رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أم كلثوم تغنى "أغدًا ألقاك" فى الاجتماع السرى لجمعية أشرف عشماوى

"ذات صباح أشرقت شمس في يوم عادي على أشخاص عاديين لعبوا دور البطولة في مسلسل حياتهم لأول مرة لكنه لم يعرض بعد، وكان معتوق رفاعي من هؤلاء الأبطال الذين لا تعرض أعمالهم أبدًا" .

هكذا بدأ الكاتب أشرف العشماوي روايته "الجمعية السرية للمواطنين"، حيث أطل علينا من خلال لوحة كبيرة لأهل عزبة الوالدة، جسدها "معتوق" بطل الرواية بالألوان في المساحة الفاصلة بين الحقيقة والخيال، جمع بينهم في تناغم كأفراد مهمشين في المجتمع يحاولون الحياة، وعندما لاحت لهم أول فرصة ليظهروا في قائمة الحياة تعلقوا بها كأمل أخير ليكونوا أبطالًا ولو على الورق.

ولاسم "معتوق" هنا دلالة قوية في الرواية، فالعتق يرمز إلى التحرر من معاناة الأسر أو العبودية أو الظلم، وكل صنوف المعاناة تلك قد تعرض لها معتوق من غريب أبوإسماعيل حين ظلمه بعدم منحه حقه من المبالغ الطائلة التي حصل عليها من سرقة لوحة زهرة الخشخاش، بل صار عبدًا له يرسم اللوحات ويوقعها له باسم غريب أبوإسماعيل مرغمًا نظير مبلغ زهيد، حتى وصل الأمر إلى التضحية به والإبلاغ عنه ليقايض حياته في غياهب السجن بحياته في مستشفى المجانين لمدة عشر سنوات، مما أدى إلى حرمانه من ابنته زهرة وحبيبته راوية.

يلفت أشرف العشماوي أنظارنا في هذه الرواية إلى روح القانون، يقول لنا من تحت عباءة القاضي الحكيم: أن ننظر إلى الجريمة بروح القانون، فعلى الرغم من ضرورة الجزاء إنما قد تكون بدافع إنساني، فهو يحكي لنا، من خلال ما يقرب من خمسة عشر شخصية تضمنتها الرواية، أن الجريمة قد تكون نتيجة قهر أو اضطرار أو ظلم أو حق لا يستطيع صاحبه إثباته فيلجأ إلى تصرف جنوني بدافع عقلاني.

رسم الكاتب روايته عن طريق معتوق الفنان المغمور الذي يجسد أهل عزبته في لوحة كبيرة، ويتبادل عليهم الأماكن والملامح والملابس والرموز، يرسمهم بهمومهم ومشاكلهم ولحظات انكسارهم وانتصاراتهم الصغيرة، معتقدًا أنه يحررهم منها بلوحته، ويغير أوضاعهم في الصورة كل حين، فهناك عبده العربي أو عبده شنكل الذي تحول من سائس إلى خيال حتى تقاعد كجوكي تمرين بعد سقوطه من فوق الحصان.

وخليل البنهاوي الممرض الذي فُصل من عمله نتيجة ممارسة غير أخلاقية مع زميلته الممرضة، ثم زور شهادة طبيب وأجرى العديد من العمليات حتى نسى مقصًا ببطن مريضة فماتت وادّعى الجنون ليهرب من السجن.

ثم سراج البدوي مخبر الحكومة الذي يخبئ الحشيش في ساقه الخشبية أملًا في تصريح كشك لم يحصل عليه أبدًا، إلى سعيد راديو البطل الرياضي السابق إذ أعطوه حقنة خاطئة بقصر العيني ثم تنكروا له ورفضوا علاجه، وهناك فتحي السماوي ويعمل ببلدية حلوان بقسم مكافحة الكلاب الضالة، حيث يتخلص منها بالسم، مما أدى إلى وفاة ابنه بالخطأ نتيجة وجبة لحم مسمومة، أما فارس عودة الذي اقترب من الخمسين واكتشف خبيئة عملات ذهبية بهيئة الصرف الصحي وأصر على تسليمها للحكومة، فقد سافر إلى السعودية للعمل كمدرس موسيقى لكنه تعرض للجلد والفصل والترحيل لعلاقتة بسيدة من أهل البلدة، وزكي الساكت كناس حي البساتين والشهير بصيحة "المنحة يا ريس" التي تتردد كل عيد عمال، والذي تخصص فيما بعد بالشهادة الزور في قضايا الأحوال الشخصية، وهناك شاكر الجهيني ساعي البريد الذي تم طرده من الهيئة لفتحه خطابات البريد وقيامه بالرد على أصحابها في بعض الأحيان، أما المعلم غالي تاجر الحشيش بحلوان والذي كان صاحب فكرة تزوير الفلوس من الأساس فقد تزوج من أنهار ابنة أحد كبار تجار المخدرات وأنجب منها ابنه مينا وتدهورت صحته ومات، وأسعد جرجس كومبارس السينما الشهير الذي كان نسيبًا وقريبًا لكل أهل العزبة، ثم شاهين والي عرضحالجي شهير بحلوان زور له معتوق كارنيه نقابة المحامين وفتح مكتبًا للمحاماة ومارس المهنة حتى صار غنيًا، ثم حربية نزيلة مستشفى المجانين التي اغتصبها الزمن مخلفًا وراءه طفلًا اغتصبوه منها أيضًا ولا تعرف عنه شيئًا. 

وأخيرًا زهرة وراوية، زهرة ابنته الوحيدة ذات الثماني سنوات والتي ماتت أمها وهي تلدها لتتربى في بيت خالها موسى خلال العشر سنوات فترة سجنه، وراوية حبيبته ومدرسة التاريخ التي ماطل في الزواج منها فتزوجت من آخر طلقها عندما تبين له أنها لا تنجب.

وفي مفارقة جميلة سرد الكاتب قصة بطل روايته "معتوق" مرة أخرى على لسان راوية في حصة التاريخ بالتماهي مع قصة الخديو إسماعيل والمفتش. 

وعلى طريقة "بابا نويل" أو فيلم "روبن هود" منح معتوق البسمة للمحتاجين من أهل عزبة الوالدة بضربة واحدة لمزلاج الشيش يدحرج صرة الملابس بهدوء عن طريق عبد شنكل أو يمنح ظرفًا منتفخًا بالأوراق المالية المزورة من خلال بنك عزبة الوالدة الوطني أو بيت مال المسلمين أو صندوق الخير بالكنيسة أيا كان المسمى، فقد راهن معتوق على أهل القرية حين قال: الذين لا نتوقع منهم أي شىء هم القادرون على إدهاشنا، هم عاشوا في انتظار مرور الصعب ووحدة العمر الذي مر. 

وقد راهن أشرف العشماوي على قرائه أيضًا حين أدهشهم بروايته وعبْر بجمل سردية بديعة طوال صفحات الرواية حتى أنهاها نهاية سينمائية عندما تحدى أهل العزبة وأعضاء الجمعية السرية للمواطنين قرار الحكومة وتصدوا للشرطة بأجسادهم اعتراضًا على الهدم، كما أنهى معتوق أيضًا لوحته وأكملها بالشكل الذي يرضيه، مستكينًا بجسده بين زهرة وراوية ممسكًا بأيديهما وقد اختار عنوانًا وحيدًا للوحته "انتهينا لكن أرواحنا لا تزال تشتهي" .