رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"معابد جاهلية".. كيف يرى داعش المساجد ولماذا يخفي استهدافها؟

جريدة الدستور

ليس بغير إذا طالعتك وسائل الإعلام بنبأ يفيد، باستهداف تنظيم داعش الإرهابي، لأحد المساجد أو المحيط المجاور له وإسقاط العشرات بين قتيل وجريح، فهذا تنفيذ لمنهج التنظيم الذي وضعه مؤسسوه القدامى، الخاص بتكفير المتبعين للمنهج الصوفي، حيث قبل أيام من الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، حرض التنظيم عناصره، لاستهداف الموالد والاحتفال الخاصة بالطرق الصوفية.

على الفور نفذ عناصر التنظيم، في احتفال بالمولد النبوي في العاصمة الأفغانية كابول، وقتل 50 شخصا على الأقل، وأصيب 70 آخرون بجروح في الهجوم، وكانت الاحتفال يضم عددا من القادة الدينيين، من بينهم أعضاء في مجلس العلماء، بحسب ما ذكره مسئولون في الحكومة.


ورغم مرور ساعات طويلة، فإن التنظيم لم يعلن مسئوليته عن الهجوم ولا أي من التنظيمات الأخرى، غير أن الشبهات تحوم حول تنظيم داعش الإرهابي، الذي ادعى مسلحوه المسئولية عن معظم الهجمات في كابول، التي أصبحت أكثر الأماكن دموية بالنسبة إلى المدنيين.



وهذه ليست الأولى، الذي يقوم التنظيم بتنفيذ عملية دون الاعلان عنها، وهو ما أكده خبراء في شؤون التنظيمات الإرهابية، أن تنظيم داعش لن يعلن مسؤوليته عن الحادث كما حدث من قبل في العملية التي قام بها التنظيم في مصر، من خلال استهداف مسجد الروضة في مدينة العريش، نوفمبر من العام الماضي، والتى أسفر عن استشهاد أكثر من 305 شهيد، وإصابة 128 مواطن، ووقتها كانت الدلائل والدوافع أن عناصر تنظيم داعش المتواجدين هم المسئولة عن الحادثة في سيناء.

ليبقى السؤال الأهم الذي يتسائله المتابع الجيد للتنظيمات الإرهابية، وهو لماذا يرفض لماذا يخشى تنظيم داعش تبنى عمليات استهدافه للمساجد؟

* داعش والاحتفال بالمولد النبوي

قبل الإجابة على السؤال نكشف رؤية التنظيم لحكم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، حيث ثابتة وقائمة على التحريم بنسبة 100%، وتضمنت: أن "الاحتفال من البدع المحرفة التي دخلت الإسلام والتي لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا الخلفاء شيء من هذا، ولا يجوز لأي مسلم الترويج لهذه البدعة".



ففي خلال عامي 2015 و2016، منع تنظيم داعش الاحتفال بالمولد النبوي في مدينة الموصل خلال فترة سيطرته عليها لمدة ثلاث سنوات حتى تحريرها عام 2017. ونفس الأمر بالنسبة لعدد من المحافظات العراقية التي عادت للاحتفال بالمولد النبوي عقب تحريرها من قبضة التنظيم الإرهابي، مثل نينوى، وتكريت، وقضاء الضلوعية.


وكانت المساجد والاحتفالات الصوفية بذكرى المولد النبوي الأكثر استهدافًا من قبل التنظيم الإرهابي، وذلك مثل حادث مسجد الروضة بسيناء الذي وقع في نوفمبر 2017، والذي ذكر شهود عيان إطلاق التنظيم تهديدات للأهالي من أبناء الطريقة الصوفية الجريرية، تضمنت "التحذير من الاحتفال بالمولد النبوي وإلا تعرضهم للقتل". 

وقبلها خلال العام 2013، استهدف التنظيم أضرحة الطرق الصوفية وشن هجومًا على ضريح الشيخ سليم أبوجرير بقرية مزار غرب العريش، وضريح الشيخ حميد بمنطقة المغارة وسط سيناء، وعلى إثره تم تفجيرهما بالكامل.



* داعش والصوفية

منذ أن ظهر تنظيم داعش الإرهابي، وهو يصف كل من يتبعون المنهج الصوفي "أنهم مبتدعة ويجب قتلهم"، وهو ما نفذه التنظيم خلال إصدارات عدة والذي استهدف من خلالها أماكن عدة في سوريا والعراق وغيرها من الأماكن التي كانت تحوى أضرحة لمشايخ صوفية.

وجاءت بداية الاستهداف العلني والمباشر، مع منتصف عام 2016، بعدما أعلن تنظيم داعش الإرهابي، عبر إحدى الإصدارات الإرهابية من المكتب الإعلامي لولاية نينوى، هدد فيه التنظيم جميع الصوفية في البلدان العربية، واصفا إياهم بالمشركين، ويجب قتلهم.

ثم في نوفمبر 2016 بث التنظيم مقطع فيديو ظهر فيه ذبح الشيخ "سليمان أبوحراز"، أكبر مشايخ الطرق الصوفية في سيناء، والذي جاء أيضًا بالتزامن مع احتفالات المولد النبوي.

كما في ديسمبر من العام الماضي، شهدت مدينة ننجرهار بدولة أفغانستان عملية إرهابية، استهدفت مسجدًا تابع لإحدى الطرق الصوفية، يتبع لطريقة النقشبندية التى تنتشر انتشارًا كبيرًا فى قارة آسيا، دون إعلان التنظيم عن أي تفاصيل للعملية حتى  الان.




* المساجد وداعش

يخص داعش مساجد الصوفية والشيعة بالهجمات، على اعتبار أن الصوفية "أشد ردةً من غيرهم"، فهو يصف الصوفية بـ"عُبّاد القبور أصحاب الشركيات"، بسبب تمجيدهم للمساجد التى بها أضرحة، والتى يصنفها التنظيم ضمن مساجد الضرار، بينما يصف الشيعة بأنهم روافض مرتدون، مع ما يترتب على ذلك من أحكام تتعلق باستباحة الدماء المعصومة، وقتل الأنفس.

ويقسم أحد قادة الإرهاب، وهو أبومحمد المقدسى، المنظر البارز للسلفية الجهادية، المساجد إلى ٣ أقسام، الأول: مساجد حكومية أسستها الحكومات "الكافرة" لتعطى نفسها الصبغة الشرعية عند عوام المسلمين، زاعمًا انطباق صفات مسجد الضرار على هذا النوع من المساجد، بسبب ضخامتها وزخرفتها واتخاذها كمقرّات لانعقاد المؤتمرات والندوات التى تهدف إلى محاربة الإرهاب، الذى هو الجهاد فى سبيل الله من وجهة نظرهم، كما أن رسالة المسجد تبقى مقيدة بالخطة التى ترسمها وزارة الأوقاف.

أما القسم الثانى فهى مساجد لم تؤسسها هذه الحكومات، ولكنها أصبحت تحت ولايتها وتتحكم فيها كيف تشاء، فيلحق بمساجد الأوقاف ويأخذ حكمها كمساجد ضرار عند التكفيريين، إضافة إلى المساجد القديمة التى بنيت قبل وجود الحكومات، مثل المسجد النبوى والمسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجد قباء، سواء كانت مشهورة أو غير مشهورة، وربما قامت الحكومات بترميمها أو تجديدها، وهذا النوع من المساجد يختلف الإرهابيون حوله من الناحية الفقهية، فيرى المقدسي، جواز الصلاة فيها دون حرج، لأنها مساجد أسست "على التقوى من أول يوم"، بحسب الآية القرآنية، والمؤسسون لها مسلمون موحّدون، ما أسسوها ضرارًا ولا إرصادًا لمن حارب الله ورسوله ولا تفريقًا بين المؤمنين، لكن داعش يحرم الصلاة فى هذه المساجد بسبب كفر أئمتها، بمن فيهم أئمة الحرمين الشريفين.

أما القسم الثالث هو "مساجد أهلية خالصة، ليست للحكومة الكافرة عليها ولاية، يبنيها أناس موحدون، ليستبرئوا لصلاتهم بابتعادهم عن المساجد التى أسسها أو يتحكم بها الطاغوت وأولياؤه، ولذلك يؤم الناس ويخطبهم ويؤذن لهم فيها موحدون قد برئوا من الطاغوت وشركه، وما أقلها وأعزها اليوم فى ديارنا، فى ظل تسلط الطواغيت وحربهم على الإسلام وعلى المسجد ورسالته، فهذه لا شك بأنها من المساجد التى أسست على التقوى، وهى فى هذا الزمان أحق أن يقوم الموحد فيها، خصوصًا إذا كان فيها رجال يحبون أن يتطهروا من رجس الطاغوت وشركه، والله يحب المطهرين".



ويقول الباحث في شؤون الحركات الإرهابية، محمد كمال، إن تنظيم داعش الإرهابي، يكفر عموم المسلمين، ويستهدفهم بكافة الطرق والوسائل الممكنة، فهو يعلن مسؤوليته عن جميع العمليات الإرهابية، إلا العمليات التي يستهدف فيها المساجد.

وأضاف كمال، في تصريح خاص، أن سبب خوف التنظيم من إعلان تنفيذه لمثل هذه العمليات هو الخوف من الانشقاقات التي قد تحدث داخله، أو انقلاب بعض المتعاطفين عليه، كما أن التنظيم يقوم بمثل هذه العمليات بغرض تماسك عناصره وإعلان انه مازال متواجد على أرض الواقع ويسقط العشرات من القتلى والمصابين، موضحًا أن التيار الحازمي سيكون التيار المتحكم في التنظيم خلال الفترة الحالية.