رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نهاية جولة بايدن الشرق الوسطية.. ماذا قال توماس فريدمان عن الواقع؟

أنهى الرئيس الأمريكي "جو بايدن" زيارته الشرق أوسطية، التي وصفت بالمثيرة؛ ذلك أنها 
الأولى له منذ دخوله البيت الأبيض. 
جولة أو زيارة  غيرت في رؤية الولايات المتحدة للمنطقة والإقليم، تحديدًا بعد أزمات متتالية، ربما واقع ومسارات الحرب الروسية الأوكرانية أكثرها  حرجًا، ما استدعى تغيير النظرة للشرق الأوسط والقضايا التي يعيشها منذ أكثر من 70عامًا، بقيت مرهونة بنمطية النظرة الأمريكية لمشاكل وتحالفات العالم كافة. 
هي جولة، دامت أربعة أيام وضمت في خارطتها دولة الاحتلال إسرائيل العنصرية، والسلطة  الفلسطينية، عبر مدينة بيت لحم، وصولًا إلى المملكة العربية السعودية.

*جولة البيانات والمواقف والعهود

ما بين المحطتين الأولى والأخيرة، نشطت الإدارة الأمريكية في وضع إطار مختلف للزيارة، وهي التي قدمت دعمًا  للحكومة الإسرائيلية التي تخوض صراعات داخلية قد تنهي معالم حكومة لابيد، وتعيد انتخابات، تتصارع فيها قوى مختلفة، لكنها صهيونية ولا تريد محددات أو آفاقًا للسلام، ذلك أن الأوضاع الفلسطينية الراهنة لا تبعث على التفاؤل مع جميع الوعود أو البيانات التي رافقت الجولة الرئاسية الأمريكية. 
اجتمع بايدن مع قادة ست دول خليجية، ضمن قمة لمجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى  مشاركة الأردن، ومصر والعراق ، في  قمة أطلق عليها: جدة للأمن والتنمية.
*رؤية جديدة للدور الأمريكي في  المنطقة

بايدن، حدد في سعى  حثيث، أن تكون  زيارته للشرق الأوسط، مساحة لطرح رؤية مختلفة وجديدة للدور الأمريكي، الذي بات ينظر في هذه المنطقة الاستراتيجية، حالة خاصة، أكثر أهمية لتحالفات وأدوار الإقليم والعالم، وهي عوالم تعيش، وتعصف بها الصراعات والأزمات، عدا عن أنها غنية بالموارد والطاقة، والقوى البشرية والإمكانيات التي تتيح التعاون الدولي والتشاركية والانفتاح على التغيير والإصلاح السياسي والاقتصادي، لهذا حرص بايدن على القول: "إن الولايات المتحدة لن تتخلى عنها"، "لن نتخلى عن الشرق الأوسط ولن نترك فراغًا تملؤه الصين أو روسيا أو إيران"، وأشار: "اسمحوا لي أن أختتم بتلخيص كل هذا في جملة واحدة: الولايات المتحدة ملتزمة ببناء مستقبل إيجابي في المنطقة، بالشراكة معكم جميعًا ولن تغادر". 
*توماس فريدمان له حكاية 
قبيل 24 ساعة من جولة بايدن، بادرت  صحيفة نيويورك تايمز ونشرت مقالًا قديمًا للكاتب الصحفي الأمريكي "توماس فريدمان"، خاطب به الرئيس بوش والحكام العرب، ومن ثم لقاء الصحفي الأمريكي بالأمير عبدالله ولي العهد السعودي آنذاك، وما تمخض عن اللقاء من إعلان مبادرة السلام التي عرفت بعد مصادقة الدول العربية عليها بـ"المبادرة العربية للسلام".
فريدمان، جدد حكايته، عندما استبق جولة بايدن، عرض فيه رؤيته عن إمكانيات السلام بالشرق الأوسط، في ضوء الجولة التي يقوم بها الرئيس جو بايدن.

فريدمان قال: إن سلامًا بين إسرائيل والسعودية قد ينقذ إسرائيل من معضلتها كدولة يهودية ديمقراطية. فكونها دولة محتلة في الضفة الغربية لن تحصل على هذه الصفة.
أيضًا  ركز فريدمان على أن: " ترياق إسرائيل يكمن في دور العرب داخل إسرائيل وسلام مع السعودية، التي يقول إنها لن تقبله بدون ثمن".

*عن أي إنقاذ؟

فريدمان، يشير بدقة الصحفي والخبير بالمنطقة والإقليم : "شيء عظيم أن يزور الرئيس بايدن الشرق الأوسط، فقد لعبت أمريكا دورًا حيويًا في دفع العملية السلمية هناك. وكواحد يتابع المنطقة منذ عقود، فأخبركم أنني أرى شيئًا جديدًا، هناك أمر مثير للمفارقة، مثلما هو مثير للدهشة، فقط السعودية والعرب في إسرائيل قادرون على إنقاذ إسرائيل كدولة ديمقراطية- وليس أمريكا"..وعن أي إنقاذ، يتصل بمسار الأشهر الأخيرة لممارسات حكومة الائتلاف الصهيوني، أي إنقاذ؟
يفسر فريدمان حكايته بالقول: لأن الناخبين العرب داخل إسرائيل، والسعودية، قادرون على إجبار إسرائيل كي تختار. فتستطيع إسرائيل أن تكون لها دولة ديمقراطية في إسرائيل والضفة الغربية، ولكن مع مرور الوقت، وبنسبة الولادة العالية بين العرب، فربما لن تكون يهودية. ويمكنهم الحصول على دولة يهودية وليس ديمقراطية، ولكنها لا تستطيع مواصلة احتلال الضفة الغربية للأبد.
*أسئلة وجودية تواجه إسرائيل منذ 1967

وأضاف فريدمان: "هذه أسئلة وجودية تواجه إسرائيل منذ 1967 عندما احتلت الضفة الغربية والقدس الشرقية. لكن إسرائيل رفضت وبشكل متزايد أن تختار، بدرجة، أن الأحزاب السياسية من اليمين إلى اليسار اختارت في الانتخابات الأربعة الأخيرة تجاهل المسألة الفلسطينية، وهذا أمر مثير للقلق. ويجب ألا يكون الوضع نفسه عندما يذهب الإسرائيليون في الأول من نوفمبر، للانتخابات وللمرة الخامسة في أقل من أربعة أعوام. وفي الوقت الذي تعبت فيه الولايات المتحدة من محاولات إقناع الفلسطينيين والإسرائيليين بحل الدولتين، هنا يثير فريدمان الجدل، بصراحة عندما كتب: أن العرب داخل إسرائيل، إلى جانب السعودية، يمكنهم لعب دور مهم في دولة يهودية ديمقراطية".
 قد يبدو فريدمان مختلفًا، ولديه مقومات التفكير من خارج الصندوق الأمريكي، فهو يحدد: "لن تصبح إسرائيل ديمقراطية قابلة للحياة ما دامت تحتل وللأبد 2.7 مليون فلسطيني في الضفة الغربية. ويعني الاحتلال تطبيق القوانين الإسرائيلية على اليهود الذين يعيشون في الضفة الغربية ومعاملة الفلسطينيين بناء على قوانين عسكرية أخرى، بحقوق أقل أو فرص لامتلاك الأراضي وبناء البيوت والتجارة والتواصل والسفر أو التنظيم السياسي. وربما لم يكن الاحتلال مشابهًا لنظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، ولكنه قبيح، ويعمل على تآكل أخلاقيات إسرائيل، وكذا الديمقراطية اليهودية. وأصبح الاحتلال منفرًا، وبخاصة بين اليهود الليبراليين في أمريكا، ولو استمر الوضع بهذه الطريقة، فلربما كان جو بايدن آخر رئيس ديمقراطي مؤيد لإسرائيل".

*ماذا قال عن الانتفاضة الفلسطينية الثانية؟

يرى فريدمان أن الانتفاضة الفلسطينية الثانية دمرت معسكر السلام (...) وهي، بحسب رؤيته، التي اندلعت بعد رفض ياسر عرفات عرضًا من إيهود باراك بدولة فلسطينية منزوعة السلاح على معظم الضفة الغربية والقدس الشرقية، وأدت صواريخ حماس وعملياتها الانتحارية لزيادة حس فقدان الأمن لدى إسرائيل، ويبرر بنوع من عدم الحياد: أن الكثيرين من مؤيدي إسرائيل في الولايات المتحدة احتفظوا بالصمت خلال 12 عامًا من حكم بنيامين نتنياهو، والذي فعل كل شيء لنزع المصداقية عن السلطة الفلسطينية، كشريك في السلام. وبدون أن ينسب إليها الفضل وما تقوم به من جهود للحد مما وصفه فريدمان بالعنف الفلسطيني، وعمل على جعل حل الدولتين مستحيلًا، من خلال بناء المستوطنات في عمق الضفة الغربية، وأبعد من جدار الفصل الإسرائيلي، وفي المناطق التي ستقوم عليها الدولة الفلسطينية في المستقبل. 
وفي المقالة، تجاذبات ورؤى مختلفة، ربما تصح، وغالبًا لن تحميها بيانات الجولة.

* وبعد، الأفق ملبد، يختلف دومًا.

تضع الولايات المتحدة الأمريكية، المنطقة والإقليم والعالم، ضمن منظور سياسي أمني، وربما عسكري واقتصادي، فالحرب الروسية الأوكرانية، ملتهبة، ولا أفق لإحداث التغيير نحو نهاية لتداعياتها، وتبقى الحاجة لحل إشكالات الطاقة والغاز، وتمرير سلاسل الإمداد والأمن الغذائي وحل الأزمة الاقتصادية، حالة أمريكية يتشارك بها حلف الناتو، في انتظار الإفراج، برغم أن الأفق ملبد ويختلف بعد دخول الحرب شهرها الخامس، والحال ينذر بكل الاحتمالات، فالتغيير سياسيًا واقتصاديًا، مرهون بنهاية الحرب، التي يعالجها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بطريقة مختلفة، إذ يجمع  للحرب وليس للسلام، ما يعني الدخول، جيوسياسيًا في واقع ملبد، مضطرب، أثره على الشرق الأوسط، مرهون بقوة الدول المحورية كالأردن ومصر والخليج العربي، إذا ما أتيح لها العمل أمميًا.


[email protected]
*حسين دعسة، مدير تحرير في جريدة الرأي الأردنية