رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هكذا كان سيد قطب الأب الروحى لــ«راشد الغنوشى» «تفاصيل»

جريدة الدستور

يلاحظ القارئ لمذكرات راشد الغنوشي٬ والمعنونة بـ"من تجربة الحركة الإسلامية في تونس" كيف كانت هزيمة ٦٧ نقطة تحول فاصلة في حياة الغنوشي وأفكاره القومية وكفر بالعروبة وأعلن دخوله الإسلام فقبل ذلك التاريخ كان ضمن المجتمع الجاهلي الكافر وهي نفسها مصطلحات والأفكار التي صكها سيد قطب:"بعد ٔان اھتديت ٕالى الإسلام في سوريا اقتصر نشاطي على محاولة استيعاب معظم ما كتب في الفكر الإسلامي الحديث وبعد تعرفي على الإسلام مجددًا، اقتصرت على النشاط الفكري تعمقًا في دراسة الفلسفة واستيعابًا لما كتب محمد إقبال والمودودي وسيد قطب ومحمد قطب والبنا والسباعي ومالك بن نبي والندوي، إلى جانب دروس في الحديث والتفسير والفقه"

 

كما لا يخفى الغنوشي عدائه للسلفية ومنهجها المتزمت القشري:"ًلقد اقتنعت ابتدا ًء بالمنهج السلفي ولكن لما رجعت ٕالى البلد ٔاعدت النظر تدريجيا - بعد تجربة - في ما عليه ھذا المنهج من صرامة وشكلانية ونظر جزٔئي ٔاحيانا، ھذا التوجه الذي لا يرقى إلى النظرة الشمولية ولا يمكن أن يتفاعل مع بئية وريثة لتقليد مالكي ٔاشعري صوفي ولثقافة ممعنة في الحداثة ".

 

ـــ الغنوشي يؤسس جماعة التبليغ في باريس

سافر الغنوشي بعد انتهاء دراسته في سوريا صيف ١٩٦٨ إلى فرنسا لمتابعة دراسته العليا في الفلسفة، وكانت ٕاضرابات الطلبة التي تفجرت في 3-5-1986 قد انتهت منذ أشهر قليلة، كانت الحياة الطلابية عامة محكومة بالفكر اليساري فلم يستطع اختراقها أو التبشير بأفكاره لكنه ما لبث واتصل بجماعة التبليغ التي تأسست على يد مجموعة صغيرة من الباكستانيين ٔاتت ٕالى باريس سنة ١٩٦٨، وأسست نواة صغيرة من بعض العمال المغربيين وبعض الباكستانيين في حيٍ فقير جدًا، ومن منزل صغير لتاجر جزائري اسمه سي عبد القادر اتخذ مكانًا للدعوة، وكان منطلق تجربته الدعوية الأولى ولما كانت المجموعة معظمها من العمال فقد جعلت من الغنوشي إمامًا لهم على الرغم من افتقاره إلى التجربة في العمل الدعوي، وھناك اتبعوا طريقة جماعة التبليغ في الخروج للمساجد والشوارع والذھاب لمواطن العمال في ٔاحيائهم وحتى في حاناتهم لدعوتهم ٕالى الإسلام ٬ حاول الغنوشي استغلال المسجد المركزي في باريس لنشر دعوته وأفكاره لكنه جوبه بالرفض من رجل من ٔاصل جزائري يسمى "حمزة ٔابو بكر" كان المسيطر على المسجد هدد الغنوشي بالطرد خاصة وأنه كان عضوا في الجمعية الطلابية الإسلامية، التي كانت تتٔالف من مجموعة صغيرة من طلبة الجامعة مقرھا في المسجد نفسه وكان يرٔأس الجمعية طالب ٕايراني تعرف الغنوشي من خلاله على فكر الإمام الخميني، وكان يساعده في ترجمةً خطب الخميني من الفرنسية ٕالى العربية، وزاره في باريس شتاء ١٩٧٩

 

ــــ عودة الغنوشي إلى تونس

عاد الغنوشي إلي تونس ليعمل مدرسا للفلسفة لطلاب المرحلة الثانوية وهناك بدأ في توجيه سهام النقد والتسفيه للنظريات الفلسفية وكتب مقال بعنوان"برامج الفلسفة وجيل الضياع" وفيه اعتبر المنهج الفلسفي مسٔولً عن جيل الضياع الموجود في تونس، ووجه انتقادات عميقة له وطرحت بديلًا له مناديا بالفكرة الإسلامية لكي تجد طريقها ٕالى الشباب من نقد عميق لبرنامج الفلسفة،وكان يقوم بذلك سواء في دروسه ٔاو في الندوات التي كان ينظمها خارج المدرسة ٔاو في داخلها وفي مقالاته ومحاضراته التي غطت خلال السبعينات معظم المعاھد الثانوية والكليات، والتي شهدت صداما ما بين التيار الإسلامي والشيوعي في الجامعات والنقابات:"عندما كنا نظهر نشاطنا على السطح في تجمعات كانت السلطات تعيق ھذه التجمعات كما حصل في سوسة سنة ١٩٧٣ غير ٔانها كانت ٕاعاقة محدودة لأن الدولة لم تكن معبٔاة ضد التيار الإسلامي بل كانت مشغولة باليساريين٬ غير ٔانها بعد ٔان فرغت من ضرب اتحاد العمال سنة ١٩٧٨ بعنف شديد موجهة من وراء ذلك ضربة شديدة للتيار اليساري، وظھر التيار الإسلامي ٕالى السطح وتضخمت ٔاعداده وظھرت سافرة بوادر خطابه المعارض لسياسات الدولة ".

 

في الفترة ما بين العام ١٩٧٩ إلى ١٩٨٠ إلتقي الغنوشي بمرشد الإخوان المسلمين في مصر "عمر التلمساني" وناقشه في التعددية السياسية وضرورة ان يتقدم الإخوان بطلب للاعتراف بهم كحزب وفي ٔان يتحالفوا مع ٔاحزاب المعارضة الأخرى٬ وهو ما اعتبره التلمساني كلامًا فارغًا وأمرًا غير وارد، فالإخوان في نظره حزب فوق الأحزاب وجماعة فوق الجماعات، بل وأكبر من ٔان يكونوا حزبًا، وبالتالي كيف يمكن ٔان يتحالفوا مع ھذه الجماعات العلمانية ٔاو الفاسدة:"لكن ما ٔادھشني وأنا في السجن في سنة ١٩٨٢و ١٩٨٣ ان بلغني ٔان الإخوان تحالفوا مع حزب الوفد، فٔادركت بٔانه لولا ٔان يسر ھذا القائد بفكره القانوني الحي ما كان لهم وبعد خمسين سنة ٔان ينفكوا عن فتوى مٔوسسهم العظيم الرافضة للتعددية رغم ملابساتها المعروفة فقد اعتبروا مخالفة الإسلام للديمقراطية التعددية مسلّمة ورثوها عن ٔاسلافهم، وبالذات عن الشيخ المٔوسس حسن البنا، وھو صاحب فكر سياسي حي ومجدد، ولكنه وقف ضد الأحزاب".