رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد الباز يكتب «يوميات الاختيار 5»: ليسوا ثوارًا.. وليسوا وطنيين

محمد الباز
محمد الباز

 

أعلن المستشار محمود مكى وشقيقه أحمد أنهما لم يعرفا شيئًا عن البيان الدستورى إلا من وسائل الإعلام

سقطت شرعية مرسى فى 24 نوفمبر 2012 عندما أعلن ما أطلق عليه «البيان الدستورى» الذى حصّن به نفسه وجعل من ذاته ذاتًا عليا

يؤكد الحوار بين الرئيس الإخوانى ووزير الدفاع ما كنا نعرفه عن محمد مرسى فهو كان رجلًا يعيش طوال الوقت فى غيبوبة

لم تسقط شرعية محمد مرسى فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣، وهو اليوم الذى خرج فيه ملايين المصريين، يطالبونه وجماعته وأهله وعشيرته بالرحيل. 

سقطت شرعية مرسى تحديدًا فى ٢٤ نوفمبر ٢٠١٢ عندما أعلن ما أطلق عليه «البيان الدستورى»، الذى حصّن به نفسه، وجعل من ذاته ذاتًا عليا، يحكم ويأمر دون أن يراجعه أحد. 

حاول مرسى أن يخدع الجميع، أطلق على بيانه «البيان المكمل» رغم أنه لم يكن إلا «البيان المدمر»، ولولا فضل الله على المصريين، لكان الدمار عامًا وتامًا وشاملًا وكاملًا، فقد جعل الرئيس الإخوانى مصر كلها، بقرار متعجل غير مدروس، على شفا الحرب الأهلية. 

عاش المصريون أجواء صدور هذا البيان، وما زلت أذكر حالة الخوف والقلق والتوتر التى سيطرت على الجميع، أعتقد أن المواطنين الذين كانوا يصدقون الإخوان، أو يعملون تحت راية حزب «لماذا لا نمنحهم فرصة؟» صدقوا فى هذا اليوم ولأول مرة أن مصر لا تتعرض لعملية اختطاف إخوانية فقط، بل تم اختطافها بالفعل. 

فى حلقة الاختيار الخامسة، بدا مرسى قزمًا سياسيًا، فهو يُصدر قرارًا لا يعرف على وجه التحديد مدى خطورته، ولا أفق تبعاته، تعجل فقط لحماية نفسه وجماعته متحديًا الجميع، أغلق على عدد من مساعديه بابًا غليظًا وطلب منهم أن ينهوا البيان، محتقرًا كل من يعملون معه. 

وقتها أعلن المستشار محمود مكى، الذى كان يعمل نائبًا لرئيس الجمهورية، وشقيقه أحمد مكى، الذى كان يعمل وزيرًا للعدل، أنهما لم يعرفا شيئًا عن البيان الدستورى إلا من وسائل الإعلام، وأن أحدًا لم يسألهما أو يستشرهما، ورغم أن هذا كان سببًا كافيًا ليتقدم الأخوان مكى باستقالتيهما، إلا أنهما ظلا فى منصبيهما، متجاهلين الإهانة التى وجهت إليهما. 

بدا من كلام محمد مرسى مع الفريق أول عبدالفتاح السيسى الذى قرر أن يزوره فى مكتبه بقصر الاتحادية، صباح ٢٥ نوفمبر ٢٠١٢، أنه لم يكن مهتمًا برأى من عيّنهم بنفسه كهيئة استشارية له، بل يؤسفنى أن أقول إن مرسى كان يحتقرهم بشدة، يعتبرهم مجرد ديكور، يستكمل به صورة لا أكثر، ورغم أن كثيرين منهم كانوا يعرفون هذا إلا أنهم قبلوا التعاون معه. 

كان وزير الدفاع واضحًا ومباشرًا مع الرئيس الإخوانى وهو يتحدث معه عن خطورة ما فعله، وأعتقد أن ما قاله له يحتاج منا إلى الدخول إليه من أكثر من زاوية. 

عندما جلس وزير الدفاع مع الرئيس الإخوانى بعد ساعات من الغبار الكثيف الذى أثاره صدور البيان الدستورى المدمر، قال له: كده البلد رايحة فى سكة الانقسام بسرعة شديدة جدًا، سيادتك عارف إن الجيش لا يمكن يسمح بكده، البلد دى لو دخلت حرب أهلية هتخرب، مش هيفضل حاجة فيها لا للإخوان أو لغيرهم، سيادتك رئيس الجمهورية المنتخب ومقاليد الحكم فى إيديك، يا ريت يا فندم مانتسرعش، لازم يا فندم القرارات تبقى مدروسة حفاظًا على استقرار الأوضاع. 

سأل مرسى: إنت تقصد الإعلان الدستورى المكمل اللى أنا أصدرته.. أفهم من كده إن القوات المسلحة غير راضية؟ 

فرد وزير الدفاع: القوات المسلحة ضد حدوث فتنة أو انقسام، وعدم الرضا موجود فى الشارع والأحزاب وحتى داخل الرئاسة نفسها، بدليل استقالة مستشاريك. 

بعصبية رد مرسى: وهم دول مستشارين، دول منظر. 

فقطع وزير الدفاع عليه الطريق، فقال له: لازم نراعى النتائج يا سيادة الرئيس، الموقف فى الشارع محتدم جدًا، والصدام قائم ما بين الثوار وما بين الإخوان. 

واصل مرسى عصبيته: وهم الإخوان مش ثوار يا سيادة الفريق؟ 

رد السيسى: الإخوان مشغولين بالجماعة يا فندم، لو مشغولين بالبلد ماكناش بقينا فى الوضع ده. 

يؤكد هذا الحوار بين الرئيس الإخوانى ووزير الدفاع ما كنا نعرفه عن محمد مرسى، فهو كان رجلًا يعيش طوال الوقت فى غيبوبة.

لكن ما الذى يمكن أن يشغلنى فى هذا الحوار، أعرف أن جوانبه كثيرة وزواياه متعددة، وأنه يكشف عن حالة التردى التى كان يعيشها مرسى وهو فى قصر الاتحادية، حيث كان معزولًا لا يعرف إلا ما يريد مكتب الإرشاد له أن يعرفه، ولا يأخذ قرارًا إلا إذا كان مكتب الإرشاد سبق ووافق عليه. 

لقد توقفت عند سؤال مرسى للسيسى: وهم الإخوان مش ثوار يا سيادة الفريق؟ 

كان مرسى يعرف جيدًا أن الإخوان لم يكونوا ثوارًا فى أى وقت، بل كان هو نفسه طرفًا فى التأكيد على عدم ثورية الجماعة التى هربت من المواجهة الأولى فى ٢٥ يناير، رغم أنهم يصرون على أنهم كانوا فى طليعة الثوار، وكم كان مضحكًا أن محمد مرسى ظل حتى وهو رئيس يهتف فى بعض لقاءاته: ثوار أحرار هنكمل المشوار. 

الوقائع لا تكذب، ولدىّ هنا شهادة كتبها قيادى إخوانى سابق هو عبدالجليل الشرنوبى الذى كان قريبًا من مرسى بحكم عمله رئيسًا لتحرير موقع «إخوان أونلاين» الذى كان يشرف عليه مرسى مباشرة بحكم عمله مسئولًا عن الملف السياسى داخل الجماعة قبل يناير ٢٠١١. 

يقول عبدالجليل الشرنوبى: «بعد أن أصبح مرسى رئيسًا قال إنه لا يعرفنى، رغم أننا كنا نعمل سويًا فى القسم السياسى للجماعة الذى كان هو مسئولًا عنه، وقد كنت مسئولًا عن محافظة البحيرة ثم عن قطاع وجه بحرى إعلاميًا ثم مسئول محافظات مصر، وعليه كنا نلتقى شهريًا، ثم بعد أن توليت رئاسة تحرير الموقع كنت ألتقى به يوميًا فى مكتب الإرشاد ونتبادل الاتصالات الهاتفية». 

«فى ٢٠٠٨ حاول الأستاذ مهدى عاكف تطوير الإعلام الذى كان تابعًا للقسم السياسى وذلك بجعله قسمًا بذاته يضم متخصصين بحيث تكون له استقلاليته، ذلك لأن خيرت الشاطر كان هو المتحكم فى إعلام الجماعة من سجنه، وكان يزوره محمد مرسى ويأخذ تعليمات وينفذها تمامًا، وعندما علم الشاطر بما يريده عاكف قرر ألّا يمكنه من تحرير العقل الإعلامى للجماعة، أولًا بإطالة أمد الموضوع، حيث اقترحوا عليه جمع كل مسئولى الإعلام فى المحافظات وأخذ آرائهم فى تطوير الإعلام، وهل يكون قسمًا بذاته أم يبقى تابعًا للقسم السياسى؟». 

«استهلك هذا وقتًا طويلًا، لكن أمام ضغط عاكف وإصراره على أن يكون رئيس القسم متخصصًا، وكذلك الأعضاء، قرر الشاطر ومرسى مواجهته، فجاء خيرت بأحد رجاله المخلصين من المنصورة يدعى حسام أبوبكر، وهو دكتور مهندس ورجل أعمال، وأدخله المكتب الإدارى لشرق القاهرة وجعله رئيسًا لهذا المكتب بعد أن أطاح برئيسه، ثم أتى به ليكون مسئولًا عن قسم الإعلام». 

«لكن ولكى يتم هذا السيناريو كان لا بد من إبعادى عن عاكف بعض الوقت، فأتى بى الدكتور مرسى، وقال: نراك مجتهدًا ونريدك أن تأخذ إجازة، فما رأيك أن ينظم إخوانك رحلة عمرة، وبالطبع كنت قد أدركت من قبل أن علاقتى بالإخوان قد أوشكت على الانتهاء، وكنت قد نقلت إقامة أسرتى إلى دمنهور انتظارًا للحاق بهم بعد الخروج من هذه الجماعة من أجل الوطن، ولكننى كلما نويت شيئًا حدث شىء يؤخر التنفيذ، إلا أننى صارحت الدكتور محمد مرسى يوم ٢٣ يناير ٢٠١١ أى قبل اندلاع الثورة بيومين برغبتى فى الاستقالة من رئاسة تحرير الموقع، لكنه قال لى: (من يريد أن يمشى لا يمشى فى هذه الظروف التى تمر بها البلد فانتظر شوية)، وأذكر أنه فى هذا اليوم طلب منى ألا نتبنى فى موقع (إخوان أونلاين) الدعوة إلى الثورة». 

«قال لى مرسى، تحديدًا عصر يوم ٢٣ يناير: لن ندعو لثورة، ولن نتبنى الفكرة فلا علاقة لنا بشوية العيال دول اللى مش عارفين هيورطونا فى إيه». 

هذا ما قاله مرسى، والغريب أنه يسأل وزير الدفاع مستنكرًا عليه أنه يفرق بين الإخوان والثوار، لقد كمنت الجماعة، وعندما عرف الإخوان أن أحداث يناير وصلت إلى المياه الآمنة، نزلوا وشاركوا، وعندما تمكنت الجماعة وأصبحت على بعد خطوات من كل ما تريده، أحجمت عن المشاركة مع الشباب فى أى شىء، بل ذهبت لتجمع الغنائم، ولذلك كان طبيعيًا أن يرفع الشباب لافتة على مدخل شارع محمد محمود فى نوفمبر ٢٠١١ مكتوبًا عليها «ممنوع دخول الإخوان»، وذلك بعد أن تجاهلت ما يفعله الشباب من أجل خوض الانتخابات البرلمانية. 

لم يكن الإخوان ثوارًا أبدًا، والأهم من ذلك أنهم لم يكونوا وطنيين أيضًا، وهو ما يجعلنا نعيد ما قاله السيسى لمرسى من أن «الإخوان مشغولين بالجماعة»، فلم يكن الوطن أبدًا على أجندتهم، فكان طبيعيًا أن يلفظهم الوطن، لأنهم عضو غريب أراد أن يستوطن جسدًا لا يعرفه.