رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في ذكراه.. إطلالة على مسرحية «ياسين وبهية» أولى مسرحيات نجيب سرور

نجيب سرور
نجيب سرور

في خمسينيات القرن العشرين، شهدت الحركة الفنية إرهاصات نهضة مسرحية كبرى، بلغت ذروتها في الستينيات، وكان من أبرز ملامحها ظهور مسرحيات نثرية تتناول التحولات الجذرية في المجتمع المصري وقضايا النضال الاجتماعي والسياسي.

هذه المسرحيات تميزت بتطور غير مسبوق في تكنيك التأليف الدرامي ووعي الكاتب بوظيفة الفن المسرحي. وقد واكب نهضة المسرح النثري قيام نهضة مماثلة في الدراما الشعرية استطاعت أن تقدم إضافات هامة تجاوزت مرحلة الشاعرين الرائدين أحمد شوقي وعزيز أباظة، إذ تخلت عن القوالب التقليدية للشعر العمودي وتحررت من قيود التفعيلة والرصانة اللغوية والغنائية، وأصبح الشعر في الدراما الشعرية المعاصرة أكثر اندماجا في نسيج المسرحية وبنائها الفني. وبذلك لاحت للمسرح آفاق جديدة باعتبار أن الشعر لغة نابضة بالحياة قادرة علي النفوذ إلى أعماق الشخصية واللحظة المعاشة، واستيعاب تجارب الإنسان وهمومه والتعبير عنها من خلال حوار يرقي إلي مرتبة الشعر، ومن ثم يستطيع المسرح أن يفيد دوما من إمكانيات الشعر في إبتكار إيقاعات شعرية جديدة وصور فنية موحية، والبحث عن صياغة أسلوبية مبتكرة.

ويضيف الناقد سمير عوض عريان: وإذا كانت الدراما الشعرية تعرف من خلال كتابها الكبار أمثال عبد الرحمن الشرقاوي، صلاح عبد الصبور، والشاعر نجيب سرور ــ والذي رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم من العام 1978 من أقدر الشعراء علي تحقيق الإندماج بين الشعر والدراما وتطويع لغة الشعر للتعبير عن قضايا الإنسان المصري وهمومه خلال مراحل نضاله السياسي والاجتماعي والفكري.

ولد الشاعر والمؤلف المسرحي نجيب سرور بقرية أخطاب، وفي عام 1958 أوفدته الدولة إلي الاتحاد السوفيتي لدراسة الإخراج المسرحي، وعاد إلي القاهرة عام 1964 وشارك في النهضة المسرحية التي حملت لوائها مسارح الدولة.

شارك نجيب سرور في تأصيل حركة الشعر الجديد بقصائده ومقالاته التي بدأت تظهر في مطلع الخمسينيات في لبنان ومصر. وكان الرواد الذين تتلمذ عليه في الشعر هم: والده وأبو العلاء المعري، ودانتي، بايرون، وبوشكين.

أمضى نجيب سرور عمره في إثراء الحركة الأدبية والفنية بأعماله المبتكرة في المسرح والشعر والنقد. كتب ست مسرحيات هي: “ياسين وبهية”، “آه يا ليل يا قمر”، “يا بهية وخبريني”، “ملك الشحاتين”، “قولوا لعين الشمس”، و"منين أجيب ناس".

وفي الشعر أصدر خمسة دواوين هي: “التراجيديا الإنسانية، لزوم ما يلزم، بروتوكولات حكماء ريش، رباعيات، الطوفان الثاني”. وفي النقد ألف ثلاثة كتب هي: حوار في المسرح، مواقف نقدية، ودليل القارئ الذكي إلي أبي العلاء.

وفي الإخراج المسرحي أخرج: “بستان الكرز” التي ترجمها عن الروسية، “وابور الطحين” لنعمان عاشور، وألف باء لناظم حكمت، وميرامار عن قصة نجيب محفوظ.

ــ ياسين وبهية أولي مسرحيات نجيب سرور

وقد قدمت على المسرح لأول مرة في عام 1964 علي مسرح الجيب، ولم يكن قد كتبها في إطار مسرحي بل كتبها شعرا روائيا أو قصيدة روائية تتألف من 10 لوحات. تقع أحداث مسرحية “ياسين وبهية” في قرية "بهوت" إحدي قلاع الإقطاع قبل ثورة يوليو 1952، من خلال قصة حب بسيطة بطلاها الفلاح الفقير “ياسين” وابنة عمه “بهية”، اللذان تربيا معا وربطهما الحب وتعاهدا علي الزواج في ظل نختين متعانقتين. لكن الحلم يتبدد فجأة إذ يستدرج الباشا الإقطاعي بهية إلي قصره لتعمل في خدمته، فيهرع ياسين وشباب القرية إلي إنقاذها من الذل والعار، وتنشب معركة ضارية بين الفلاحين وحرس الباشا، فيحترق القصر إنتقاما لبهية، بينما يبذل ياسين حياته ثمنا للدفاع عن شرف بهية، ويسدل الستار علي بهية التي تجلس في ظل النخلتين وقد ملك الأسي قلبها.

وتختلف مسرحية “ياسين وبهية”، اختلافا جذريا عن القصة الشعبية المشهورة، في أنها تعرفنا بقاتل ياسين الذي تتساءل عنه الرواية الشعبية في لهفة. والمسرحية رغم أنها تتناول مأساة ياسين وبهية إلا أنها لا تقف عند المصير الفردي لكلاهما، بقدر ما تعكس مصير الفلاحين في صراعهم الدامي مع الإقطاع الذي كان يفرض عليهم ألوان الظلم والاستبداد.

والصراع في مسرحية “ياسين وبهية” بين الطبقة الكادحة والطبقة المستغلة، يتبلور في النهاية حول نقطة واحدة عندما يصل الاستغلال مداه، فيطلب الباشا بهية للعمل بقصره في هذه اللحظة تتصادم القوتين وتتولد الشرارة التي تندلع منها نيران الثورة.