محطات لبناء الذات
دائمًا ما يهبنا الكريم المتعال محطات إيمانية لبناء الذات، وهى غير مقتصرة على شهر أو يوم معين، حتى فى شهر العبادة الفرصة قائمة حتى ليلة العيد، فمن أحياها أحيا الله قلبه يوم تموت القلوب، وذلك لنسموا دومًا بأرواحنا فوق هامات المادة والمحسوس، والوقوف على حالنا مع رب خالق شديد العقاب، غفور رحيم.
إن المسلمين الأوائل لم يضعوا وقتهم أبدًا فى صياغة التعريف الدستورى للحكومة مثلًا، ولم يتنازعوا أو يختلفوا على الحكم، وإنما كان همهم الأول هو صياغة وبناء الإنسان ذاته، لأنهم أدركوا بفطرتهم أنه بدون صلاح النفس وقيام الفرد ونهوضه لن يقوم شىء، وقد جاءت كل مقاصد الشرع فى كل الأديان لمصلحته وخدمته، وفى نهاية الرحلة لا بد من تغير كل الكيانات والمؤسسات إلى أفراد «وكلهم آتيه يوم القيامة فردا....» ومن هنا فعلى كل فرد واع أن يجاهد فى تربية نفسه أولًا، وتأديبها بأدب السماء، وأن يصلح حكومة نفسه أولًا، قبل أن ينصبها زعيمًا على الآخرين، وحكمًا لا يخطئ.
ولا مناص أننا ما دمنا بعيدين عن هذا التصور والفهم، ولا نقف صفًا واحدًا للإصلاح والبناء، فلن ينصرنا الله، كما نصر أجدادنا فى بدر، والعاشر من رمضان، وليس أمامنا سوى الحلقة المفرغة، كل فئة تنظر إلى قيادتها على أنها غير صائبة، ضلت الطريق، محاولة خلعها، فيما ينظر إلينا الماكرون، ومن يريدون لنا التيه ما بين محاولة التقدم، والترنح يمينًا ويسارًا بين تحديات متنوعة، من خارج القفص ضاحكين، مرسلين الدعم الكاذب فى إشارة سخرية .. ولسان حالهم: انظروا إلى هؤلاء الهمج ماذا يفعلون بأنفسهم؟!
سيظل مفعول القانون الإلهى ساريًا، أنه لن ينهض المجتمع قبل نهوض الفرد من كبوته وتراجعه، وأن بوابة التقدم عمادها نفس مثالية، وعقيدة وتصورات أمثل، أما الأبواب الخلفية، وسراديب الإرهاب، وكهوف الجماعات السرية فلن تؤدى إلّا إلى مزيد من التردى والخراب، والواقع خير شاهد على ما أسطره.
محال أن يسلم ربنا أمانته ودينه، وهو الحكيم الخبير، إلى لصوص، وكسالى لا تحركهم سوى غرائزهم، ولا يدرك الواحد منهم أبعد من مصلحته وهواه ..أما هواة الدنيا ومن اطمأنوا بها فإنه سبحانه يتركهم لأمثالهم من أهل الدنيا، ولا يبالى فى أى وادٍ هلكوا.
اجعلوا أيام هذا الشهر وغيرها من المحطات فرصة الاستقامة، ومراجعة التصورات، ومقاطعة كل ما هو ردىء، ومعاقبة الأعمال الهابطة بإهمالها وعدم المشاهدة، مع الثقة بأن الخير قادم، والمروءة لم تنته بعد، وأن الأرض ومن عليها على مشهد من ملا أعلى، وفى رعاية رب لا تأخذه سنة ولا نوم، «وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة فى ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا فى كتاب مبين».