رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يحيي هاشم.. مؤسس حرب العصابات ضد الدولة

جريدة الدستور

إنه مؤسس النشاط الإرهابي في ستينيات القرن الماضي، حيث هو أول من علم الجميع حرب العصابات التي قادها في جبال محافظة المنيا، مستخدمًا كل الأساليب الممكنة لمواجهة الدولة بالقوة، وذلك كتطور نوعي في حياته، حيث بدأ نشاطه السياسي عام 1968 بقيادة مظاهرة من مسجد الحسين بالقاهرة بسبب هزيمة يونيو 1967. حسبما نقل زعيم تنظيم القاعدة الحالي أيمن الظواهري، ورفيقه في هذه الفترة.

وكونه احد رواد العمل الإرهابي في مصر، لم تتوافر عنه المعلومات الكثيرة، سوى ما ذكر بين صفحات كتاب "فرسان تحت راية النبي"، تحدث عنه الظواهري في هذه الفترة بقوله: "إن في ذلك الوقت كانت البلد تموج بالمظاهرات - وخاصة في الجامعات وبين العمال - احتجاجًا على كارثة الحكم الناصري وتقهقر قواته أمام إسرائيل. وقررنا أن نحرك مظاهرة من مسجد الإمام الحسين، ونخرج بها إلى شارع الأزهر ثم إلى وسط القاهرة، تضامنًا مع مظاهرات الطلبة في الجامعة والعمال في منطقة حلوان الصناعية. وقصدنا مسجد سيدنا الحسين في صلاة الجمعة، ووزعنا أنفسنا في أنحاء المسجد، وبعد الصلاة وقف يحيى هاشم يخطب في الناس.

وأوضح مدى النكبات التي حلت على الأمة المسلمة، وجاوبناه بالتكبير، ولكن المباحث كانت مستعدة ومترقبة في هذه الأجواء المتوترة، فأحاط به المخبرون، وأخذوا يدفعونه إلى خارج المسجد، والناس مندهشون من هذه الجرأة، التي لم يعهدوها في ظل حكم عبد الناصر، ولكن يحيى لم يكف عن الصياح بأعلى صوته، وقد أحاط به المخبرون من كل جانب، يمسكون به ويدفعونه. ولما خرج إلى ميدان الإمام الحسين استمر في الخطابة بصوت جهوري.

• الفنية العسكرية وحرب العصابات
وفي باب كمال من كتاب "الظواهري"، قال عن مواقف يحيي هاشم: لم تكن عملية الفنية العسكرية هي الإرهاصة الوحيدة في ذلك الوقت، فعقب هذه العملية بأشهر معدودات قام يحيى هاشم، بمحاولة لبداية حرب عصابات من جبال المنيا. ورغم أن هذه المحاولة لم يكتب لها النجاح، لأنها لم تراع الظروف الموضوعية اللازمة لنجاح هذه الحروب، إلا أنها كانت مؤشرًا آخرًا على أن التغير في فكر الحركة الإسلامية صار حقيقة ملموسة، وأن الشباب المسلم هذه المرة لم يعد كأسلافه في الأربعينيات. ويحيى هاشم رائد من رواد الجهاد في مصر، وحق له أن يكون كذلك..

وكان يحيى هاشم وكيلًا للنيابة وهو منصب يتمناه كثير من الشباب، ولكن يحيى كان لا يعبأ بهذا المنصب، وكان دائمًا على استعداد للتضحية به في سبيل الله، غير مبال بأرجاس الدنيا، التي يتقاتل عليها غيره. تعرفت على يحيى هاشم عقب انضمامه إلى مجموعتنا الناشئة في أعقاب نكسة عام 1967، وكانت بداية انضمامه الينا حادثة فريدة، حسبما كتب "الظواهري".

واستكمل: وانطلق يحيى هاشم رحمه الله لا يترك فرصة في الدعوة والتحريض على النظام، وتزامن نشاطه هذا مع موت عبد الناصر وخروج الإخوان على دفعات في بداية عهد السادات. والتقى يحيى بعدد من قيادات الإخوان، وبطبيعته الصافية وعاطفته الجياشة توجه إليهم بكل مشاعره، باعتبارهم القادة الشرعيين للحركة الإسلامية كما أقنعوه. وجاء إلينا يحمل تصورهم في العمل. كان تصورهم يقوم على أن تكون لهم القيادة من بُعد، ولكن لا يتحملون مسؤولية أية مشكلة تحدث لأية مجموعة. فقلت ليحيى: إن هذه هي عين الانتهازية، لهم حسنة القيادة وعلينا سيئتها. ولكن يحيى كان مندفعًا في حبه لهم وحسن ظنه بهم.

وأخذ يحيى هاشم يتصل بعدد من الإخوة المتهمين في قضية الكلية الفنية العسكرية. وأخذ يدبر خطة لهروبهم يستغل فيها منصبه كوكيل للنيابة، وكان أساس الفكرة أن يستصدر أمرًا مزورًا بترحيلهم من سجنهم، وفي أثناء الترحيل يتم الهروب. ولكن الخطة انكشفت، إذ أمسكت المباحث برسالة تهرب من قاعة المحكمة إلى قفص المتهمين.

وبعد وقوع الرسالة التي تحتوي على شرح للخطة، قرر يحيى هاشم الهروب، والشروع في مشروعه الخاص بحرب العصابات. ولجأ يحيى هاشم ورفاقه إلى منطقة جبلية في محافظة المنيا على حافة الصحراء، وتمركزوا فيها تحت غطاء أنهم وحدة عسكرية بعد أن اشتروا بضع قطع من السلاح. ولكن عمدة القرية المجاورة استراب في الأمر، فأبلغ الشرطة، التي هاجمت موقع الإخوة، وحدثت معركة قبضت فيها الشرطة على الإخوة بعد نفاد ذخيرتهم، وحاول يحيى الانقضاض على قائد القوة، فعاجله برصاصات أردته قتيلًا.

أفكاره
كانت أفكار واستراتيجية التنظيم معتمدة في الأساس علي أفكار واستراتيجية القيادات وكان من أبرزهم يحيي هاشم، وكانت تعتمد علي ثلاثة عوامل، الأول- أن كل قادة وأعضاء التنظيم تربوا في مساجد الجمعية الشرعية وجماعة أنصار السنة المحمدية وهما جماعتان ذاتا توجه سلفي واضح، كما تأثر جميع أعضاء التنظيم بالشيخ محمد خليل هراس، وهو أحد علماء الأزهر، ورئيس جماعة أنصار السنة، في ذلك الوقت من أواخر الستينيات وحتى منتصف السبعينيات من القرن الماضي تأثرا كبيرا جدا.

والثاني- أن فكرة الانقلابات العسكرية كانت رائجة في ذلك الوقت في المنطقة العربية والعالم، وجرى تنفيذها بنجاح كبير في دول عربية وإسلامية كثيرة، كما راجت في ذلك الوقت أيضا فكرة حرب العصابات من أجل التحرر الوطني.

والثالث- اعتقاد مؤسسي التنظيم أن تنظيم الضباط الأحرار كان تابعا للإخوان المسلمين، ثم خانهم لأن الإخوان لم يحسنوا تربية وتثقيف الضباط على فكر الجماعة، كما أن الجماعة –حسب رأيهم- أخطأت لأنها لم تستخدم القوة وتحديدا الانقلاب العسكري في مواجهة عبدالناصر. وكان التنظيم يعتمد مناهج لتعليم الدراسات الشرعية، تقوم على أساس المنهج السلفي، كما ألزم الأعضاء بحضور دروس الشيخ محمد خليل هراس بمسجد قولة بعابدين، وهو المقر العام لجماعة أنصار السنة المحمدية بمصر، كما تضمنت المناهج الدراسية بجماعة الجهاد تدريس كتابي في ظلال القرآن ومعالم في الطريق لسيد قطب، اما في المجالات العسكرية فإنها تتبنى التدريبات البدنية الشاقة، بجانب التدريب على الألعاب القتالية كالمصارعة والكاراتيه، لأنهم كانوا يتبنون فكرة التغيير عبر التغلغل في الجيش واستخدامه للقيام بانقلاب عسكري، وذلك عبر توجيه الأعضاء من طلاب الثانوي لدخول الكليات العسكرية ،وكذا توجيه الأعضاء من طلبة الجامعات للتحويل للكليات العسكرية، ولهذا أيضا لم يكونوا يهتمون بشراء أو تخزين السلاح أو التدرب عليه خارج الجيش.

• مقتله
جاءت قضية الفنية العسكرية في سنة 1974، فتعاطف يحيى هاشم معها تعاطفًا شديدًا، وكان يتابع أخبارها بدقة. وفي هذه الأثناء بدأت تختمر في ذهنه فكرة بدء الصدام المسلح مع الحكومة. وبدأ يدعو المقربين منه إلى الشروع في حرب العصابات، وفاتحني في هذه الفكرة فلم أوقفه عليها.

وفي عام 1975، وقعت الرسالة التي تحتوي على شرح للخطة، قرر يحيى هاشم الهروب، والشروع في مشروعه الخاص بحرب العصابات، ولجأ يحيى هاشم ورفاقه إلى منطقة جبلية في محافظة المنيا على حافة الصحراء، وتمركزوا فيها تحت غطاء أنهم وحدة عسكرية بعد أن اشتروا بضع قطع من السلاح. ولكن عمدة القرية المجاورة استراب في الأمر، فأبلغ الشرطة، التي هاجمت موقعهم، وحدثت معركة قبضت فيها الشرطة على المجموعة بعد نفاد ذخيرتهم، وحاول يحيى الانقضاض على قائد القوة، فعاجله برصاصات أردته قتيلًا.