رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هدنة حماس مع اسرائيل بين الدين والسياسة (1)

جريدة الدستور

كانت صحيفة (هآرتس) الإسرائيلية قد أفادت بأن:"حماس بعثت من خلال قنوات ديبلوماسية برسائل إلى إسرائيل حول "هدنة طويلة الأمد"، في مقابل تخفيف الحصار "بشكل كبير جدًا" إضافة إلى "اقتراحات لتبادل أسرى، وإقامة مشاريع اقتصادية ضخمة وتحسين البنية التحتية" وأشارت إلى أن الرسالة لم تلق حتى الآن أي رد إسرائيلي واضح وحماس لا تزال تشهد نقاش داخلي رغم الرسالة"(1).

عطفًا على ما تقدم، أفاد تقرير آخر لصحيفة هارتس الإسرائيلية بأن قادة حماس:"سلموا إلى إسرائيل في الأشهر الأخيرة عبر قنوات مختلفة رسائل أكدوا فيها استعداد الحركة لمناقشة وقف إطلاق نار طويل الأمد بين الطرفين في قطاع غزة، موضحة أن "حماس" تسعى بذلك إلى تخفيف من شدة الحصار المفروض على القطاع، والسماح لها بإطلاق مشاريع واسعة النطاق في مجال البنى التحتية وكذلك إبرام صفقة على تبادل الأسرى وجثامين القتلى بين الطرفين (2).

وفي ذات السياق، قالت صحيفة الحياة اللندنية أنها علمت أن حركة حماس عرضت تهدئة طويلة الأمد مع الاحتلال الإسرائيلي في مقابل رفع الحصار عن قطاع غزة وصفقة تبادل الأسرى (3).

هذا وقد قالت الصحيفة أن مصدر فلسطيني لم يذكر اسمه كشف للحياة في غزة أن هناك طرف ثالث، -غير مصر- يبذل مساعي بين حماس وإسرائيل من أجل التوصل إلى تهدئة قد تمتد إلى عشر سنوات أو أكثر، ورفع الحصار، وإقامة مشاريع بنى تحتية كبرى، حيث رفض المصدر إعطاء المزيد من الإيضاحات عن هوية الطرف الثالث، الذي يقوم بالوساطة أو المدى الذي وصلت إليه المفاوضات غير المباشرة (4).

إلا أن حماس وعلى لسان ناطقها عبد اللطيف القانوع أنكر صحة هذه الأخبار والشائعات حيث أوردت صحيفة (الحياة) على لسان القانوع نفي أي حديث عن اتفاق تهدئة أو تقديم عرض بهذا الخصوص وقال أن ذلك:" غير صحيح وغير مطروح حاليًا، فالاحتلال لم يلتزم باستحقاق التهدئة الموجودة، والمطلوب الزامه من الأشقاء المصريين والمجتمع الدولي" (5).

إلا أن صحيفة هآرتس نقلت عن تقرير نشرته صحيفة إسرائيل اليوم:"أن قادة حماس يخوضون مشاورات نشطة بشأن هدنة محتملة وتبادل للأسرى والجثث مضيفًا أن التهدئة المحتملة مع إسرائيل أصبحت سبب خلاف بين رئيس مكتب حماس السياسي في قطاع غزة يحيى السنوار، وهو يدعم المبادرة حسب التقرير ورئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية الذي رفضها، حيث أتهم السنوار هنية بالخضوع للضغوط الإيرانية في موقفه من هذه المبادرة والكلام لصحيفة إسرائيل اليوم (6).

فما حقيقة هذه الإشاعات، هل تأتي في توقيت الهدف منه التأثير على الحراك الشعبي في غزة "مسيرة العودة" أم أن هذه الشائعات لها أرضيتها وجذورها التي تستحق منا البحث والتدقيق فيما أوردته صحيفة هآرتس؟

وهنا لابد لنا من البحث والتحقق حول موقف حماس من الهدنة من حيث الممارسة والتطبيق وتجذر هذا المصطلح في فكرها السياسي المستند إلى أيدلوجيا الدين.

مفاوضات حماس وإسرائيل

وهنا لابد لنا من العودة إلى التاريخ القريب والبعيد في تصريحات حماس وقادتها السياسيين انطلاقًا من اللقاء الشهير بين القيادي في حركة حماس محمود الزهار وقادة دولة الإحتلال إسحاق رابين وشمعون بيريز:-

يشار إلى أن محمود الزهار التقى مع قادة دولة الاحتلال وذلك عام 1988 -إسحاق رابين وشيمعون بيريز- حيث قال أن اللقاء جاء بناءًا على استدعاء من قبل رابين وبيريز.

ووفق الزهار قال أن بيريز:"عرض عليه انسحاب إسرائيل بشكل كامل من قطاع غزة ومن ثم الانسحاب على مدار ستة أشهر من الضفة، باستثناء مدينة القدس، لكن رد الزهار رفض العرض الإسرائيلي(7).

وهنا نستذكر تصريحات الشيخ الشهيد أحمد ياسين عن عرضه وتصريحه في أكثر من مناسبة بقبوله هدنة مع دولة الإحتلال، جاء ذلك من خلال تصريحات صحفية أو من خلال بيانات أصدرتها الحركة توضح فيها موقفها من هكذا مسألة.

وفي هذا المقام نقول أن حماس فاوضت دولة الاحتلال بشكل غير مباشر في أكثر من مناسبة، وذلك من خلال الحروب التي خاضتها دولة إسرائيل ضد قطاع غزة من أجل التوصل إلى هدنة مع حركة حماس، وذلك عبر وسيط، منذ العام 2008-2012-2014 وتوجت هذه المفاوضات بصفقة شاليط التي أفرج فيها عن الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط مقابل الأسرى الفلسطينيين والتي تمت بواسطة مصرية ألمانية.

لم يقتصر الحديث عن مفاوضات غير مباشرة بين دولة الاحتلال وحركة حماس، ففي 14 سبتمبر 2014 قال القيادي في حركة حماس موسى أبو مرزوق في تصريح لفضائية فلسطين اليوم:"أن حركته قد تضطر إلى إجراء مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، وذلك بضغط شعبي حال اسمتر الوضع في قطاع غزة على ما هو عليه من حصار خانق، إلا أن حماس إصدرت بيان للرد على تصريحات أبو مرزوق قالت فيه أن المفاوضات المباشرة ليست من سياسة الحركة(8).

وما بين قبول حماس بالمفاوضات غير المباشرة أو المباشرة لابد لنا من أن نفهم حقيقة موقف حماس من المفاوضات مع دولة الاحتلال:-

حماس في كل محادثاتها مع إسرائيل لم ترفض الهدنة الطويلة،مع رفع الحصار وإعادة الإعمار في غزة.

حماس تدعو لهدنة طويلة

وهنا لابد أن نذكر أن الشيخ حسن يوسف القيادي في حركة حماس دعا إسرائيل للتفاوض مع حماس باعتبارها شريكًا أمينًا، وعرضه هدنة طويلة الأمد، مقابل رفع الحصار عن غزة، وهو ما يعبر عن قبول حماس بفكرة دولة في غزة(9).

في هذا السياق يقول محمد نزال القيادي في حركة حماس "نحن مع أي حل مرحلي"، لكن بدون الاعتراف بالعدو الإسرائيلي أو بوجوده، وهو ما يعني أننا لا نعارض أي انسحاب إسرائيلي من أي جزء من فلسطين شرط عدم الاعتراف بإسرائيل (10).

مفهوم حماس للهدنة

حيث قدم الشيخ حسن يوسف تفسيرًا ذا أهمية خاصة لمفهوم الهدنة الذي أقرته حماس، ميز بشكل واضح بين الهدنة والتوقيع على الاتفاقيات أو اتفاقية سلام:"إن كلمة هدنة توضح وضعية الصراع مع العدو إنها تعبر عن استمرارية الصراع، لكنها لا تعني نهاية الصراع، فهي مسعى سياسي وعسكري مرتبط بتقييم الوضع والحقائق الواقعية، يدعمه حساب المصالح العليا للأمة والشعب، ولم تظهر الهدنة في التاريخ والفقه الإسلامي في سياق الاذعان والاستسلام للعدو، كما لم تظهر في سياق التنازل عن الأراضي والأماكن المقدسة والحقوق المشروعة(11).

بناءًا على ما تقدم أصبح مفهوم الهدنة ثابت في البرنامج السياسي لحماس، معتمدة على مجموعة من الفتاوي الدينية العصرية لتزويدها بغطاء ديني.

وثيقة حماس

ورغم أن حماس حبيسة أيدلوجياتها من وجوه معينة، فهي تعوض ذلك بتعديل أهدافها السياسية بما يتلائم والواقع السياسي كما تراه، ولا أدل على ذلك من وثيقة حماس الأخيرة وقبولها قيام دولتين لكلا الشعبين، كما أن حماس يمكن لها أن تقبل بهدنة طويلة اعتقادًا منها أنها تسير على خطى التحرر الوطني على مراحل وأنها يمكن لها أن تنتقل من مرحلة إلى أخرى على طريق تحرير فلسطين وهنا الخديعة الكبرى التي يمكن أن تمارسها حماس لتبرير خطوتها لدى جمهورها.

موقف حماس من العملية السلمية

موقف حماس من العملية السلمية ومن المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية تطور في ثلاث مراحل، في المرحلة الأولى أصرت على موقف مبدئي رافض للحل السياسي، أما المرحلة الثانية رفضت التعاطي مع مضامين آية تسوية فيها تنازل عن أي حق للفلسطينيين، أما المرحلة الثالثة أعلنت عن استعدادها للموافقة على هدنة مع إسرائيل بموجب شروط معينة مع الإصرار على أنه لن يتم الاعتراف بشرعية إسرائيل على أرض فلسطين، كما يمكن أن نضيف مرحلة رابعة وهي القبول بتهدئة مؤقتة قصيرة الأجل بشروط أقل تشددًا من الشروط التي يقتضيها التوصل إلى تهدئة طويلة الأجل (هدنة)(12).

* باحث فلسطيني من رام الله 

هوامش

(1) https:www.wattan24.com?app=article.show.60111
(2) https:www.alhurra.comaIsraeli-Hamas435340.html
(3)http:qudsnet.comnewsView411038#.WwnXpu6FPIU
(4) نفس المصدر السابق
(5)نفس المصدر السابق
(6) نفس المصدر السابق
(7) فلسطين اليوم، تاريخ المفاوضات "الغير مباشرة" بين حماس وإسرائيل: 6:14 -14 سبتمبر 2014
(8)فضائية فلسطين اليوم 14 سبتمبر 2014
(9)https:www.al-masdar.netالقيادي-في-حماس-حسن-يوسف-يخاطب-الجمهور
(10)http:www.annaharkw.comannaharArticlePrint.aspx?id=154562
(11)نفس المصدر السابق
(12) مركز الزيتونة، حماس والعمللية السلمية https:www.alzaytouna.net?gclid=EAIaIQobChMIrO6Tmrak2wIVSeAYCh3BpQwhEAAYASAAEgIlX_D_BwE

يتبع