رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لعبة الزواج الشفهى

اللعب بين منظومات القوانين والتشريعات معروف قديمًا وحديثًا، ومحاولة الإنسان الانتهازى الاستفادة من أكبر قدر من المكاسب من منظومة شرائع العصور الوسطى وقوانين العصر الحديث فى آن واحد، وكذلك تجنب ما يقيده منهما ويختار منهما ما يشاء ويؤول القديم أو الجديد لمصلحته، إنها لعبة قديمة متجددة أن يختار الإنسان لنفسه ما يحقق غرائزه وشهواته ورغباته، فيكون له قانونه الخاص وشريعته التى تلبى حاجاته.

لا شك أن الغريزة الجنسية أهم وأقوى غريزة عرفها الإنسان، وينبغى لنا، أفرادًا وجماعات، أن نهذبها ونروضها حتى نكون بشرًا متحضرين، وهذا ما تحاول فعله القوانين الحديثة حول العالم وفى مصرنا الغالية.

فنجد القانون حدد شكل الزواج وشروطه، وكيف يتم الزواج المقبول اجتماعيًا الذى تنشأ من خلاله الأسرة، وهى اللبنة الأساسية فى المجتمع، وأعطى لتلك العلاقة بين الزوجين الصيغة القانونية التى تكفل حقوق الذكر والأنثى، وقبلهما حقوق الأطفال الذين قد ينتجون عن هذه العلاقة.

ولكن لأن سُنة الحياة الإنسانية التطور والتغيير فأشكال الثبوت والنفى تتطور، ولا يوجد قانون ونظام صالح لكل زمان ومكان، فوصل الإنسان الحديث للأشكال التى تجعل علاقة الزوجية قانونية ثابتة لمصلحة الطرفين، وكذلك ما ينتج عن العلاقة من أطفال وحقوق وواجبات كميراث ونفقة وغيرهما.

ولا يخفى أنه فى العصور القديمة والوسطى والمجتمعات البسيطة الساذجة كان لها ما يناسبها من تقنينات ونظم، لها وعليها، كما أنه لنا الآن قانوننا ونظامنا الذى نظن أنه مناسب، ومع ذلك نتطلع لتحسينه دومًا، فما يناسبنا اليوم قد لا يناسب أبناءنا وأحفادنا غدًا.

ولكن لأن بعض رجال الكهنوت والخرافة لا يعترفون بشكل الدولة الحديثة ولا يحترمون قانونها، فإنهم صباحًا مساءً يلعبون بنظامنا القانونى، كما يلعب الصبيان بالكرة، فهم لا يعرفون هذا القانون ويحترمونه، إلا إذا كان موافقًا لمصلحتهم أولًا ولعقلهم الرجعى ثانيًا. 

ولعل الضجة حول الزواج العرفى والشفهى والإلكترونى وغيره تجسد ذلك.. فلعب بعض رجال الدين ضعاف النفوس بقانون الدولة الحديثة وتفضيل نظم العصور الوسطى عليه، من أجل تحقيق شهوات أو مصالح مادية أو جسدية تبين أزمة مجتمعنا الذى يعانى من ازدواجية أخلاقية وتشريعية وفوضى فى الفتاوى بين ما هو مقبول وغير مقبول.

واختلاف رجال الدين فى كل شاردة وواردة يبين لنا أنهم فى حيص بيص من أمرهم، واختلافهم الكبير يبين أن كلامهم ليس من عند الله، فلو كان من الله لما وجدنا هذا الخلاف الكبير بينهم.

فالحل يا سادة بمنتهى البساطة أن نظامنا القانونى علينا التمسك به، فما أثبته القانون من شروط للزواج أو الطلاق أو غيرهما هو الثابت، وما نفاه القانون فهو المنفى.. وأن عصر الإثبات الشفهى ولّى وانقضى إلا بما يعترف به قانون الدولة المدنية الحديثة وما سواه هو هدر وفاسد، ولا بد لأى دولة تحترم نفسها أن تجرم من يفتى الناس بما يخالف القانون، ولا بد كذلك من توحد جهة الفتوى الدينية والقانونية.

ولا يكون الدين وأشكال الزواج والطلاق لعبة فى يد ضعاف النفوس يوظفونها بما يناسب مصالحهم وشهواتهم وما يدمر المجتمع.. ولنختار جميعًا: هل نريد دولة قانون حديثة مدنية موافقة للقانون الدولى والإنسانى أم دولة تقوم على فتاوى شخصية لرجال تحكمهم الخرافة والأهواء والشهوات، فهم يخطئون كثيرًا وقد يصيبون قليلًا. 

وهنا تأتى أهمية ضبط وتقنين وتوثيق عقد الزواج المقبول فى الدولة الحديثة وعدم التحايل عليه حفاظًا على الأسرة والمجتمع. 

والحديث حول ما يسمى لعبة الزواج الشفهى يقودنا لمأساة الطلاق الشفهى، التى هى من نظم العصور العتيقة.. وهذا حديث آخر.