رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نص خطبة الجمعة المقبلة: «المستثمر الوطني» مكتوبة

الأوقاف
الأوقاف

نشرت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة المقبلة 26 شوال 1443هـ الموافق 27 مايو 2022م بعنوان: «المستثمر الوطني».

وأكدت وزارة الأوقاف على جميع الأئمة الالتزام بموضوع الخطبة نصًّا أو مضمونا على أقل تقدير، وأن يكون وقت الخطبتين الأولى والثانية في حدود عشر دقائق، مع ثقتنا في سعة أفقهم العلمي والفكري.

نص خطبة الجمعة المقبلة: «المستثمر الوطني» 

وإليكم نص الخطبة.. 

المستثمر الوطني
الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه الكريم: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}، وأَشهدُ أنْ لا إلهَ إِلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأََشهدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّدًا عَبدُه ورسوله، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَيهِ، وعلَى آلِهِ وصحبِهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ.
وبعد:
فديننا دين عظيم مفعم بالخير والحرص على تحقيق مصالح البلاد والعباد، كما يحرص على عمارة الكون والحياة، فهو دين بناء لا هدم، وتعمير لا تخريب، دين يوازن بين المصالح العامة والخاصة، ويعلي دائمًا من شأن المصلحة العامة ويعظم من شأن ما هو عام النفع.
ولا شك أن المال عصب الحياة، وقوامها، وقد حث الشرع الحنيف على استثمار المال وتنميته؛ لتحقيق تقدم الأوطان ورقيها، من خلال الاكتفاء الذاتي، والاستقلال الاقتصادي، وتحقيق التنمية المستدامة؛ والمتأمل في سيرة نبينا (صلى الله عليه وسلم) يجد أنه عندما قدم المدينة المنورة أنشأ سوق "المناخة"، ليكون سوقًا جديدًا قائمًا على مبادئ الصدق، والأمانة؛ والسماحة بيعًا وشراءً، ومجالًا حيويًّا لتسويق ما ينتجه أهل المدينة؛ مما كان له أثر عظيم في استقرار (المدينة المنورة) اقتصاديًّا، وتقدمها حضاريًّا.
والاستثمار يعني العمل على تنمية المال والإسهام في عمار الكون والحياة، وله دور مهم في تفعيل الطاقات البشرية، وتوفير فرص العمل للشباب، وتدريب الكوادر المهنية؛ وذلك باب عظيم من أبواب دفع عجلة العمل من جهة، وتفريج الكرب من جهة أخرى، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ نفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ يسََّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ، واللهُ فِي عَوْنِ العَبْدِ مَا كَانَ العَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ)، ويقول (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ للهِ أَقْوَامًا اخْتَصَّهُمْ بِالنِّعَمِ لِمَنَافِعِ العِبَادِ، يُقِرُّهُمْ فِيهَا مَا بَذَلُوهَا، فَإِذَا مَنَعُوهَا نَزَعَهَا مِنْهُمْ، فَحَوَّلَهَا إِلَى غَيْرِهِمْ).
وللمستثمر الوطني صفات ينبغي التحلي بها، منها: إيثاره المصلحة الوطنية العامة على المصلحة الشخصية، والإسهام في بناء الوطن، من خـلال التحرك في ضوء أولوياته، زراعية كانت أم صناعية، وتقديم ما يحتاجه الوطن منها، والعمل على الوفاء بالواجب الكفائي، أو الإسهام في الوفاء به في مجال استثماره، وهو بتلك الروح الوطنية يرجو أجر النفع العام عند الله (عز وجل)، حيث يقول الحق سبحانه: {وَافْعَلُوا الخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، ويقول سبحانه: {وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ}.
ومنها: تشجيعه البحث العلمي بجميع مجالاته الإنسانية، والعلمية، والطبية، وغيرها، وبخاصة ما يتعلق بمجال استثماره، وهو بذلك يؤدي دوره في تنمية الفرد والمجتمع، وبناء الشخصية الحضارية، فالإسلام دين علم وفكر وثقافة، يحترم العقل البشري، ويحث على التفوق في العلوم، واكتساب الخبرات والمعارف الدينية والدنيوية؛ حيث يقول الحق سبحانه: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (العُلَمَاءُ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ)، ويقول (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الجَنَّةِ).



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، وعلى آله وصحبه أجمعين.
إن على المستثمر الوطني دورًا اجتماعيًّا تجاه وطنه، من خلال المساهمة في حل المشكلات التي تواجه المجتمع، وقد كان نبينا (صلى الله عليه وسلم) يحث الأغنياء من الصحابة (رضي الله عنهم) على تحقيق ذلك الدور الاجتماعي، وقد تسابق الصحابة (رضي الله عنهم) في هذا الميدان، فهذا سيدنا عثمان بن عفان (رضي الله عنه) يشتري بئر رومة، ويجعله للمسلمين، ويجهز جيش العُسرة للدفاع عن الدين والوطن، حتى قال له نبينا (صلى الله عليه وسلم): (مَا ضرَّ عُثْمَانَ ما عَمِلَ بعدَ اليومِ)، وفي هذا يقول الحق سبحانه: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ}، ويقول سبحانه: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.
فضلًا عن أن المستثمر إذا قصد وجه الله (عز وجل) وخدمة وطنه، فإنه يكون على ثغر عظيم من ثغور الدين والوطن، يقوم فيه بتأدية ما يتطلبه وطنه، فإذا تعاونت اتحادات المستثمرين في ذلك قامت مجتمعةً بحاجات أوطانها، وسدت كفاياتها في مختلف المجالات، وذلك أمر ثوابه عظيم عند الله (عز وجل).
وختامًا نؤكد أن المال الحلال بركة، وأن ربحًا قليلًا من الحلال بالجهد والعرق والتعب يبارك الله فيه، فيكون خيرًا وبركة في الدنيا، ورحمة لصاحبه يوم القيامة. 
وهنا نؤكد على أهمية مراعاة الضوابط الشرعية والقانونية والمؤسسية، ونحذر من الوقوع في فخاخ بعض المحتالين الذين يوهمون الناس بقدرتهم على توظيف أموالهم بعوائد غير منطقية خارج الإطار القانوني، مما يُشكل خطرًا جسيمًا على الأمن الاقتصادي والمجتمعي في آن واحد.
اللهم احفظ بلادنا مصر وسائر بلاد العالمين