رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أعلام وأبطال منسيون.. قراءة في ذاكرة مصر المعاصرة

جريدة الدستور

عن الهيئة المصرية العامة للكتاب صدر مؤخرًا كتاب "أعلام مصريون معاصرون" للكاتب أبو الحسن الجمال، تناول فيه نماذجَ من أعلام حياتنا الفكرية والثقافية المعاصرة في الفكر والتاريخ والأدب، وأعلامًا من رموز العسكرية المصرية، التي شرفت مصر بانتصاراتها وتحويل هزائمنا إلى نصرٍ مؤزرا، وجاء الكتاب الشخصيات في ثلاثة فصول رئيسة:

مؤرخون في طي النسيان

الفصل الأول: وتناول فيه تسعة من أعلام المؤرخين المصريين البارزين.. على رأسهم مؤرخ الأندلس محمد عبدالله عنان، الذي تفرغ للعلم وتحمل مشاقه فلم يهنأ يومًا، ولم يخلدْ للراحة، وإنما أضاف الجديد في هذا المجال، ووجد سعادته بين التأليف والرحلة فى سبيل العلم، ولم يكتفِ بما هو متاح مكتوب، وإنما نهل من المخطوطات الموجودة في دور الكتب العريقة في مصر، وتونس، والمغرب، والأندلس، وفرنسا، وهولندا، وإنجلترا.

قد قصد المؤرخ الأندلس هذه المكتبات فى رحلات علمية كان ينفق عليها من ماله الخاص، ولم يتوقف طموحه عند هذا الحد، بل زار المدن الأندلسية التى دارت فيها الأحداث والمواقع، واستخدم مذهب "المعاينة"، ونتج عن هذه الجهود دراساته العميقة والرصينة، والتي مازالت تحتل أفق الدرس العلمي، وينهل منها الباحثون وعامة القراء؛ لأسلوبها السهل الممتنع والأدبي الممتع.

والشخصية الثانية كانت الدكتور حسين مؤنس، الذي تنوعت كتاباته وآثاره، فجمعت بين التاريخ والأدب، فأطلق عليه المؤلف "مؤرخ الأدب وأديب المؤرخين"، وهو في هذا الصدد يعد امتدادًا لمؤرخي الأندلس الكبار، الذين كتبوا التاريخ بلغة الأدباء، مثل: ابن القوطية، وابن حزم، ابن حيان، وابن بسام، وغيرهم .

ثم تناول شخصية الدكتور جمال الدين الشيال، الذي تنوع نشاطه العلمي بين كتابة تاريخ العصور الوسطى والتاريخ الحديث على السواء، وترك لنا آثارًا عظيمة، وحقق أيضًا بعضًا من عيون كتب التراث فى مجال التاريخ، وعلى الأخص تراث المؤرخ المصري الشهير تقى الدين أحمد بن علي المقريزي (ت845هـ).

ثم تحدث عن الدكتور محمد ضياء الدين الريس أستاذ التاريخ فى كلية دار العلوم جامعة القاهرة، والذي أسس لمدرسة تاريخية رائدة في هذا المعهد العريق، الذى قال عنه الإمام محمد عبده: "تموت اللغة العربية في كل مكان وتحيا في دار العلوم".

كما تحدث عن مؤرخ دار العلوم الدكتور أحمد شلبي.. هذا المؤرخ الموسوعي، الذى خلّف لنا عشرات الكتب وأهمها على الإطلاق موسوعاته: "التاريخ الإسلامى" فى عشرة مجلدات، و"النظم والحضارة الإسلامية" في عشرة مجلدات، و"مقارنة الأديان" في أربعة مجلدات، بخلاف الكتب الأخرى.

وتناول آثار الدكتورة سعاد ماهر، التى خلفت الكتب والموسوعات الرائدة، أهمها "مساجد مصر وأولياؤها الصالحون" في خمسة مجلدات ضخمة، التي استغرقت من وقتها سنوات حتى اكتملت وتم نشرها.

وتناولنا في كتابه أيضًا جهود الدكتور سعيد عبدالفتاح عاشور رائد مؤرخي العصور الوسطى، والذي تخرج على يديه كبار أساتذة التاريخ.

وآخر من تناولهم المؤلف في الشخصيات التاريخية الدكتور أحمد مختار العبادي الملقب بفارس الدراسات الأندلسية الذي رحل مؤخرًا، ورفيق دربه العالم الأثري والمؤرخ السيد عبد العزيز سالم.

أدباء

وجاء الفصل الثانى عن أعلام الأدب، ومنهم: الشاعر والناقد الفني كمال النجمي، الذي تنوع نتاجه بين الشعر والذي قرضه في بداية حياته، ثم توقف بعد ذلك، بعد أن خلف ديوانه اليتيم "الأنداء المحترقة"، والذي فاز بجائزة المجمع اللغوي،

ثم تحدث عن الدكتور إبراهيم عبده أستاذ الصحافة العربية ومؤرخها، الذي ترك لنا آثارًا في تاريخها مازال الباحثون ينهلون منها، إضافة إلى كتبه الساخرة: "رسائل من نفاقستان"، و"أقول للسلطان"، و"من النفاق ما قتل"، و"تاريخ بلا وثائق"، وغيرها، وقد ضرب حوله جدارًا من الصمت، وقد حاول المؤلف أن يرد له الاعتبار، ويسلط عليه الضوء، على أمل أن يلتفت الباحثون إلى جهوده في ميدان الإعلام والصحافة والكتابة الساخرة.

وتحدث الدكتور محمد عبدالمنعم خفاجي.. الملقب بـ "سيوطي العصر"؛ لأنه غزير الإنتاج مثل الإمام جلال الدين عبدالرحمن بن أبى بكر السيوطي (ت911هـ)، وقد ترك لنا خفاجي مئات الكتب في كل التخصصات: التفسير، والحديث، وعلوم القرآن، والتاريخ، والأدب في كل عصوره، والنقد، والبلاغة، وتحقيق النصوص، والكتابة في الصحف والمجلات.. وأشار إلى جهود الدكتور حسين نصار أستاذ الأدب المصري في العصور الإسلامية، الذي له جهود ضخمة في تحقيق التراث العربي؛ حيث قدّم نوادر النصوص والدواوين الشعرية لكبار شعراء العرب، ولا ننسى رسالته الرائعة والفريدة عن "المعجم العربي"، وهو وإن كان تخطى التسعين من العمر فإنه مازال يعطي.. لم ينضبْ مَعينه بعد.

وفي هذا الفصل تناول قصة الشاعر جلال الأبنودي.. (الأخ الأكبر للشاعر الراحل عبدالرحمن الأبنودي)، والذي أوجد نشاطًا أدبيًا في محافظة البحر الأحمر، وقد آثر المكوث فيها يوم أن كانت نائية لا يؤمها أحد، فخلف هناك نهضة أدبية، فروعها ممتدة سامقة.

وسرد بعضًا من حياة الناقد الفني عبدالنور خليل صاحب الجهود الكبيرة في هذا مجال النقد، وقد بدأ أديبًا شهد له أعلام الفكر، منهم الدكتور زكي مبارك الذى أفسح له صفحتين لقصته الأولى في جريدة "البلاغ" (كان عبدالنور وقتها في المرحلة الثانوية)، وقد طغى عمله في بلاط صاحبة الجلالة على عمله الأدبى واستحوذ عليه، إلا أنه لم ينسَ الأسلوب الأدبي المشرق، الذي كان يمتاز به فيأسر قارئه من أول وهلة.

أبطال العسكرية المصرية

وجاء الفصل الثالث للحديث عن بعض أعلام العسكرية المصرية الرائدة.. فتحدث عن اللواء أركان حرب جمال حماد أحد أبطال ثورة يوليو 1952م، والذى كان شاعرًا مطبوعًا، وروائيًا رائدًا، ومؤرخًا عسكريًا من طرازٍ فريد، تشهد له أعماله التي خلفها، منها موسوعاته عن: ثورة يوليو1952، وحرب أكتوبر1973.

وتناول في هذا الفصل مؤرخ العسكرية الإسلامية اللواء أركان حرب محمد جمال الدين محفوظ مدير إدارة التوجيه المعنوي في حرب أكتوبر 1973، وصاحب الدراسات الرائدة في العسكرية الإسلامية.

وقصي علي القارئ قصة الشهيد محمد شاكر حسين، بطل معركة "الفرقاطة دمياط"، إحدى معارك العدوان الثلاثي على مصر 1956، وقد كرمته الدولة بأن أطلقت اسمه على جزيرة "شدوان" بالبحر الأحمر.

وكانت خاتمة الكتاب اللواء عادل يسري صاحب "الساق المعلقة" وأحد أبطال حرب أكتوبر المجيدة، والذي قاد اللواء 112 مشاة إلى النصر، فصار يعرف بـ"لواء النصر"، وحقق طوال حياته العسكرية العديد من البطولات منها في رأس العش، وانتهت بالنصر المؤزر في رمضان 1393هـ (أكتوبر1973).

أعلام من تاريخ مصر المعاصرة مسحتها ذاكرة النسيان، ولم تعد في ذاكرة الشعوب ولم تقدم قدوة للأجيال الجديدة من الشباب والمراهقين، كتاب "أعلام مصريون معاصرون" هام يمزج بين التراجم العربية القديمة والطريقة المعاصرة في الكتابة، ويقدم شخصيات غابت عنها الكثير من المعلومات بأسلوب سهل بسيط أدبي رفيع كقدوم ونبراس للشباب والجيل الجديد.

أبوالحسن الجمال مؤلف الكتاب مؤرخ شاب له العديد من الأبحاث والكتب في مجال التاريخ والأدب من أشهرها، بليغ حمدي عبقري النغم على شاطئ المجد، وله العديد من المقالات في الصحف العربية والأجنبية.