رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العدو البعيد.. الجهاد العابر للحدود لعبة تنظيم القاعدة في هجوم نيروبي

هجوم نيروبي
هجوم نيروبي

بعد أقل من أسبوع واحد على إعلان الولايات المتحدة الأمريكية مقتل جمال البدوي، القيادي في تنظيم القاعدة باليمن، والعقل المدبر لتفجير المدمرة "كول" بمحافظة مأرب، شهدت العاصمة الكينية نيروبي هجوما إرهابيا عابرا للحدود، عبر جماعة منسوبة لتنظيم القاعدة.

وتبنت كتيبة الشهيد صالح النبهاني، التابعة للتنظيم الإرهابي، الهجوم، الذي أسفر عن سقوط أكثر من 50 قتيلا، وعشرات المصابين في مجمع "ريفر سايد درايف"، الذي يرتاده الأجانب.

وأكدت الكتيبة، في بيان لها، أن العملية جاءت استجابة لتعليمات الشيخ أيمن الظاهري، باستهداف المصالح الغربية والصهيونية حول العالم، ولمساندة المسلمين في فلسطين.



استراتيجية العدو البعيد

تعتبر عملية نيروبي الإرهابية تطبيقا لاستراتيجية تنظيم القاعدة في قتال "العدو البعيد"، وهي الاستراتيجية القائمة على توهم تفكيك الدول المستهدفة بضرب مصالحها في الخارج، الأمر الذي يؤدي فيما بعد إلى انهيارات داخلية نتيجة عمل ثوري شعبي يؤدي في النهاية إلى إسقاط أنظمتها، وتستند هذه الاستراتيجية إلى سقوط الاتحاد السوفييتي بعد الحرب الأفغانية، الأمر الذى رسخ لدى تنظيم القاعدة إمكانية تكرار هذه التجربة في أماكن أخرى من العالم، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية.

 وهو ما عبّر عنه الصحفي الألماني، كريستوف رويتر، في كتابه "السلطة السوداء" فقال:

 في أفغانستان، أدى قتال المجاهدين ضد قوات الاحتلال السوفييتية إلى انسحابها، وبدا وكأن ذلك كان سببا في انهيار الاتحاد السوفييتي داخليا، وبما أن الخطة نجحت هنا، فلماذا لا تنجح في أماكن أخرى أيضا؟ بل إن ابن لادن ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، وتوهم إمكانية تفكيك الولايات المتحدة إلى ولايات في حال تعرض هذا البلد إلى ضربة قوية كفاية، ولكن بالرغم من قوة الضربة الإرهابية التي وجهتها القاعدة للعالم ايضا إلا أنها لم تؤد إلى تفكك الولايات المتحدة الأمريكية"(1).


رؤيتان

 قد يرى البعض أن هناك فصلا تاما بين المتبنين فكرة أولوية قتال العدو القريب، قبل أولوية قتال العدو البعيد، إلا أن هناك شكلا من التكامل في المنهجين لدى تنظيم القاعدة، فرغم أن هجوم نيروبي يحمل توقيع أيمن الظواهري، إلا أن الثابت أن الظواهري كان يقف قديما مع الفريق القائل بأولوية قتال العدو القريب أو الداخلي قبل قتال العدو البعيد أو الخارجي، المتمثل في الغرب الصليبي- حسب تعبيره- فالعدو الداخلي من وجه نظره "هو الأخطر" فهو صنيعة استعمارية ووكيل للصليبيين ولا يقلّ خطورة عن العدوّ الخارجي، بل إنّه الأداة التي يستخدمها العدوّ الخارجي والستار الذي يحتمي وراءه في شنّ حربه على الإسلام. (2)

 كما اتفق مع الظواهري في هذه المسألة عدد من قيادات التنظيمات الجهادية، منهم محمد عبدالسلام فرج، الذي يعتبر مؤسس هذا الاتجاه، بقوله: "قتال العدوّ القريب أولى من قتال العدوّ البعيد" (3)، وكذلك أبومحمد المقدسي، الذي ساهم في تأكيد أولوية قتال العدو القريب بأسانيد- حسب فهمه- من القرآن والسنة، فقال: "ما كان النبيّ ليبدأ أوّل ما يبدأ بفارس والرّوم ويتغافل عمّن بين ظهرانيهم" (4).

 ومن الذين تبنوا فكرة أن مسألة قتال العدو القريب والبعيد تعبر عن انشقاق في التنظيمات الجهادية خلال التسعينيات، فواز جرجس، مؤلف كتاب "العدو القريب"، وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة سارا لورانس الأمريكية، في مقابلة صحفية مع موقع "بي بي سي أون لاين"، أشار فيها إلى:

"إن هذا الانشقاق والاختلاف في الرؤى جوهري في فهم ما حدث في هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وأنه لعب دورا رئيسيا في دفع الحركات الجهادية في تيار أوصلها إلى مرحلة مأساوية وخطيرة من تاريخها- على حد تعبيره" (5).

 واعتمد جرجس فيما ذهب إليه على أن هناك روئيتين متناقضتين من وجه نظره للجماعات الجهادية، وهما:

 "الرؤية الأولي- وهي الأهم في رأي المؤلف- ترى أن الجهاد ضد العدو القريب، أي الأنظمة الحاكمة في الدول العربية، يجب أن يأخذ الأولوية في تحركات الأجهزة الجهادية.

أما الرؤية الثانية، وتمثلها أقلية داخل الحركة الجهادية ومن بينها تنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن، فترى أن استهداف العدو البعيد، أي الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها، هو استراتيجية ناجعة يمكن أن تؤدي غرضين في ذات الوقت؛ تحطيم الهيبة الأمريكية؛ وإضعاف الأنظمة العربية المحلية، لأن هذه الأنظمة في نظرهم تعتمد بدرجة كبيرة على الدعم السياسي والعسكري الأمريكي لكي تبقي في السلطة".


تكامل لا تناقض

 الثابت أن مسألة قتال العدو البعيد إحدى أولويات أسامة بن لادن نفسه، وهي تعبر عن تكامل لا تناقض فيه أو تنافر مع فكرة قتال العدو القريب، التي لا يرى أن البدء بها قد يكون في صالح التنظيمات الإرهابية، وقد كشفت الوثائق، التي عثر عليها بعد مقتله، والتي أطلق عليها اسم وثائق "أبوت أباد"، كيف كان يهتم أسامة بن لادن بمسألة قتال العدو البعيد.

"في رسالة موجهة- على الأغلب- من عطية الله الليبي مسئول العمليات في تنظيم القاعدة الأم، إلى زعيم القاعدة في جزيرة العرب أبوبصير الوحيشي، ولكنها تعبر عن أفكار بن لادن بمعنى أن ابن لادن أرسل النقاط الرئيسية التي يريد تبليغها لفرع اليمن إلى عطية، وتركز على مسألة استهداف العدو البعيد، فتقول الرسالة (وثيقة رقم 16):

"أود تذكيركم بالسياسة العامة للقاعدة في المجال العسكري والإعلامي، فقد تميزت القاعدة في تركيزها على العدو الأكبر الخارجي قبل الداخلي، وإن كان الأخير أغلظ كفرا إلا أن الأول أوضح كفرا، كما أنه أعظم ضررا في هذه المرحلة، فأمريكا هي رأس الكفر فإذا قطعه الله لم يعص الجناحان". (6)

 ويعلل بن لادن ذلك في وثيقة أخرى باعتبار أن إفراط بعض الفصائل في مهاجمة العدو القريب يؤدي في الغالب إلى آثار سلبية قد تؤدي إلى إفشال الحركة الجهادية، فيقول:

"وبالرغم من أنه تم استنزاف رأس الكفر- أمريكا- بصورة كبيرة، فإنه ما زال لديه القدرة على إسقاط حكومة أى دولة إسلامية تُقام.. وتعلمون أن كثيرًا من الجماعات الجهادية التى أصرت على البدء بالعدو الداخلى قد تعثرت مسيراتها ولم تحقق أهدافها". (7).

 وطالب بضرورة "عدم التعجل بمحاربة الأنظمة الحاكمة وتبديد قوة عناصر التنظيم، حيث يترتب على ذلك خسارة تعاطف المسلمين، فيما يجب أن تعتمد استراتيجية التنظيم فى التعامل مع تلك الأنظمة على الدفاع فى وجه عنف الدولة، حسب تعبيره، وأجهزتها الأمنية، رافضا مبدأ المبادرة بالعدوان" (8).

 


عملية نيروبي واستغلال قضية القدس

 يعبّر البيان الذي نشرته "كتيبة الشهيد صالح النبهاني التابعة لتنظيم القاعدة"، الذي تبنت فيه الهجوم الذي هز العاصمة نيروبي، الثلاثاء الماضي، عن رؤية أسامة بن لادن التي وضعها في رسالتيه السابق الإشارة إليهما، فقد عمد البيان إلى اللعب على أوتار التعاطف الإسلامي مع قضية القدس، وأطلق على العملية العابرة للحدود اسم "القدس لن تهود"، وأنها جاءت بتوقيع زعيم التنظيم أيمن الظواهري، وقال البيان:

 "نفذ عناصر الكتيبة هذه العملية التي أطلقوا عليها "القدس لن تهود" في استجابة لتعليمات الشيخ أيمن الظاهري، باستهداف المصالح الغربية والصهيونية حول العالم، وذلك لمساندة أهلنا المسلمين في فلسطين، الذين تربطنا بهم روابط الإيمان والأخوة في الإسلام.

 وإنها الجواب على التصريحات الغبية للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وإعلانه القدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي، في محاولة لمنح شرعية للكيان الصهيوني غير الشرعي بالأصل، ومنح ترامب وأبواقه موافقته للصهاينة اليهود على تدنيس أحد أقدس مواقع الإسلام".

 وتابع: "عملية القدس لن تهود" هي الرد على الاضطهاد الصهيوني المنظم الذي يقبع تحته المسلمون في فلسطين، والذي تسبب في مقتل آلاف المسلمين وتشريد الملايين".

________________ 

هوامش

 

(1) السلطة السوداء، كريستوف رويتر، ص 47

(2) فرسان تحت راية النبي، أيمن الظواهري، 12.

(3) الفريضة الغائبة، محمد عبدالسلام فرج، 15.

(4) ملة إبراهيم، أبومحمد المقدسي، 68.

(5) مقابلة صحفية مع فواز جرجس، بموقع بي بي سي أون لاين، بتاريخ 13 أكتوبر 2005.

(6) وثائق الربيع العربي والصحوة الإسلامية، حسن الزين، 437.

(7) المرجع السابق.

(8) المرجع السابق.