رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مستشارو السوء


فى تاريخنا الحديث، ومنذ ثورة يوليو 1952، أحاط مستشارو السوء، برجال ثورة يوليو 1952 عند قيامها، وأوعزوا إليهم أن السنهورى رجل القانون المعروف يعيق الديمقراطية، ولأجل ذلك أوعزوا إلى اتحاد العمال بالقيام بمظاهرات اعتدت على الرجل الجليل

مستشارو السوء المحيطون بالحكام دائما ما يتسببون فى صدور قرارات تؤثر سلبا فى الحاكم، وتقلل ــ إلى حد كبير ــ من شعبيته. والحقيقة أنه على مر التاريخ كانت بطانة السوء، لها دور فعال فى كل الكوارث التى حلت بالبلاد.

وفى تاريخنا الحديث، ومنذ ثورة يوليو 1952، أحاط مستشارو السوء، برجال ثورة يوليو 1952 عند قيامها، وأوعزوا إليهم أن السنهورى رجل القانون المعروف يعيق الديمقراطية، ولأجل ذلك أوعزوا إلى اتحاد العمال بالقيام بمظاهرات اعتدت على الرجل الجليل، ومنذ تلك اللحظة انحازت ثورة يوليو إلى الديكتاتورية. وأوعزوا الى عبد الناصر أن محمد نجيب يتآمر عليه، وغير ذلك من المؤامرات التى تعرض لها رجال الثورة، كانت بفعل هؤلاء المستشارين، الذين لم يحسنوا النصيحة.

وهم من أشاروا على جمال عبدالناصر أن يضم رجال القضاء إلى التنظيم الطليعى والاتحاد الاشتراكى، وهو ما أثار حفيظة رجال القضاء، ورفضوا، فما كان من الرئيس إلا أن أحال أعداداً كبيرة منهم إلى التقاعد، وهو ما عرف باسم مذبحة القضاء الشهيرة فى عهد عبد الناصر. وأيضا هم من أوعزوا إلى جمال عبدالناصر، بإغلاق مضيق باب المندب، والتصعيد ضد إسرائيل واستفزازها، وسحب قوات الطوارئ الدولية، رغم ضعف جيشنا، وعدم قدرته على خوض المعارك ـ آنذاك ـ . وكان من نتيجة ذلك ابتلاء البلاد بنكسة ما كان لنا أن نخرج منها إلا بجيشنا الباسل فى 1973، وهم أيضاً الذين أوعزوا إلى السادات بإنشاء الجماعات الإسلامية فى نهاية السبعينيات والإخوان، وعندما ترعرعت تلك الجماعات كان السادات أول ضحاياها، وهم الذين أوعزوا إلى الرئيس المخلوع مبارك، بأن يفكر فى توريث ابنه حكم مصر، وزينوا له الأمر وسهلوه ويسروه، وكان من نتيجة ذلك ما آل إليه مصيره الآن بالسجن، هو وأولاده ومستشاروه فى ثورة يناير 2011. أما مستشارو السوء الذين استعان بهم المجلس العسكرى، بشأن الإعلان الدستورى، وتم عمل تعديلات دستورية، وإعلان دستورى مشوه . وغير مترابط . ولم يستفيدوا من دستور 1971. والذين طلبوا أن يكون الاستفتاء على التعديلات والانتخابات، وكان المفترض أن تنص التعديلات على الدستور أولا، ثم إجراء الانتخابات، ولا يتم الاستفتاء إلا على الدستور، وبعده كانت البلاد ستسير تجاه الحكم الديموقراطى الطبيعى. مستشارو السوء أيضاً أوعزوا الرئيس الإخوانى محمد مرسى، بأن يتحول تجاه الديكتاتورية بإهدار أحكام القضاء، وتحصين قراراته ضد رقابة القضاء، وهو أمر لا يمكن تبريره، ولا تفسيره إلا بأنه نتيجة لفتاوى مستشارى السوء الذين أفتوا للرئيس محمد مرسى، بأن يصدر قرار بعودة مجلس الشعب الذى قضت المحكمة الدستورية العليا بحله. الحق إننى فى تلك الفترة، وفى خضم الجدل القانونى الذى احتدم فى ذلك الوقت، وجدت نفسى أعود إلى أيام مظاهرات شارع محمد محمود ومجلس الوزراء، وفى تلك الفترة عرضت إحدى القنوات التليفزيونية، لقطة لاجتماع قيادات بعض الأحزاب، وأعلن بعضهم بكل وضوح أنهم يريدون هدم مؤسسات الدولة القديمة، التى نشأت فى ظل النظام السابق، وأعلنوا أنهم فرغوا من هدم وزارة الداخلية، وأنهم الآن يبحثون فى هدم مؤسسة القوات المسلحة، والمؤسسة القضائية، وهو ما فسر لى وقتها خروج مظاهرات تهتف «الشعب يريد تطهير القضاء»، ويسقط حكم العسكر، ناهيك عن محاولات اقتحام وزارة الداخلية لمرات عديدة، وخرج بعض الكتاب يتحدثون عن بعض وقائع الفساد فى القضاء. وحتى لا أطيل فإننى آمل أن تنقشع تلك الغمة، من سماء السياسة المصرية، ويختار الرئيس القادم مستشاريه من العناصر الوطنية المخلصة، والذين يمثلون جميع الأطياف السياسية فى مصر، حتى تكون قراراته متوازنة فى صالح الجميع، وأن يبتعد عمن شاركوا أو ساهموا فى تلك الفترة الحالكة السواد التى مرت بمصر. منذ حكم مبارك حتى الآن.

■ خبير أمنى