رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الكاتب محمد إسماعيل: المواجهة مع الإرهاب في مصر دفعتني للكتابة عن «العشرية السوداء» في الجزائر

الروائي محمد إسماعيل
الروائي محمد إسماعيل

ــ الأغلفة الجديدة لا تعبر عن نصوص نجيب محفوظ

ــ العشرية السوداء كانت نموذجًا فاضحًا يعري ما بنا من تناقضات 

ــ لا أستهدف الجوائز عند الكتابة فتطويع النص لهدف آخر يفسده تمامًا

ــ أحلم بكتابة الكوميديا، فهي فن راقٍ وصعب

الكاتب محمد إسماعيل، روائي شاب ومهندس اتصالات، صدرت روايته الأولي “ما حدث في شنجن”، وحققت روايته “باب الزوار”، إستحسانا نقديا ورواجا كبيرا بين القراء. ولعلها المحاولة السردية الأولي لروائي مصري، يخوض في “العشرية السوداء”، تلك التي ألمت بالشعب الجزائري خلال تسعينيات القرن المنصرم.

والكاتب محمد إسماعيل، في لقائه بالــ “الدستور”، يحدثنا عن تجربته في الجزائر، وكيف تناول الجانب الاجتماعي للإرهاب الأسود ــ العشرية السوداء ــ التي اجتاحت الجزائر وما ترتب عليها إنسانيا لدي الجزائريين.

كما يتطرق محمد إسماعيل في حواره مع الــ"الدستور" إلي قضايا الساحة الثقافية الآنية، الجوائز الأدبية وما تعنيه له، موقع الرواية في الخارطة الثقافية، وغيرها من الموضوعات والقضايا، فإلي نص الحوار. 

No description available.

 

ـــ في روايتك “باب الزوار” ناقشت العشرية السوداء من منظور اجتماعي، من أين جاءتك فكرة الرواية وكيف عالجتها، وهل ترددت في خوض الكتابة عن تجربة عاشها مجتمع آخر؟
 

عشت لسنوات في الجزائر وعاصرت أواخر العشرية، اختلطت بأهلها وزرت الكثير من مدنها حتى صرت منهم. أعتقد أن هموم العرب واحدة وتجاربهم متشابهة، لكن العشرية السوداء كانت نموذجًا فاضحًا يعري ما بنا من تناقضات سواء إن كانت في الجزائر أو بلد آخر يقاربنا في الموروث الثقافي. جاءتني فكرة الرواية منذ أعوام ومع عودة الإرهاب للظهور في مصر، زارتني من جديد مشاعري في أواخر التسعينيات في الجزائر تحمل معها روح نص باب الزوار.


ــ شهد العقدين الأخيرين من الألفية الثانية انتشاراً ورواجا ملحوظا لفن الرواية. هل تري أن الرواية صارت ديوان العرب المعاصر؟
أرى أن الرواية رسخت مكانها بين العرب بل واحتلت جزءا من مساحة الدراما في المناقشات الثقافية. وهي ظاهرة تستحق التحليل، أرجعها ربما لهذه الفترة العصيبة في حياة أمتنا العربية خاصة من بعد الربيع العربي. فإذا أقحل الواقع صارت الحاجة للخيال أكبر وهو ما يفسر - في رأيي - انتشار الرواية وخاصة التاريخية منها لا سيما إن كانت كبيرة الحجم، فالقارئ بحاجة إلى استغراق مطول لينسى واقعه.


ــ هل تعاني الساحة الثقافية المصرية من أزمة نقد ولماذا؟ وكيف تري دور الناقد في العملية الإبداعية؟
يتجلى دور الناقد في تحليل الكتابة النخبوية، وهي في رأيي قليلة مقارنة بالأعمال الشعبوية التي تستهدف الانتشار على حساب القيمة الأدبية. ومن هذه الزاوية أرى أننا لدينا من عباقرة النقد من يقومون بدورهم على خير وجه. الناقد في الأساس يلفت نظر القراء والكتاب لتحليلات أدبية في النصوص وهذا بدوره يؤثر على انتشار الأعمال كما يقوّم المسار الأدبي للكاتب المهتم بجماليات فن الرواية. ولا ننسي دور النقاد الجادين في إعلاء فرص الأعمال الهامة في التقدم للجوائز الأدبية بل والحصول عليها أيضًا.

No description available.


ــ ما رأيك في "موضات" القراءة والكتابة، بمعني في فترة ما سادت وانتشرت روايات الرعب، وفي فترة لاحقة ظهرت الروايات التاريخية بكثافة، هل توقفت عند هذه الظاهرة وكيف تحللها؟
أعتقد أن وسائل التواصل الاجتماعي هي المحرك لهذه الظاهرة حديثًا. فالموضة عموما تعتمد على ما يسمى بــ "ضغط الأقران" فإن ذاع صيت عمل على جروبات القراءة يشكل هذا ضغطًا على مريدي الانتماء لهذا العالم، فإذا حصل لونًا أدبيًا ما على قبول جماعي صار أكثر إغراءً للكتاب باقتحامه واكتشاف إمكانياتهم فيه فيزداد العرض والطلب معًا. 
 

ــ لمن يقرأ محمد إسماعيل ولا يفوت عمل له؟
أحب أمين معلوف وياسمينة خضرا وخالد حسيني بشكل خاص، وأحاول أن أقرأ ما استطعت من الأعمال الجادة لكتاب آخرين.


ــ ماذا تعني لك الجوائز؟ وهل تكتب عملا ما وعينك على جائزة بعينها؟
العمل الفائز يحظى بانتشار جماهيري أوسع وتزداد فرص النشر والتوزيع للكاتب، وهو الهدف الرئيسي للكتابة الإبداعية: وصول النص لأكبر عدد ممكن. وذلك بالإضافة إلى الشق المادي للجائزة. 
لا أستهدف الجوائز عند الكتابة فتطويع النص لهدف آخر يفسده تمامًا. وإن كنت أطمح دومًا للفوز لكن بعد انتشار العمل وقبوله.
 

ــ ما هو كتابك المفضل؟ ولماذا؟
كتابي المفضل هو “ليون الأفريقي” لأمين معلوف. فضلًا عن كاتبه، فالرواية تفصح عن دراسة الأديب للتاريخ والجغرافيا والتراجم، أراها عمل متكامل أتمنى كتابة نص مثله يوما ما.

No description available.


ــ ما هو أول كتاب شجعك على الكتابة؟
“الخبز الحافي” لمحمد شكري، أحد أهم الكتاب المغاربة. الرواية هي سيرة ذاتية للأديب الذي ظل أميًا حتى بدايات شبابه يعمل بالحرف اليدوية التي لم تكن كلها قانونية وقتئذ. من يقرأ تلك الرواية يعرف أن الكتابة ليست حكرًا على طائفة ما، شريطة أن تجد ما يستحق الكتابة وأن تسعفك لغتك.


ــ ما أقرب بيت شعر إلى قلبك وهل ينطبق على موقف من حياتك؟
هي المقادير فلمني أو فذر *** إن كنت قد أخطأت فما أخطأ القدر
تنطبق على مواقف كثيرة وليس موقفًا واحدًا.
 

ــ من هو أقرب أبطال رواياتك/ قصصك لك.. وما قصته ولماذا؟
كل أبطالي يحملون جزءًا مني ولكن أقربهم لي هو “ماجد” أحد أبطال “سارقة الأرواح” عملي القادم. وأفضل ترك قصته لبعد النشر.


ــ هل تذكر أول شيء كتبته في حياتك؟ وما هو؟
نعم، بدأت بكتابة مقالات سياسية ساخرة لم أسعى لنشرها وأحمد الله على ذلك.
 

باب الزوار

ــ هل هناك شخصية في فيلم مفضلة لك؟ ولماذا؟
أحببت جدًا شخصية “عمر المختار” في الفيلم. صموده في شيخوخته رغم بساطة الإمكانيات وحتمية النهاية كان مبهرًا.

 

ــ ما هي القصة التي تحلم بكتابتها يومًا ما؟
أحلم بكتابة الكوميديا، فهي فن راقٍ وصعب.


ــ لو معك تذكرتين سينما من تدعوه من شخصيات تاريخية؟ ولماذا؟
جراهام بل مخترع التليفون. فهو الأب الأكبر لثورة المعلومات الحالية.
 

ــ إذا كتبت قصة من سطر واحد عن الموت كيف ستكون؟
أنا الزائر بلا موعد الذي لا يمكنك الفرار منه أو استدعائه رغم أنفه. أقبل، لا تخف مني، اسمي: "الموت".


ــ هل تعترف بقاعدة "أكتب عما تعرفه" أم أن المبدع من حقه خوض آفاق تجريبية حتى لو لم يعرفها؟
لو لم يكن يعرفها فعليه دراستها قبل التصدي للكتابة عنها. فعلى الرغم من أن الأعمال الأدبية لا تعتبر مصادر للمعلومات، إلا إني لا أستسيغ قراءة نص مليء بالأخطاء بحجة حرية الإبداع.


ــ بين الكتاب الورقي والإلكتروني أيهما الأقرب إليك ولماذا؟ وهل الكتاب الورقي في طريقه للزوال؟
أنا من عشاق القراءة الإلكترونية وأجدها الحل الأمثل لمشاكل التوزيع خارج الحدود. كما أن زيادة أسعار الخامات مع ارتفاع خط الفقر جعلا حيازة الكتب أصلية أكثر صعوبة. أعتقد أن النشر الإلكتروني سيزدهر على حساب الورقي أقرب مما نتخيل.

No description available.


ــ هل عانيت صعوبات في أول طريقك مع النشر؟
النشر الأول صعب على الجميع وحالتي لم تكن استثناءً، عانيت بالطبع في البداية حتى استقرت الأمور.


ــ العديد من الأعمال الأدبية تحولت إلى الدراما المرئية كيف تري الأمر؟  وهل تحول الخيال المقروء إلى مشاهد مرئية يضيف أم يضر بالعمل الأدبي ولماذا؟
الأدب الجيد من مقومات الدراما الناجحة، وهو أمر طبيعي إن نجح العمل الأدبي أن يغري المنتج لتحويله إلى مشاهد. العمل الدرامي لا يمكن أن يلتزم بالنص الأدبي كليًا فللرواية آليات تختلف عن السيناريو. وبقدر ما تساعد الأعمال الدرامية على شهرة وانتشار النص الأدبي وهو أثر حميد، إلا أن القارئ يجب أن يميز بين رؤية المخرج التي تتجلى في الدراما ورؤية الكاتب التي تظهر في نصه المكتوب. 


ــ ما رأيك في "جروبات" القراءة وهل تضيف إلى الحراك الثقافي أم هي فقاعة صنعتها السوشيال ميديا؟
السوشيال ميديا أمر واقع لا يمكن إنكاره، وبالتالي تصبح جروبات القراءة من أساسيات الحراك الثقافي. وهي صاحبة فضل في انتشار كثير من الأعمال كما إنها تسمح بعقد مناقشات عن بعد تكسر الحواجز الجغرافية للندوات التقليدية.


ــ هل تصنع ورش الكتابة الأدبية كاتبا حقيقيا أم أنها مجرد ظاهرة من ظواهر الحياة الثقافية التي تظهر وتختفي بين الحين والآخر؟
أنا أدين بالفضل لورش الكتابة، فأنا نتاج ورشة دكتورة لنا عبد الرحمن. وأعتقد أن الورش الجادة هي خير معين لمن لم تكن دراستهم أدبية ولديهم الميل والرغبة. أتمنى ألا تختفي تلك الورش حتى وإن كانت ظاهرة حديثة نسبيًا.

No description available.


ــ هل تعكف على عمل أدبي جديد حدثنا عنه وعن تفاصيله.
هناك بالفعل نصًا لدى دار العين وهو قيد النشر، الرواية القادمة تناقش الوجه القبيح للرأسمالية المتمثلة في الشركات الخاصة لا سيما متعددة الجنسيات.


ـــ مع انتشار الصالونات الأدبية، هل تثري الحركة الثقافية بالفعل أم أنها مجرد ظاهرة من ظواهر الحياة الثقافية التي تظهر وتختفي بين الحين والآخر؟ وكيف تري الفارق بين الصالونات الأدبية قديما وحاليا؟
تختلف الصالونات الأدبية باختلاف القائمين عليها والأعمال التي تناقشها. قطعًا البعض منها يثري الحركة الثقافية والبعض الآخر أقل إثراءً. 


في الماضي كانت الصالونات هي الوسيط الوحيد المتاح لمناقشة النصوص الأدبية. أما الآن وقد أصبح الإنترنت بديلًا عن الزيارات والاجتماعات بل واستبدلت الفصول المدرسية ببعض التطبيقات، أصبحت الصالونات الافتراضية أوسع أثرًا حيث يمكن للجميع حضورها من شتى أركان الأرض أو الاستماع لها مسجلة إن تعذر الحضور.


ــ ما رأيك في أغلفة روايات نجيب محفوظ التي أعلنت عنها الدار الحاصلة على حقوق نشر رواياته مؤخرا؟
الغلاف من عتبات النص الهامة، وهو ليس أداة تسويق فحسب. في رأيي، الأغلفة الجديدة لا تعبر عن نصوص نجيب محفوظ.


ــ كيف تري دور الفن والثقافة والقوي الناعمة في عمومها، في القضاء على الأفكار المتشددة؟
أنا لا أرى بديلًا عن الثقافة والفنون لتفنيد التشدد ولمناقشة كل الأفكار المطروحة والمستجدة. وأعتقد أن في عصور خلت قامت فيها الدولة برعاية الآداب كان المجتمع أكثر انفتاحًا.


ــ شهد العقد الأخير انتشارا ملحوظا في كتابة ونشر وتلقي الروايات التاريخية بما تفسر الأمر.
أعتقد أن صعوبة الواقع هي من أهم أسباب الهروب إلى التاريخ. أيضًا واقعية الماضي تزيد من سحر الرواية خاصة إذا كتبت بلغة رشيقة.