رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ما بعد «هجوم الخميس».. خبراء: روسيا تحاول زيادة «مكاسب الأرض» قبل المفاوضات

روسيا
روسيا

رأى باحثان أن الرئيس الروسى، فلاديمير بوتين، يستهدف من العملية العسكرية الأخيرة فى أوكرانيا، التى بدأها فجر الخميس، تحقيق انتصارات ومكاسب على الأرض قبل العودة إلى طاولة المفاوضات.

وتوقع الباحثان، فى حديثهما مع «الدستور»، بعد يوم من بدء روسيا عملية عسكرية فى أوكرانيا، وقرب دخول قواتها إلى العاصمة كييف، استمرار العملية العسكرية حتى تتمكن موسكو من تحقيق أهدافها المعلنة، التى تتمثل فى عدم السماح لكييف بامتلاك السلاح النووى، وحماية إقليم «دونباس»، إلى جانب أهداف أخرى غير معلنة، من بينها إسقاط الحكومة الأوكرانية الحالية، لتحل محلها حكومة موالية لروسيا، وبالتالى منع أوكرانيا من الانضمام إلى حلف شمال الأطلسى «الناتو» سواء الآن أو فى المستقبل. 

محمد حسن: موسكو تسعى لـ«إعادة هندسة» أمن أوروبا بالقوة

قال محمد حسن، باحث متخصص فى السياسات الدفاعية والشأن الدولى بالمركز المصرى للفكر والدراسات، إن بدء روسيا غزو أوكرانيا على هذا النحو الذى رأيناه خلال أول ٢٤ ساعة من بدء العمليات العسكرية يشير إلى أن موسكو تخطو أولى خطواتها نحو «إعادة هندسة البيئة الأمنية لأوروبا»، معتمدة على القوة. 

وأضاف «حسن»: «إعادة هندسة البيئة الأمنية لأوروبا تتجاوز فكرة تحييد دور أوكرانيا كنقطة ارتكاز عسكرية وسياسية محتملة للغرب وحلف الناتو، وتمتد إلى فكرة نقل المعركة أمام بلدان المواجهة الممثلة فى دول البلطيق وبولندا ورومانيا، وإبقاء مسارات ضاغطة على هذه البلدان، أو ما يمكن أن نسميه الجدار الشرقى لحلف الناتو».

وأوضح أن المناورات الاستراتيجية التى نفذتها روسيا، بداية من يوم ١٩ فبراير الجارى، شارك بها مختلف القطع العسكرية ذات الطابع الاستراتيجى، مثل الأسلحة النووية والصواريخ الفرط صوتية، لتأكيد مبدأ «الردع الاستراتيجى»، وهو مفهوم يعرفه الروس جيدًا منذ «الحرب الباردة»، معتبرًا أن ظهور هذا المفهوم مرة أخرى يعنى الجاهزية لأن تشمل المواجهة العسكرية بين روسيا والغرب أوروبا بالكامل، ولا تقتصر على أوكرانيا.

وبيّن أن الهجوم بدأ من خلال إطلاق موجة قصف صاروخى روسى «بالستى» و«جوال»، طال، حسب آخر البيانات الصادرة، ٨٣ هدفًا للبنى التحتية العسكرية الأوكرانية، من مطارات ومخازن ذخيرة ومحطات رادار ومراكز مراقبة واستطلاع وتجمعات عسكرية، وحتى مقار الاستخبارات الأوكرانية، وذلك فى الرابعة والنصف من فجر أمس الأول الخميس.

وأضاف: «بعدها أطلقت روسيا عدة غارات جوية، مع موجة ثانية صاروخية ضربت على الأقل ١٣ مدينة أوكرانية من شرق البلاد لأقصى غربها فى مدينة لفيف، ودمرت مطار لوتس قرب الحدود البولندية بشكل كامل، واشتمل الهجوم على إسناد أدوار للسفن الحربية الروسية فى البحر الأسود وبحر آزوف، والطيران المروحى الذى نفذ عملية إنزال جوى فى أوكرانيا للسيطرة على مطار أنتينوف فى بلدة جوستومل».

 وشرح أن «تكتيكات عملية الهجوم الروسى تشير إلى أن روسيا تستهدف كامل الجغرافيا الأوكرانية، ووصلت إلى أبعد نقطة، وهى مدينة لفيف، التى تحولت إلى ما يشبه ملاذًا آمنًا للبعثات الدبلوماسية الغربية خلال الأسابيع الماضية، ما يشير إلى وجود احتمالات لحدوث ضربة ثانية تستهدف على الأقل دعم التوغلات البرية الروسية فى الجبهة الشرقية، التى يحدث فيها قتال عنيف، خاصة فى محور (خاركيف- سومى)، الذى شهد خسائر فى الوحدات المدرعة الروسية والمدفعية الصاروخية، فضلًا عن إسناد محور التوغل الجنوبى، والقادم من شبه جزيرة القرم باتجاه خيرسون، ليتفرع إلى فرعين، شرقى يتجه إلى ماريوبول، وغربى إلى أوديسا، وكلاهما يهدفان لعزل أوكرانيا تمامًا عن البحر الأسود، الذى يعتبر منفذًا لأكثر من نصف صادراتها، وبهذا الإغلاق ستتمكن روسيا من عزل أوكرانيا عن تلقى الدعم البحرى».

وواصل: «تشير الضربات الصاروخية الروسية على المطارات الأوكرانية إلى وجود معضلة كبيرة للناتو والغرب فى إيصال المساعدات العسكرية لأوكرانيا، لتفعيل سيناريو حرب المدن، إذ ظهر من خلال تحليل نوعية الوارد من الأسلحة الغربية لأوكرانيا خلال الأسابيع الماضية اهتمام العواصم الغربية بتدعيم قدرة أوكرانيا على استخدام الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات والأفراد (جافلين)، والصواريخ المضادة للطائرات المحمولة على الكتف».

وحول السيناريوهات المقبلة، قال «حسن»: «من المرجح أن يستمر حلف الناتو فى تدعيم خطته الدفاعية لجداره الشرقى، من خلال زيادة انتشاره العسكرى فى بلدان المواجهة، فضلًا عن تفعيل مهمة قوة الرد التابعة له، وهى قوة مجهزة بشكل عالٍ واحترافى، وتتألف من وحدات برية وبحرية وجوية ولديها ٤٠ ألف جندى، وستمكن قوة الرد هذه حلف الناتو من تعزيز استراتيجيته الدفاعية، لكنها تبقى دون مستوى الردع الاستراتيجى».

آية عبدالعزيز: بوتين يريد منع انضمام أوكرانيا لحلف «الناتو» نهائيًا

ذكرت آية عبدالعزيز، باحثة فى المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، أن الهجوم الروسى على أوكرانيا جاء من جبهات مختلفة، هى: دونباس والقرم والحدود الروسية الأوكرانية وبيلاروسيا، وأسفر عن تحقيق مكاسب ميدانية للانفصاليين وللقوات الروسية، وتعرض بعض المطارات الأوكرانية للهجوم، إضافة إلى عدد من القتلى والمصابين، ومن المتوقع ارتفاع الأعداد مع استمرار العملية.

وأضافت: «من المتوقع أن تستمر العملية العسكرية حتى تتمكن روسيا من تحقيق أهدافها المعلنة، التى تتمثل فى عدم السماح لأوكرانيا بامتلاك السلاح النووى، وحماية دونباس، وغير المعلنة التى تستهدف تحقيق أكبر عدد من المكاسب الميدانية على الأرض، بما يعزز النفوذ الروسى داخل أوكرانيا على جميع الجبهات، ويُطوق سيطرة الحكومة الأوكرانية ويسقطها ويحل محلها حكومة موالية لروسيا، بجانب تطبيق حق تقرير المصير للأقاليم الانفصالية فى كييف، من خلال استفتاء مثل ما حدث فى شبه جزيرة القرم عام ٢٠١٤، وعليه ستصبح أوكرانيا فى قبضة روسيا، وبالتالى لن تتمكن من الانضمام إلى حلف شمال الأطلسى فى المستقبل، على ضوء هذا السيناريو».

ورأت أنه يمكن وضع سيناريو أسوا للأهداف غير المعلنة لهذه العملية، مثلًا، أن تكون بداية لتوسيع سيطرة روسيا على مناطق جيواستراتيجية جديدة فى أوكرانيا، تنشر من خلالها منظوماتها الصاروخية على مقربة من حدود دول «الناتو» القريبة منها، وهو ما سيمثل تهديدًا مباشرًا لأمن القوى الغربية.

وأشارت إلى أنه «بالرغم من ذلك لن يتمكن الناتو من دخول أوكرانيا لمواجهة روسيا عندئذ، لأنها ليست عضوة فى التحالف، لكن الدعم الغربى لكييف سيكون مقصورًا على المساعدات، وهنا ستكون روسيا قد فرضت تصوراتها وإرادتها على الجميع وحافظت على خطوطها الحمراء».

وتوقعت أن يكون هناك تصعيد من قبل القوى الغربية، لكنه سيكون حذرًا، أى أنه لا يتضمن المواجهة العسكرية، إلا إذا توسعت روسيا خارج حدود أوكرانيا باتجاه دول أوروبا الشرقية الأعضاء فى «الناتو»، وستكون هنا المواجهة حاسمة بين القوتين النوويتين. 

وأوضحت أن «التصعيد حتى الآن من المتوقع أن يكون دبلوماسيًا، يتجلى فى طرد الدبلوماسيين الروس، وقطع العلاقات مع موسكو، ردًا على ما تفعله فى أوكرانيا، وهنا سترد روسيا بالمثل».

وحول الجانب الاقتصادى، قالت الباحثة: «من المتوقع أن تتوسع القوى الغربية فى فرض عقوبات اقتصادية تشمل المسئولين الروس، والكيانات والمؤسسات ذات العلاقة بإقليم دونباس، بجانب استهداف قطاع الطاقة والمال والنقل، وتعليق عضوية روسيا فى المنظمات الدولية ذات الطابع الاقتصادى، وسط رغبة القوى الغربية فى توحيد جهودها فى فرض العقوبات لتكون بمثابة رادع لموسكو، والتأثير على قدراتها الاقتصادية وتكبيدها العديد من الخسائر، ومن المتوقع أن يتسع نطاق العقوبات الاقتصادية مع تنامى التصعيد العسكرى على كييف، من خلال فرض عقوبات على الدول التى ستتعاون عسكريًا مع موسكو، وذلك لزيادة الضغط عليها».

وقالت إن «الناتو» سيعيد التموضع والانتشار فى دول أوروبا الشرقية بكثافة، وسيعزز قدراته من خلال إجراء مناورات عسكرية لاختبار مدى الجاهزية للرد على التهديدات الخارجية، وسيرسل مجموعة جديدة من التعزيزات والأسلحة إلى الدول القريبة من حدود روسيا، لضمان أمنها، مع احتمالية تفعيل المادة ٥ من ميثاق «الناتو»، المتعلقة بالدفاع الجماعى إذا حدث تصعيد تجاه الدول الأعضاء.

وفيما يتعلق بسيناريو التهدئة، رأت أنه «سيسبقه سعى روسيا لتحقيق أهدافها المعلنة وغير المعلنة من هذه العملية العسكرية التى ستعزز مكانتها الدولية، لكى تذهب إلى طاولة المفاوضات كقوة عظمى ترسم ملامح النظام الدولى من جديد وفقًا لمصالحها أولًا».