك تتكرر العادة برقصة «سامبا» للاعبين الأساسيين بالقرب من الراية الركنية، وأمام دكة البدلاء تلتف كتيبة الخط فى دائرة مشابهة ليواصلوا الرقص والاستمتاع.

كانت واحدة من أجمل ليالى الدوحة ٢٠٢٢، واستمتع الحضور كما لم يستمتعوا من قبل فى هذه البطولة، حتى فى ليلة فوز إسبانيا على كوستاريكا بسباعية نظيفة، وفى المقابل، حالة رعب أصابت كل البعثات التى تحلم بالتتويج بعد نهاية المباراة، عقب ما رأته من قوة واستعراض برازيلى.

الصحافة العالمية فى المركز الصحفى لـ«فيفا» أجمعت على أن هذا الفريق لن يوقفه أحد، وكثير من الترشيحات التى كانت تذهب لمنتخبات أخرى بدأت فى التراجع، بينما ظهرت السخرية من منتخب كرواتيا ولوكا مودريتش وما يمكن أن يلقونه فى المواجهة المقبلة أمام البرازيل.

كذلك يؤمن تيتى، المدير الفنى للبرازيل، بأن فريقه اقترب من المثالية، وأن وجود نيمار أضفى مزيدًا من القوة ومنح اللاعبين تحفيزًا كبيرًا.

لكن ما تجاهله البعض وما قد يتغافل عنه الكثيرون أن هذا العرض الجبار للبرازيل كانت فى مقابله سذاجة كورية، منحت أسرع وأكثر لاعبى الأرض مهارة مساحات لا حد لها، فكانت النتيجة أداءً وأرقامًا منطقية للغاية.

فى المساحات وعبر الارتداد واللعب على التحولات اكتشف فينيسوس جونيور نفسه مع ريال مدريد، بينما نيمار الذى يراوغ الهواء ويفك الصخر، يكون الأمر بالنسبة له «نزهة»، تصحبها ضربة قاضية للمنافس لا محال.

مخطئ بل وأحمق من يواجه البرازيل بضغط متقدم ويترك لهذه الكوكبة من النجوم هذه المساحات الكبيرة، فحينما تواجه برازيل نيمار وريتشارلسون وجونيور ورافينا، عليك التراجع ثم التراجع ثم التراجع، ولم تفكر فى التقدم بالمرتدات، يجب أن تتعامل بعنف وتتراجع بسرعة غير عادية.

ومن هنا نقول إن ما جرى أمام كوريا قد يكون الاستثناء وليس العادة، فعلى سبيل المثال لن يترك منتخب كرواتيا مساحات شاسعة مثل هذه، وسيلعب بشكل متكتل ويدافع بطريقة «٤- ٥- ١»، لكى يتمكن من تضييق المساحات والصمود لأطول فترة أمام أقوى خط هجوم.

أمام سويسرا الذى تكتل ولعب بوعى خططى عالٍ، عانى البرازيل وفاز بشق الأنفس بهدف سجله لاعب الارتكاز كاسيميرو، صحيح أن نيمار كان غائبًا وهو يمثل قوة كبيرة، لكن الفكرة الأساسية كانت فى انتشار المنافس وتموضعه بصورة جيدة فى كل المناطق، بدلًا من التقدم للأمام ومنح البرازيل مبتغاه.

كما أن منتخب مثل كرواتيا يمتلك لاعبين أصحاب خبرة، يعرفون كيف يوجهون اللعب ويقتلون الرتم، بما يضعف حماسة وحمية المنافس، ولعل الحكيم لوكا مودريتش هو أبرع من يؤدى هذا الدور، ولطالما مارسه واعتاد عليه كثيرًا، سواء رفقة منتخب بلاده أو حتى مع ناديه ريال مدريد الإسبانى.

صحيح أن جاهزية نيمار ورفاقه ومدى ترابطهم، مع تكامل خطوط الفريق وقوة الدكة، عوامل تجعل «السامبا» قادرًا على الفوز بأى منافسة بما فيها كرواتيا، لكن على أقل تقدير هناك من يستطيع خلق صعوبات ومشاكل كبيرة لهم، ولمَ لا تحضر المفاجأة؟!

الأمر الذى يعكر صفو البرازيليين، وتستطيع من خلاله حرمانهم من قوة كبيرة لديهم، هو اللعب بقوة تصل حدتها لمرحلة العنف، هنا يصاب نيمار بالرعب، بعدما عاش ليالى وأيامًا صعبة عقب الإصابة التى تعرض لها وجعلته يبكى، وهو الآن يخشى تكرار ذلك وأن تفوته فرصته الأكبر وربما الأخيرة فى التتويج بالمونديال، لأنه مع بروز مواهب شابة، لا شىء يضمن بقاءه مع المنتخب بعد ٤ سنوات.