رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محنة رمي الجمرات

جريدة الدستور

تبت يد من اغتر بنفسه وتب، عجاب وألف عجب، لن يبقى منه إلا عجب الذنب، يحمل ذنوبا وذنب، ما أغنى عنه حسب ونسب، ومال في دنياه قد اكتسب. اُستميل فمال فكان المآل، ما كان له عليه من سلطان، حين فقد الحصن والأمان، غرور المغرور الأكبر تسلل إلى دمه وولده ، ومطعمه وشرابه ، إلى هوائه وحوائه ، منذ استكبار سيد الملعونين،لقد امتنع وأبى ألا يكون لغير الله من الساجدين، لم يجب بـ "لبيك" وأشرك عقله في عبادته فلم يكن من الطائعين، أيسجد لمخلوق من طين! فأرداه ذلك من علياء إلى أسفل سافلين، حينها أقسم بعزة العزيز ليضلهم أجمعين.

كان يسمع صوتا بين الفينة والأخرى "الطريق يا حاج" - وكأنه ما سمعه، ففي هذا الزحام كان في عقله ركام، انطباعات وذكريات، صور ورواسب وبؤر، في قلبه خفايا من غيوب، في أغوار نفس بها ثقوب وعيوب، نوافذها اليوم مفتوحة، وطباق السموات ممسوحة، ينتهي الظاهر هنا ويطلق الباطن إلى هناك، بعدما تقذف البطن عللها، والقلوب غبارها والدماء درنها.

الجمرات دليل وأمارة، رمز وإشارة، إلى البدء والبداية، معركة لا يهدأ أوارها ولا تضع أوزارها، ساحتها النفس والدماء، سلاحها الاغراء والاغواء؛ وسوسته إلى يوم الدين. خنس وهمزات وسوسة وهمسات، وعد وأمنية، غرور وشرور، كيد خفيف كالحفيف، كوريقة في زمن الخريف ، ينفث كيده في ضعيف، هوى وهواء في نفس من "اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ " متخبطا للإثم فعلان، نسي لأنه لحم ودم إنه إنسان، ففي دمه يسري كبير الجان.

"الطريق يا حاج" وكأنه ما سمعه - نظر إلى أعلى مناجيا: يداك إلهي المبدعة، منها الموجودات منبعثة، بها الحياة في الجسد منتعشة، وبغيرها ركود وجمود بلا حركة، اليد دون عونك معلولة وقدرتها مغلولة، لم يقلع الإمام باب خيبر بقوة يديه ، بل بقوة يديك. اقترب نحو العقبة وفي يده جمرة: لبيك، لبيك، خطواتي إليك، فحط عنه سيئاتي خطيئاتي. ما قدرتي إلا من قدرتك، وإرادتي ما هي إلا كسب من إرادتك.

نادى: يداك فوق يدي ويداي بين يديك، جمرة بيديك عبر يدي رجوما لشيطاني ، ذلك الذي يوما قد أغواني، رجمة تزيل إثما قد ألمني، وأخرى إلى علو تدفعني، دثرني برحمتك زملني بقدرتك، رجوم سبع مني وهي منك، وما رجمتُ إذ رجمتُ ولكن من عليائك لي قد فعلتَ .نظر الجليل الرحيم إليه راضيا: ها هي دماؤك فتية نقية منه، وأنت الآن في منأى قصي عنه، عدتَ إلى فطرتك، كيوم أمك ولدتك، رجعت إلى التجلي الأوّل، إلى عهد الأزَل، وبينك وبين الرجيم عزْل، فلا تكن كالتي نقضت الغزْل. قل: لبيك... "لبيك اللهم لبيك!