رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مدرسة الوطنية المصرية

تابعت بمزيد من الفخر مراسم تخرج دفعة جديدة من طلاب الكلية الحربية، وكان فى ذهنى أن هؤلاء المتخرجين وزملاءهم من خريجى الجامعات المصرية هم أمل مصر فى المستقبل.. كانت قناعتى وما زالت أن ما أضاع مصر فى آخر نصف قرن من تاريخها هو غياب الوعى وشحوب معنى الوطنية.. الوعى هو أن يدرك الإنسان مكانه فى عالمه وفى وطنه ولماذا خلقه الله وأى واجب عليه تجاه نفسه وشعبه وبلده.. أن يدرك رسالته فى حياته وأن الله لم يخلقه ليأكل ويشرب كما تأكل الأنعام.. أن يعرف مكانة وطنه ويسعى لتقدمه ورفعته.. خلال أربعة عقود ماضية صادفت كثيرين يمتلكون المهارة لكنهم لا يمتلكون الوعى.. غياب الوعى يجعل المهارة سلعة تباع وتشترى فى سوق البضائع.. يشتريها عدو كما يشتريها صديق ما دام الثمن حاضرًا والنقود موجودة.. ميزة القوات المسلحة المصرية أنها تُعلم الطلاب فى كلياتها مهارة القيادة مع تاريخ الوطن والوعى بقضاياه.. فى ٢٠١١ سمعت مقربة من خبير إدارة يقول إن هناك ثلاث مدارس فى الإدارة تنازعت على تربية الإنسان المصرى منذ مرحلة الطفولة والمراهقة، أو أن هناك ثلاث مدارس اهتمت بصياغة عقيدة المصريين تجاه الحياة.. أولاها وأكبرها هى مدرسة الجيش المصرى منذ نشأته الحديثة والتى كانت تعلم أفراده الولاء للوطن منذ تتسلمهم طلابًا يخطون نحو سن الرجولة خطواتهم الأولى كما تعلمهم مهارات الإدارة والقيادة والفن العسكرى، وثانيتها هى مدرسة التطرف الدينى التى قدمت نفسها فى الثلاثينيات باسم الإخوان المسلمين، وادّعى مؤسسها أن لها منهجًا فى التربية والقيادة وانخرط فى تجنيد الشباب فى سن الفترة ليربيهم على تعاليم الجماعة ويصوغ رؤيتهم للعالم، وهى رؤية قادت أعضاء جماعته للإرهاب والقتل، ثم الاصطدام بالدولة المصرية قبل ثورة يوليو ومراوغتها والاستقواء عليها، ثم العودة للصدام مع ثورة يوليو التى وضعت الجماعة فى السجون وعاقبت قادتها على أنهم وضعوا مدرسة الإرهاب الدينى فى مواجهة مدرسة الوطنية المصرية التى مثلها الجيش المصرى بعد يوليو وقبلها أيضًا.. ثم ظهرت المدرسة الثالثة فى مصر مع التسعينيات وما بعدها وهى مدرسة الشركات العابرة للقارات التى تصوغ وعى العاملين فيها وفق قيم الرأسمالية المعولمة، حيث الولاء للشركة لا للوطن، وللربح لا للمواطنين، ولمبدأ المنفعة بالمعنى الاقتصادى لا لأى مبدأ آخر.. وقد صعد بعض ممثلى هذه المدرسة لأروقة الحكم فى مصر عام ٢٠٠٤ مع حكومة الدكتور أحمد نظيف أو حكومة التوريث كما عُرفت فى أوساط النخبة، واصطدمت سياساتها بمشاعر المصريين الوطنية، وحاز رموزها على أكبر قدر من عدم قبول الناس رغم مهارة بعضهم بالفعل! وكان السبب الرئيسى أن المصريين ارتابوا فى ولاء أبناء مصر بهذه المدرسة لوطنهم.. ليس بمعنى أنهم جواسيس أو خونة لا سمح الله، ولكن بمعنى إحساس الناس أن ولاء هؤلاء للكيانات العالمية التى صنعتهم وللشركات التى منحتهم التوكيلات الأجنبية، ولهيئات المعونة التى كانت تصمم على إشراكهم فى أعمالها بالاسم والنصيب المحدد.. فكان أن خرج الناس عليهم يعلنون رفضهم هذه المدرسة التى لم يطمئنوا إليها، ولم يثقوا فى عواقب ما تفعل، وكان أن سطا أتباع المدرسة الثانية «مدرسة الإرهاب والتطرف» على ثورة يناير ليحاولوا المزج بين مدرسة الإرهاب ومدرسة الليبرالية المتوحشة بقيادة خيرت الشاطر، وهو مرشد الإخوان الفعلى الذى يجمع بين المدرستين أو يريد أن يمزج بينهما، حيث كان صاحب محل سوبر ماركت ويريد أن يصبح رجل أعمال معولمًا على طريقة رجال أعمال أمانة السياسات الذين كانوا وكلاء أصليين للشركات العابرة للقارات وكان هو يريد أن يقلدهم. 

خرج الناس مرة أخرى فى ٣٠ يونيو ليعلنوا رفضهم المدرستين وثقتهم المطلقة فى مدرسة الوطنية المصرية ممثلة فى المشير عبدالفتاح السيسى والجيش المصرى معه وتحت قيادته، وهو ما يضع عبئًا كبيرًا على معلمى الأكاديميات العسكرية وواضعى مناهجها التى تدمج علوم الإدارة والاقتصاد والقيادة بالعلوم العسكرية المتخصصة، وهو ما تم التعبير عنه بدمج مناهج كليات مدنية مثل العلوم السياسية والتجارة والإدارة مع العلوم العسكرية المختلفة.. ثقة المصريين هذه فى مدرسة القوات المسلحة لا تعنى إطلاقًا استبعاد المدرسة الرأسمالية مثلًا، إطلاقًا، بل إن ما يحدث فعلًا ويجب التوسع فيه هو الاستفادة من كل الطاقات والتوسع فى هذا وإفساح الطريق للقطاع الخاص ولكل الخبرات القادمة منه ولكن تحت مظلة الوطنية المصرية وإدارة الدولة المصرية، بالنسبة لما يسمى بمدرسة الإخوان فالمسمى أصبح مرتبطًا بالإرهاب وبالتالى سقط إلى الأبد وسقطت الجماعة كتنظيم وكيان واسم، ولكن هذا لا ينسحب على الإطلاق على الأفراد المثقفين دينيًا أو المتدينين حقًا وصدقًا.. بل إن منهم علماء وشبابًا وشيوخًا قريبين من الدولة التى هى دولة كل المصريين والتى تحمى حق المسلم والمسيحى وحتى اليهودى فى التدين، لكن الفارق أن هذا يتم حاليًا دون تطرف أو تغول على المجتمع أو عمل لحساب قوى خارجية كما كان يحدث فى الماضى.. والخلاصة أن المدارس الثلاث موجودة أو ستظل موجودة بعض الوقت ولكن القيادة يجب أن تظل دائمًا للمدرسة الوطنية المصرية ممثلة فى الجيش المصرى عمود الخيمة وأساس الدولة ومصنع الرجال، الذى وضعت عليه فى السنوات الأخيرة تحديات الأمن والاستقرار والتنمية فوفّى بها خير وفاء.. وكان عملاقًا فى خدمة شعبه وخوض معاركه، فله ولرجاله ولشباب المستقبل فيه أفضل التحية والتقدير.