رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الترام» يُغيِّر أخلاق سكان القاهرة: سهر وتدخين وملاهٍ

الترام
الترام

شق الترام شوارع القاهرة بداية من ميدان العتبة الخضراء لينقل الناس من عصر استخدام الحمير والعربات إلى عصر الترام. 

كان المواطنون فى القاهرة يعانون من أحوال الشوارع بالغة السوء التى لم تمتد إليها يد الإصلاح والإعمار، بالإضافة إلى انتشار الظلام، حيث كانت الشوارع تضاء عن طريق استخدام غاز المصابيح. 

حصلت ثورة اجتماعية هائلة فى القاهرة بدخول الترام، وصفها محمد سيد كيلانى، فى كتابه «ترام القاهرة»، بالتفكك الأسرى، إذ كان الناس يسهرون خارج منازلهم حتى الصباح، وأصبح من الصعب على رب البيت أن يراقب أسرته.

كما راجت حركة التجارة واتسعت عمليات البيع والشراء، ودُشنت المشاريع فى العتبة الخضراء، وانتشرت المسارح وصالات الرقص، يقول «كيلانى»: «وظهر ما سمى الأدب الترامى ما بين عامى ١٨٩٦- ١٩١٤». 

تحركت أول عربة ترام فى شوارع القاهرة فى ١ أغسطس ١٨٩٦، واندهش الناس واحتشدوا من كل مكان يتفرجون على انطلاق هذه العربة العجيبة، واقتاد حسين فخرى باشا، ناظر الأشغال، الترام ورافقه عدد من كبار الموظفين، وتجمع الأطفال حولهم يصيحون: «العفريت.. العفريت». 

ولفت «كيلانى» إلى أنه بدخول الترام فى القاهرة، انتشرت عادة التدخين بين تلاميذ المدارس، وتصاعدت إلى أن تعاطى بعضهم الخمر، وبدأوا يرتادون ملاهى الأزبكية والمغانى واختلطوا بالمومسات والراقصات، موضحًا: «بدأ طلبة الأزهر يترددون على المواخير والمراقص ويغازلون الفتيات ويترنحون إذا رأوا الراقصات». 

وكتبت جريدة «المقطم» أن الآباء كلما رأوا سيدة أسمعوها كلامًا بذيئًا، بالإضافة إلى محاولة عرض صور المجلات أمام أعينهن، وخرج الرجال العجائز فى شوارع القاهرة يتهكمون على النساء، بل ويبالغ «كيلانى» ويلفت إلى أنه عثر على نحو ثلاث عشرة لقيطة فى شوارع القاهرة. 

وشرح محمد سيد كيلانى أن النساء بفضل دخول الترام إلى القاهرة شرعن فى ارتياده بمفردهن، حيث استطاعت أى واحدة منهن أن ترتاده وحدها فى غياب زوجها، تذهب حيث تشاء.. وعلى إثر ذلك ظهرت موجة من الخطباء فى المساجد يحذرون الناس ويتوعدونهم باقتراب يوم القيامة عقابًا على الشهوات التى راجت، وطالبوا بضرورة الابتعاد عنها قبل أن يدركهم الموت. 

مُد خط ترام بدءًا من حى السيدة زينب حتى غمرة، فارتفعت أسعار الأراضى حول شريط الترام، وجنى أصحابها أرباحًا هائلة، وظهرت السلوكيات المشينة- حسب «كيلانى»- إذ أصبحت محطات قطار الترام مكانًا لتلاقى العشاق وانتشار الموبقات، وتخطى ذلك حاجز القاهرة وانتقل للمدن الأخرى. 

ووصف «كيلانى» فئة من الشباب بأنهم «شبان العصر الترامى»، نتيجة أنهم استغلوا الموقف، وكانوا يتأنقون بغرض جذب النساء فى الطريق العام، وزاد لهوهم ومجونهم، وصاحبوا النساء الخارجات عن تقاليد الأدب. 

وعارض الكُتّاب والمثقفون ظهور الترام بعدما وقعت حادثة فى القاهرة راح ضحيتها طفل، فوصفوا الترام بأنه بمثابة عزرائيل الذى يقبض الأرواح.