رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سيناء المصرية.. الحل السحرى لمشكلة جديدة قديمة


هل وصلت السيد الرئيس رسالة أهل العريش الفورية التى حسمت أين سيقفون بعد ثلاث ساعات فقط من الحادث الدامى؟ هل تقاطع ما طرح سياسياً فى العام 1986 و1990 و2006 و2008 مع ما حدث فى عام 2012؟

اقتصر الحديث فى مقالاتى السابقة من هذه السلسلة على الجانب الأمنى والتهديدات الممنهجة والمتسارعة على منطقة شمال سيناء والمستجدات والخروقات المفزعة التى كللت بحادث رفح الدامى والذى سبقه مجموعة من الحوادث استغل فى تنفيذها حالة الضجيج والانشغال فى أمور الحكم بالعاصمة لخلق أوضاع جديدة على الأرض.. وبدا ما كان بعيداً «يمكن الآن تلمس ملامحه وشم رائحته مخلوطاً» برائحة البحر فى مدن الشمال النائية على الحدود الشرقية.

خرجت فى مدينة العريش ثلاث مظاهرات قدر أصغرها بالآلاف فى مساء يوم الأحد وتحديداً «بعد ثلاث ساعات بالضبط من حادث الحدود وكان هذا الخروج لافتاً» بشدة.. فالمدينة النافرة بالفطرة أعادت إنتاج هتاف «الجيش والشعب أيد واحدة» فى الثلاث مظاهرات دون اتفاق وبعفوية يؤكدها التوقيت والحوارات الغاضبة للمتظاهرين.. وكعادة تلك المدينة المظلومة إعلامياً لم يتم نقل هذا الحدث الذى أدهش أهالى العريش أنفسهم، وفى مراهنة على الحس الرادارى لأهالى المنطقة رصدت لديهم بوضوح مخاوف وتشككات من ترتيبات تتجاوز الأحداث الدامية على خطورتها إلى أطراف يقترعون على ملابسهم فى الخفاء!

ولذلك كان لزاماً علينا أن نعبر إلى الضفة الأخرى من الصورة فى جانبها السياسى الذى قد يتقاطع فى مواضع كثيرة منه مع ما سبق.. بدأ الطرح الإسرائيلى هامساً مع نظام مبارك فى العام 1986م عن رؤى جديدة لحل القضية الفلسطينية محوره «قطاع غزة ــ شمال سيناء» وكانت هذه الرؤى غير مكتملة المعالم من حيث الطرح بل كانت محاولة لجس النبض مع النظام المصرى وأول تماس مباشر مع نظام مبارك لمعرفة حدود تحركاته وقابليته للتعاون، لكن الجانب المصرى لم يأخذ هذا العرض الغائم بالجدية المطلوبة فى هذا التوقيت خصوصاً أنه كان مشغولاً برأب الصدع مع الأنظمة العربية كتركة مزعجة لنظام السادات لم يرد أن يدخل فى معادلاته اتصالات مباشرة مع الجانب الإسرائيلى وحديث عن حل للقضية الفلسطينية قد تربك مساعيه فى هذا المضمار.. وجاءت الانتفاضة الفلسطينية فى العام 1987م لتغلق هذا الهمس وتخلط الأوراق برمتها وتفرض واقعاً جديداً على كل الأطراف.

وفى العام 1990م وفق الدأب الإسرائيلى المعروف أعادوا طرح الموضوع على ياسر عرفات بشأن إقامة الدولة الفلسطينية فى قطاع غزة مع ضمان أمريكى هذه المرة بإضافة بعض التحسينات على ظروف القطاع الخانقة وبدهاء الزعيم الفلسطينى توصل إلى هذه التحسينات لابد وأن تكون على حساب الجانب المصرى فى سيناء فأسرع بحمل الرفض المصرى القاطع للإسرائيليين وتمسك بموضع قدم فى الضفة «غزة وأريحا أولاً» وأدخل المصريين إلى مائدة التفاوض قسراً ونسق معهم فى جميع الترتيبات التى تمت حينئذ.

وجرت مياه كثيرة فى نهر العلاقات المصرية ــ الإسرائيلية وأعيد ترتيب أوراق اللعب فى المنطقة أكثر من مرة إلى أن جدد الإسرائيليون الحديث عن فكرة «سيناء هى الحل» فى العام 2006م والعام 2008م مع الجانب المصرى متمثلاً فى مساحة تضيق وتتسع وتقبل للتفاوض فى هذه المنطقة من شمال سيناء كامتداد طبيعى لقطاع غزة لتكون حلاً نهائياً وسحرياً للقضية الفلسطينية وابتلاع ما تبقى من الضفة الغربية داخل نطاق الدولة اليهودية مع وجود تفاهم بهذا الشأن مع الجانب الأردنى المعنى بوضع الضفة! ولم تكن حركة المقاومة الإسلامية حماس بعيدة تماماً عن هذا العرض السحرى.

قوبل هذا العرض برفض مصرى فى حينه.. ونظراً لابتعاد هذا الحديث عن العلن فكان الشد والجذب فيه يتم فى الغرف المغلقة وعلى الأرض يتم تحت عناوين أخرى، فقامت مصر بتكثيف جهودها فى مسألة المصالحة الفلسطينية لمحاولة تجاوز مسألة التقسيم القسرى ما بين الضفة وغزة وللالتفاف على الطرح الإسرائيلى لكن المسعى المصرى قوبل بتشدد غريب من قادة حماس ومراوغة واضحة فى لحظات الاقتراب من الحل.. وكان الرد الإسرائيلى هو الهجوم على غزة فى عام 2006م واستهداف المرافق المعيشية ثم إحكام الحصار حول القطاع للدفع بالقضية من قضية احتلال إلى صورة من صور الإغاثة وتقديم المعونات لمنطقة تفتقر إلى الحد الأدنى من وسائل الإعاشة وتكريس إستحالة قيام دولة على هذه المساحة الضيقة المختنقة من جميع الجهات إلا من جانب سيناء!

وبدأ قادة حماس «الإخوان المسلمين» العزف على نفس النغمة نغمة الحصار وغلق المعبر ومراوغات تشغيل معبر رفح ودخول المعونات منه أم من معبر كرم أبوسالم واختفى الحديث عن الاحتلال أو العدوان وكان الرد المصرى فى حينه أن قطاع غزة منطقة محتلة من الإسرائيليين وعليهم والمجتمع الدولى تحمل مسئولية ذلك فى وضوح.. كان هذا الالتفاف الثانى لمصر على ما تريده إسرائيل وما تساعدها مواقف حماس فيه الذى بلغ ذروته فى 2008م عندما تم تفجير عدة ثغرات فى الشريط الحدودى ما بين القطاع وسيناء واجتياح الفلسطينيين للمنطقة حتى وصلوا إلى مدينة العريش «60كم» وتلك كانت هى البروفة الأخيرة لما كان يدور فى الغرف المغلقة!

بقى السيد الرئيس محمد مرسى وجماعته الإخوانية.. هل درس تلك المحطات جيداً، هل حدد أين سيقف من هذا الحل السحرى الجديد القديم.. أم أنه أتى إلى الحكم وجماعته كجزء من هذا الحل؟ هل وصلت السيد الرئيس رسالة أهل العريش الفورية التى حسمت أين سيقفون بعد ثلاث ساعات فقط من الحادث الدامى؟ هل تقاطع ما طرح سياسياً فى العام 1986 و1990 و2006 و2008 مع ما حدث فى عام 2012؟

نستعرض فى الحلقة القادمة الطرح الإسرائيلى فى العام 2010 عشية اندلاع ثورة يناير بمفاجآته المدوية.. فمازال حقل الألغام واسعاً ومازالت أقدامنا تتحسس الخطى وتطرح من الأسئلة ما قد يفتح لها ممراً آمناً إلى الحقيقة.

■ باحث فى العلوم السياسية

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.