رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محطات لبناء الذات

دائمًا‭ ‬ما‭ ‬يهبنا‭ ‬الكريم‭ ‬المتعال‭ ‬محطات‭ ‬إيمانية‭ ‬لبناء‭ ‬الذات،‭ ‬وهى‭ ‬غير‭ ‬مقتصرة‭ ‬على‭ ‬شهر‭ ‬أو‭ ‬يوم‭ ‬معين،‭ ‬حتى‭ ‬فى‭ ‬شهر‭ ‬العبادة‭ ‬الفرصة‭ ‬قائمة‭ ‬حتى‭ ‬ليلة‭ ‬العيد،‭ ‬فمن‭ ‬أحياها‭ ‬أحيا‭ ‬الله‭ ‬قلبه‭ ‬يوم‭ ‬تموت‭ ‬القلوب،‭ ‬وذلك‭ ‬لنسموا‭ ‬دومًا‭ ‬بأرواحنا‭ ‬فوق‭ ‬هامات‭ ‬المادة‭ ‬والمحسوس،‭ ‬والوقوف‭ ‬على‭ ‬حالنا‭ ‬مع‭ ‬رب‭ ‬خالق‭ ‬شديد‭ ‬العقاب،‭ ‬غفور‭ ‬رحيم‭.‬

 

إن‭ ‬المسلمين‭ ‬الأوائل‭ ‬لم‭ ‬يضعوا‭ ‬وقتهم‭ ‬أبدًا‭ ‬فى‭ ‬صياغة‭ ‬التعريف‭ ‬الدستورى‭ ‬للحكومة‭ ‬مثلًا،‭ ‬ولم‭ ‬يتنازعوا‭ ‬أو‭ ‬يختلفوا‭ ‬على‭ ‬الحكم،‭ ‬وإنما‭ ‬كان‭ ‬همهم‭ ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬صياغة‭ ‬وبناء‭ ‬الإنسان‭ ‬ذاته،‭ ‬لأنهم‭ ‬أدركوا‭ ‬بفطرتهم‭ ‬أنه‭ ‬بدون‭ ‬صلاح‭ ‬النفس‭ ‬وقيام‭ ‬الفرد‭ ‬ونهوضه‭ ‬لن‭ ‬يقوم‭ ‬شىء،‭ ‬وقد‭ ‬جاءت‭ ‬كل‭ ‬مقاصد‭ ‬الشرع‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬الأديان‭ ‬لمصلحته‭ ‬وخدمته،‭ ‬وفى‭ ‬نهاية‭ ‬الرحلة‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬تغير‭ ‬كل‭ ‬الكيانات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬إلى‭ ‬أفراد ‭ ‬‮«وكلهم‭ ‬آتيه‭ ‬يوم‭ ‬القيامة‭ ‬فردا....‬‮»‬‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬فعلى‭ ‬كل‭ ‬فرد‭ ‬واع‭ ‬أن‭ ‬يجاهد‭ ‬فى‭ ‬تربية‭ ‬نفسه‭ ‬أولًا،‭ ‬وتأديبها‭ ‬بأدب‭ ‬السماء،‭ ‬وأن‭ ‬يصلح‭ ‬حكومة‭ ‬نفسه‭ ‬أولًا،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬ينصبها‭ ‬زعيمًا‭ ‬على‭ ‬الآخرين،‭ ‬وحكمًا‭ ‬لا‭ ‬يخطئ‭.‬

 

ولا‭ ‬مناص‭ ‬أننا‭ ‬ما‭ ‬دمنا‭ ‬بعيدين‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬التصور‭ ‬والفهم،‭ ‬ولا‭ ‬نقف‭ ‬صفًا‭ ‬واحدًا‭ ‬للإصلاح‭ ‬والبناء،‭ ‬فلن‭ ‬ينصرنا‭ ‬الله،‭ ‬كما‭ ‬نصر‭ ‬أجدادنا‭ ‬فى‭ ‬بدر،‭ ‬والعاشر‭ ‬من‭ ‬رمضان،‭ ‬وليس‭ ‬أمامنا‭ ‬سوى‭ ‬الحلقة‭ ‬المفرغة،‭ ‬كل‭ ‬فئة‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬قيادتها‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬غير‭ ‬صائبة،‭ ‬ضلت‭ ‬الطريق،‭ ‬محاولة‭ ‬خلعها،‭ ‬فيما‭ ‬ينظر‭ ‬إلينا‭ ‬الماكرون،‭ ‬ومن‭ ‬يريدون‭ ‬لنا‭ ‬التيه‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬محاولة‭ ‬التقدم،‭ ‬والترنح‭ ‬يمينًا‭ ‬ويسارًا‭ ‬بين‭ ‬تحديات‭ ‬متنوعة،‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬القفص‭ ‬ضاحكين،‭ ‬مرسلين‭ ‬الدعم‭ ‬الكاذب‭ ‬فى‭ ‬إشارة‭ ‬سخرية‭ .. ‬ولسان‭ ‬حالهم:‭ ‬انظروا‭ ‬إلى‭ ‬هؤلاء‭ ‬الهمج‭ ‬ماذا‭ ‬يفعلون‭ ‬بأنفسهم؟‭!‬

 

سيظل‭ ‬مفعول‭ ‬القانون‭ ‬الإلهى‭ ‬ساريًا،‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬ينهض‭ ‬المجتمع‭ ‬قبل‭ ‬نهوض‭ ‬الفرد‭ ‬من‭ ‬كبوته‭ ‬وتراجعه،‭ ‬وأن‭ ‬بوابة‭ ‬التقدم‭ ‬عمادها‭ ‬نفس‭ ‬مثالية،‭ ‬وعقيدة‭ ‬وتصورات‭ ‬أمثل،‭ ‬أما‭ ‬الأبواب‭ ‬الخلفية،‭ ‬وسراديب‭ ‬الإرهاب،‭ ‬وكهوف‭ ‬الجماعات‭ ‬السرية‭ ‬فلن‭ ‬تؤدى‭ ‬إلّا‭ ‬إلى‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬التردى‭ ‬والخراب،‭ ‬والواقع‭ ‬خير‭ ‬شاهد‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬أسطره‭.‬

 

محال‭ ‬أن‭ ‬يسلم‭ ‬ربنا‭ ‬أمانته‭ ‬ودينه،‭ ‬وهو‭ ‬الحكيم‭ ‬الخبير،‭ ‬إلى‭ ‬لصوص،‭ ‬وكسالى‭ ‬لا‭ ‬تحركهم‭ ‬سوى‭ ‬غرائزهم،‭ ‬ولا‭ ‬يدرك‭ ‬الواحد‭ ‬منهم‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬مصلحته‭ ‬وهواه‭ ..‬أما‭ ‬هواة‭ ‬الدنيا‭ ‬ومن‭ ‬اطمأنوا‭ ‬بها‭ ‬فإنه‭ ‬سبحانه‭ ‬يتركهم‭ ‬لأمثالهم‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬الدنيا،‭ ‬ولا‭ ‬يبالى‭ ‬فى‭ ‬أى‭ ‬وادٍ‭ ‬هلكوا‭.‬

 

اجعلوا‭ ‬أيام‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المحطات‭ ‬فرصة‭ ‬الاستقامة،‭ ‬ومراجعة‭ ‬التصورات،‭ ‬ومقاطعة‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬ردىء،‭ ‬ومعاقبة‭ ‬الأعمال‭ ‬الهابطة‭ ‬بإهمالها‭ ‬وعدم‭ ‬المشاهدة،‭ ‬مع‭ ‬الثقة‭ ‬بأن‭ ‬الخير‭ ‬قادم،‭ ‬والمروءة‭ ‬لم‭ ‬تنته‭ ‬بعد،‭ ‬وأن‭ ‬الأرض‭ ‬ومن‭ ‬عليها‭ ‬على‭ ‬مشهد‭ ‬من‭ ‬ملا‭ ‬أعلى،‭ ‬وفى‭ ‬رعاية‭ ‬رب‭ ‬لا‭ ‬تأخذه‭ ‬سنة‭ ‬ولا‭ ‬نوم، «‬وما‭ ‬تسقط‭ ‬من‭ ‬ورقة‭ ‬إلا‭ ‬يعلمها‭ ‬ولا‭ ‬حبة‭ ‬فى‭ ‬ظلمات‭ ‬الأرض‭ ‬ولا‭ ‬رطب‭ ‬ولا‭ ‬يابس‭ ‬إلا‭ ‬فى‭ ‬كتاب‭ ‬مبين‮».‬