رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحوار والمعارضة المصرية

دعوة الرئيس السيسى لحوار وطنى، مع تعدد الأسباب المعلنة وغير المعلنة، تعنى أن هناك رغبة فى تدشين مناخ سياسى آخر غير المناخ السياسى السائد منذ ثورة ٣٠ يونيو، مع عدم تكرار الكلام عن الظروف الداخلية والخارجية التى فرضت نفسها لإنتاج هذا المناخ.

ومن الطبيعى أن تكون هناك وجهات نظر متعددة، بل متباينة، حول هذا المناخ أيًا كانت النيات والأسباب والتبريرات لوجهات النظر هذه، ولكن الأهم أن صاحب القرار قد أيقن أنه لا بد من الانفتاح على مناخ وعلى ممارسات سياسية أخرى غير التى كانت. 

وأى حوار وطنى حقيقى يهدف لصالح الوطن والمواطن لا بد أن يكون طرفا الحوار فيه الموالاة والمعارضة، أى الرأى والرأى الآخر، فلا بد أن يكون صوت المعارضة موجودًا، وألا يكون الحوار بين متفقين، وليس متحاورين، فلا نرى جديدًا ولا نحصد ثمارًا.

وبكل وضوح، فالمعارضة المصرية الآن، والآن تحديدًا، تعيش ظروفًا سياسية غير مواتية، وذلك نظرًا للممارسات غير الثورية وغير السياسية التى ظهرت فى أشكال تخريبية وتظاهرية أضاعت الأمن وأسقطت الأمان وأوقفت الاقتصاد، وللأسف كانت تلك الممارسات تتم باسم الثورية والثورة، والثورية منها براء. 

كما أنه وبعد ٣٠ يونيو كانت الظروف تستوجب، ولأسباب كثيرة، وأغلبها مقبول، أن يكون الاهتمام بعودة الأمن والاستقرار واستعادة هيبة الدولة ومحاربة الإرهاب، فنظر البعض إلى أن ممارسة السياسة ووجود المعارضة حالة ترفيهية لا يحتملها الواقع، إضافة إلى أن الإعلام وضع المعارضة بشكل عام موضع الاتهام وعدم المسئولية.. إلخ، الشىء الذى أوجد مناخًا ونظرة جماهيرية فى غير صالح المعارضة، لدرجة أنه فى كثير من الأحيان والمواقف تم نعت المعارضة بشكل عام بالخيانة الوطنية، أو أنه لا توجد معارضة، ولا لزوم لها من الأساس.

وأعتقد أن هذا المناخ الرافض فكرة المعارضة كان قد عززه تقاعس هذه الكثرة من الأحزاب التى جاءت فى غفلة من الزمن بهدف الوجود الإعلامى والحزبى لأناس لا علاقة لهم بالعمل الحزبى والسياسى على المستوى التاريخى أو الشخصى أو الجماهيرى، للدرجة التى لا يعرف فيها من يسمون أنفسهم برؤساء الأحزاب هذه أسماء أحزابهم! مما جعل النظام الحاكم يتدخل فى إظهار شكل سياسى وحزبى يناسب الموقف ويتوافق مع الظروف، مع الوضع فى الاعتبار أن هناك أحزابًا تاريخية تعد على الأصابع لم تجد الفرصة المواتية لإدارة العمل الحزبى المطلوب والمأمول، إضافة إلى أن المعارضة لا تعنى ولا تقتصر على الأحزاب المعارضة، والتى تعلن معارضتها من خلال رؤى ومواقف سياسية عملية تكون بديلًا ومناظرًا لقرارات ورؤى الحكم. 

وهذا غير تلك الأحزاب التى لا تجيد غير التأييد بهدف الوجود والحصول على الرضا المجتمعى.. فغير هذا وذاك هناك شخصيات ومواطنون ومعارضون، وعلى الأرضية الوطنية التى تهدف إلى صالح الوطن والمواطن، لم ينضموا إلى الأحزاب لإيمانهم بعدم قدرتها، وغياب كوادرها الحقيقية عن العمل الحزبى والسياسى، وهؤلاء يتواجدون فكريًا وعمليًا وسلوكيًا وسياسيًا. 

ولا بد من الوضع فى الاعتبار أن المعارضة الحقيقية التى تفعل الرأى والرأى الآخر لا بد أن تشمل كل أشكال هذه المعارضة لإثراء الحوار، ولفتح صفحة جديدة تواكب الظروف التى يعيشها الوطن من تحديات وعلى كل المستويات. 

وعلى ذلك، وحتى لا يتحول الحوار إلى مكلمة أمام الكاميرا «الكثيرون يستهويهم هذا»، أو لإثبات الذات غير المثبتة، فلا بد بداية، والآن، من إدارة حوار جماهيرى فى كل الأماكن وعلى كل المستويات لاستطلاع رأى المواطن الذى هو الحل الحقيقى لكل المشكلات، خاصة عندما يشعر بأنه مشارك فى شئون هذا الوطن، وحتى يمكن أن نوفر فرصة وبداية صحيحة لبعض الأحزاب الحقيقية، والتى تملك برامج ورؤى حزبية حقيقية. 

وبعد ذلك يتحول الحوار إلى التخصصية والمتخصصين لوضع أطر وبرامج سياسية قابلة للتطبيق.. وهنا لا بد للجميع، وبعيدًا عن الشعارات والمكلمات، أن نعى جيدًا وأن نقرأ الواقع السياسى قراءة صحيحة وموضوعية بعيدًا عن المزايدات السياسية؛ حتى نضع الحلول والبرامج الواقعية التى يمكن أن تطبق وتُفعّل حتى لا نصدم الجماهير فى آمالهم المنتظرة لهذا الحوار، مع عدم تجاهل الظروف الخارجية المحيطة بالعالم الآن، وكيف نوجد مواءمة تحقق أهدافنا وتحمى قرارنا لصالح الوطن، مصر الغالية.

المعارضة الوطنية هى جزء من النظام السياسى الدستورى، وهى المجسد لأى حوار وطنى يوجد فيه الرأى والرأى الآخر، الذى لا يفسد للوطن قضية.

حمى الله مصر والمصريين من الكائدين والمتسربين تحت مسمى المعارضة، والمعارضة منهم براء.