رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التعدد.. فهم خاطئ لمؤسسة الزواج

أثارت تصريحات الشيخ أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، حول تعدد الزوجات ضجة كبيرة، مؤكدًا أن للزوج المسافر الذى لا يتمكن من العودة أو جلب زوجته إليه واشتاقت نفسه إلى ممارسة العلاقة الحق فى أن يتزوج!

وتابع الشيخ دفاعًا عن رأيه، أن المجتمع المتخلف يبيح الخليلة ولا يبيح الحليلة.. وأن للمرأة الحق إذا غاب عنها زوجها فوق الأربعة أشهر أن تطلب الطلاق!

هذه التصريحات أعادت قضية التعدد إلى البرامج ومواقع التواصل كموضوع لخلافات حادة بين مختلف الاتجاهات والآراء، التى منها ما يجيز التعدد أو يحرمه ويقيده، وهنا أتساءل: ما الهدف من إعادة طرح هذه الموضوعات إلا جنى الأموال من الإعلانات على الفضائيات والـ«يوتيوب» والشهرة لمن يصرح.

ولم يتم اختصار قيمة الرجل كزوج وأب، وفى الوقت نفسه التركيز على إثارة الغرائز والأحلام عنده فى لعب دور الشهريار المدلل، وهنا يحضرنى التفكير فى أصل الهدف من الزواج، وما الأركان التى تُبنى عليها الأسرة، أليس هو السكن من التساكن والسكينة، أحدهما للآخر، والمودة والتراحم، وأليس الاستقرار النفسى هو شأن يخص كل أفراد العائلة.

وإن كان الزوج يسافر لتحسين جودة الحياة، كيف يسوغ هؤلاء الشيوخ لما تهدم به البيوت، ويتزعزع استقرارها، والسير بالمجتمع نحو إرضاء الغريزة وتغليبها على مصلحة الأسرة، وتشجيع أحد الأركان للانفراد بقرار فيه الكثير من الأذى النفسى للزوجة الأولى، التى لم تتصور يومًا أن تأتى من تشاركها فيمن اتخذته شريكًا للحياة.. وكيف يتناسى من يحلل التعدد بلا قيد أن أصل الزواج فى الإسلام والديانات الأخرى الاكتفاء بزوجة واحدة والتعدد استثناء.

وفى حديث للشيخ محمد زحل أن كل الأنبياء كانت لهم زوجة واحدة، فسيدنا إبراهيم زوجه السيدة سارة، وقد زوّجته- لأنها عاقر- من السيدة هاجر التى أنجبت سيدنا إسماعيل، وبعدها اشتعلت الغيرة فى قلبها، وطلبت من سيدنا إبراهيم أن يبعدها وابنها، وقد خرج بها إلى مكة وتركها، وسيدنا آدم زوجه حواء «يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة».. وسيدنا زكريا «فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه»، وقال تعالى عن نبيه موسى عليه السلام، فى سورة القصص «إنى أريد أن أنكحك إحدى ابنتى هاتين»، وقال تعالى عن نبيه نوح ولوط «ضرب الله مثلًا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط».

وإن كان القرآن الكريم أخبرنا بأن لكل الأنبياء زوجة واحدة، فلِمَ يقتطع أهل الهوى من السور الكريمة ما يرضى أهواءهم، فالأصل فى زواج المسلم أن يكتفى بامرأة واحدة تكون سكن نفسه وقرة عينه، وموضع سره وشريكة حياته، كى لا يقع فى حرج عدم العدل والاكتفاء بواحدة أسلم، وقال تعالى «وإن خفتم ألا تقسطوا فى اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة» هنا العدل المستطاع وهو العدل العينى، وهى تتكامل مع الآية الثانية «ولن تستطيعوا أن تعدلوا ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورًا رحيمًا».

وفى تفسير ابن كثير لن تستطيعوا أن تساووا بين النساء من جميع الوجوه، فإنه وإن حصل القسم الصورى، فلا بد من التفاوت فى المحبة والشهوة، فالآيتان تتكاملان ولا تتعارضان، الأولى شرحت عن العدل المستطاع، وهو العدل العينى فى السكن والمال، والعدل غير المستطاع هو ميل القلب، والرسول كان عادلًا بين نسائه، لكنه كان يصرح بحب عائشة أكثرهن.

وفى حديث لأيوب عن أبى قلابة، أن رسول الله كان يقسم بين نسائه فيعدل، ثم يقول «اللهم هذا قسمى فيما أملك فلا تلمنى فيما تملك ولا أملك»، وهناك حالات شاذة من الفتاوى السلفية التى تنشر ثقافة التعدد، استنادًا إلى أنها سنة عن الرسول الكريم، ومن لا يعلم الأسباب التى كانت وراء زيجات الرسول الكريم، سواء فى نشر الدعوة أو المصالحات، وغير ذلك من الأسباب.

والداعية السلفى وليد إسماعيل يقول، إن المرأة التى تطلق حال زواج زوجها لا تشم رائحة الجنة، ولا ننسى حملة «زوّجى زوجك»، وداعية سلفية أخرى تطرح فوائد التعدد كحل لمشكلة العنوسة، وتزويج المطلقات، وفائدة تقسيم الليالى على الزوجات فى إطالة عمر الرجل!

وفى رد من الأزهر على كل المغالطات والتصريحات، قال شيخ الأزهر أحمد الطيب بأن زوجة واحدة تكفى، ومن يقولون الأصل فى الإسلام هو التعدد مخطئون، والمسألة تشهد ظلمًا للمرأة وللأبناء فى كثير من الأحيان، والتعدد من الأمور التى شهدت تشويهًا للفهم الصحيح للقرآن والسنة النبوية، وأن المسلم ليس حرًا فى أن يتزوج على الأولى، وأنها رخصة مقيدة بقيود وأسباب، فإذا انتفى السبب بطلت الرخصة، والتعدد فى القرآن مشروط بالعدل، فإذا لم يوجد يحرم.

السؤال: كيف نحكم مسألة تعدد الزوجات ونجعلها مقيدة بشروط، وكيف نوقف الهدر النفسى للمجتمع ونحمى الأبناء من الضياع العاطفى والتشتت بعد تخلى الأب عن أمهم وتركها لألم لن ينتهى، وكيف نُحد من حالات الطلاق بسبب التعدد، وشئنا أم أبينا من المستحيل أن تصبر المرأة على وجود الضرة.

أليس من المستغرب أن هذا الأمر ما زال يأخذ الكثير من حيز التداول، بينما منعت تونس التعدد فى قانونها الذى وضع عام ١٩٥٨، وفرضت عقوبة الحبس لمدة سنة ومبلغًا ماليًا كبيرًا، فمشكلة التعدد لا تتعلق برجل يتزوج ثانية، إنما بإلغاء تقييد التعدد ووجوب الرخصة إلى تعميم وإجازة تحوله إلى دعارة مجازة.

ربما يكون الحل اشتراط عدم التعدد فى عقد الزواج وعدم إتمام العقد الثانى إلا بعد إعلام الزوجة حينها نقول لها أنت إنسانة ولك حق الاختيار فى أن تكملى أو تنهى الحياة مع شريك قرر بمفرده أن يكسر خصوصية بيت الزوجية، ويفتح الباب لأخرى.