رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صلاة العيد رقم 2849

ولاية أول حكّام مصر المسلمين، عمرو بن العاص، بدأت فى ١ رمضان سنة ٢٠ هجرية، الموافق ١٣ أغسطس ٦٤١ ميلادية، وأدى صلاة العيدين: عيد الفطر وعيد الأضحى، فى تلك السنة، قبل أن ينشئ، فى السنة التالية، مدينة الفسطاط ويبنى فيها الجامع المعروف باسمه الآن.

لو حسبت عدد صلوات العيد، التى شهدتها مصر منذ تلك السنة، ستجدها ٢٨٤٥ صلاة، غير أن هناك ٤ صلوات سبقتها، فى جامع «سادات قريش»، الذى تم بناؤه سنة ١٨ هجرية بمدينة بلبيس، تكريمًا لـ١٢٠ جنديًا مسلمًا، ينتسبون لقبيلة قريش، استشهدوا فى معركتهم ضد الرومان. ويُعد أول جامع بمصر والثانى فى إفريقيا، بعد جامع النجاشى، الذى بناه الصحابة عند هجرتهم إلى الحبشة، سنة ٦١٣ ميلادية، قبل بدء التقويم الهجرى. 

لم يستقبل المصريون العرب كفاتحين، بل كمنقذين لهم من ظلم الرومان. والثابت تاريخيًا هو أن الإسلام انتشر أولًا فى الوجه البحرى ثم امتد إلى الصعيد. والثابت، أيضًا، هو أن المصريين تحولوا للإسلام تدريجيًا، ولم يصبح المسلمون أغلبية فى مصر إلا بين القرنين الثالث عشر والخامس عشر، وبغض النظر عن الظروف والأسباب والملابسات التى قادت إلى ذلك، فاللافت هو أن المصريين تحولوا جميعًا، مسلمين ومسيحيين، خلال تلك الفترة، إلى اللغة العربية ولم تعد اللغة القبطية متداولة إلا فى الأديرة والكنائس فقط.

قبل وبعد هذا التحول، الدينى واللغوى، ظل المصريون يحتفلون بالعيد، أو بالعيدين، بأداء الصلاة فى الساحات والجوامع، ويهنئون بعضهم البعض، ويرتدون الملابس الجديدة، وصاحبت احتفالاتهم عادات ظلت تتكرر وتتطور، فأضيف لها، مثلًا، أكل الكنافة فى عهد الدولة الأموية، التى يقال إنها صُنعت خصيصًا لمعاوية بن أبى سفيان، مؤسس الدولة الأموية، وتم تقديمها له فى السحور، بعد أن شكا إلى طبيبه معاناته من الجوع فى الصيام، لكونها تحتوى على كميات كبيرة من السكر والفيتامينات والبروتينات واليود والحديد والفسفور.

حكم مصر ٦ ولاة فى عهد ثلاثة من الخلفاء الراشدين، ثم ٢٥ واليًا فى عهد الأمويين، و... و... وخلال عهد العباسيين، قامت الدولة الطولونية فى مصر، التى لم تترك للخليفة سوى الخطبة، وصولًا إلى زوال الخلافة العباسية والدولة الإخشيدية، سنة ٩٦٩، على يد جوهر الصقلى، قائد جيش المعز لدين الله، الذى حكم مصر لمدة أربع سنوات نيابة عن الخليفة الفاطمى، أسس خلالها مدينة القاهرة وبنى الجامع الأزهر، وأضاف إلى احتفالات عيد الفطر المواكب والموائد الضخمة، وتوزيع الطعام على الفقراء، وبدأ المصريون فى عهده يصنعون «الكحك» وينقشون عليه عبارات مثل «كل هنيئًا.. واشرب مريئًا»، أو «كل واشكر مولاك».

المصريون القدماء صنعوا مخبوزات تشبه «الكحك»، وكان الخبازون فى البلاط الفرعونى يتقنون صنعه بأشكال مختلفة كاللولبى والمخروطى والمستطيل والمستدير حتى وصلت أشكاله إلى ما يقرب من ١٠٠ شكل حسب بعض المصادر، و٣٠٠ شكل طبقًا لمصادر أخرى. لكن ما ميّز الفاطميين هو أنهم أنشأوا مؤسسة اسمها «دار الفطرة»، كانت مسئولة عن كل التجهيزات اللازمة للاحتفال بالعيد، ومن بينها صناعة «الكحك»، التى كانت تلك المؤسسة تتفرغ لصنعه بداية من منتصف شهر رجب، ليبدأ توزيعه مع اقتراب العيد على جميع موظفى الدولة، ما خلق ارتباطًا وثيقًا بينه وبين الاحتفال بعيد الفطر وصار اسمه «كحك العيد».

مع عهد المماليك، انتقلت صناعة «الكحك» من تلك المؤسسة أو قصر الحاكم إلى عوام الناس. وصارت صناعة الكحك فى الأعياد عادة شعبية أصيلة. ومع مرور الوقت ظهرت ابنة لـ«الكحك» هى «الغُرَيِّبة»، فى مصر والمغرب العربى، تشبهه فى المكونات وطريقة التحضير مع إضافة الفانيليا وحشوها بالفستق أو اللوز.

الخلاصة، هى أن صلاة العيد الأولى فى مصر كانت منذ ١٣٨٣ سنة ميلادية أو ١٤٢٥ سنة هجرية. وعليه، كان غريبًا وعجيبًا، ومثيرًا للدهشة والسخرية أن يُفاجأ بعض حاملى الجنسية المصرية، أمس الأول الإثنين، بأن المصريين يؤدون صلاة عيد الفطر، وأن يخرجوا من صور صلاتهم بدلالات، ويبنوا عليها تحليلات، ويزعمون، كما زعم الإرهابى طارق الزمر، مثلًا، أنها رسائل عاجلة لمن يهمه الأمر!.