رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دروس البطولة

هل نشاهد المنتخب لنستمتع بفنيات كرة القدم؟ فى الحقيقة فإن الإجابة هى لا.. فلو أننا نريد الاستمتاع بفنيات الكرة فإن علينا أن نتابع مباريات الدوريات الأوروبية مثلًا.. نحن نتابع مباريات المنتخب الوطنى بسبب روح الوطنية التى تشيع فينا.. على الأقل هذا هو السبب لدى قطاع كبير من الجمهور غير الكروى والذى لا يتابع سوى مباريات المنتخب، وبالتالى فإن ما يهم هذا الجمهور هو الروح التى يلعب بها اللاعبون.. والروح التى يشيعها اللعب للمنتخب بين اللاعبين وهى روح عظيمة لأنها أولًا روح جماعية.. يسيطر عليها الانسجام وتذوب الخلافات الشخصية ويتعاون الجميع لتنفيذ خطة المدير الفنى ولا يستسلم اللاعبون لمشاعر الغيرة من تفوق كابتن الفريق وهو أيضًا يلتزم بصفات القائد فيضيف لزملائه ولا ينتقص منهم.. وهذه الروح الجماعية نحتاج إلى أن تنتقل لكل مكان فى مصر.. ولو أن لدينا مثل هذه الروح فى مواقع الإنتاج المختلفة لكنا فى مكان أفضل مما نحن فيه بكثير.. لذلك فإن علينا أن نتمسك باللحظة ونطلب من أنفسنا تكرارها فى كل موقع فى مصر.

ثانيًا: روح الفداء.. هذا التعبير ليس تعبيرًا إنشائيًا ولكن اللاعبين بذلوا بالفعل أقصى جهد يمكن بذله، لم يتخاذلوا.. لم يفقدوا الأمل حتى آخر دقيقة.. لم يستسلموا للتعب الجسدى نتيجة لعب أوقات إضافية فى معظم مباريات البطولة.. جنبوا الاعتبارات المادية لحساب الاعتبارات الروحية أو الوطنية أو النفسية.. هذه هى روح الفداء.. التى قد نصفها بالأداء الرجولى.. أو بالروح الوطنية أو بأى وصف يعبر عن المعنى.. والمعنى هو تغليب ما هو روحى على ما هو جسدى وتغليب المشاعر الكبيرة على المشاعر الصغيرة، وهى أيضًا روح عظيمة لو انتقلت للمجتمع كله فإننا سنصبح فى حال غير الحال. 

ثالثًا: القتال حتى النفس الأخير.. لقد تمسك لاعبونا بالأمل حتى آخر لحظة من المباراة.. وكان من الممكن أن يكون النجاح حليفهم لولا سوء الحظ الذى توافق مع العوامل الفنية وجاهزية الفريق المنافس ولكن المعنى الذى يجب أن نتعلمه ألا نلقى السلاح حتى آخر لحظة وهو ما فعله أبطال المنتخب الوطنى جميعًا دون استثناء.

رابعًا: من الدروس التى تعلمتها شخصيًا من أداء المنتخب أمران مهمان أولهما أن علينا أن نسعى وليس علينا إدراك النجاح.. والثانى أن عليك أن تبقى جاهزًا دائمًا بغض النظر عن الظروف وهذا ما طبقه اللاعب المصرى العظيم «أبوجبل» الذى كان فى موضع حارس المرمى الاحتياطى دائمًا ولكن ذلك كما اتضح لنا جميعًا لم يحبطه، ولم يؤثر على إقباله على التدريب، ولا على حالته المعنوية، وما إن أتت له الفرصة على غير سعى ولا تدبير منه حتى كشف عن تألق نادر، وأصبح أداؤه السبب الرئيسى فى اجتياز منتخب مصر ثلاث مباريات صعبة، وصعوده للنهائى، وهو درس لكل مصرى أن عليه أن يجتهد بدلًا من أن يلوم الظروف، وأن تأخر الفرصة ليس معناه ضياعها ولا حتى أن هناك من يتعمد ظلم صاحب الفرصة المتأخرة.. كما أن قصة أبوجبل درس أيضًا لكل مدير أن القمة قد تتسع لاثنين أو ثلاثة ما دام لدى كل منهم ما يقدمه لبلده أو لعمله أو لفريقه. 

خامسًا: من دروس البطولة أيضًا أن دور الفرد مهم جدًا كما أن دور الجماعة مهم، والمعيار هو انسجام الفرد مع الجماعة.. فحارس المرمى المتألق صعد بنا إلى الدور النهائى، واللاعب الذى انهار نفسيًا قبل أن يسدد ضربة الجزاء أضر بنا رغم حسن نيته وكان عليه أن يعتذر عن التسديد كما يفعل زملاء له فى كل فرق الكرة.. وهو درس لنا جميعًا فى البحث عن الأفراد المتميزين والاهتمام بهم، وصقل مواهبهم، وإعدادهم نفسيًا، حتى نحصل على النتيجة التى نرجوها والتى نستحقها. 

سادسًا: من الدروس التى نتعلمها جميعًا أن الهزيمة بشرف لا تقل عن المكسب، فقد شعرنا بالحزن، لكننا أيضًا شعرنا بالفخر، فاللاعبون كانوا رجالًا، والمنافسة مع السنغال كانت شريفة ولها طابع ودى بالمقارنة بمباريات أخرى، ولاعبو السنغال حيوا الفريق المصرى، وعبروا عن إعجابهم به بطرق مختلفة، وهذا كله لا يقل عن المكسب، بل إنه قد يكون أفضل من مكسب مسروق يحدث أحيانًا نتيجة مصادفات كرة القدم، حيث يفوز الفريق وهو الأقل أداء، ورغم أن هذا لا ينطبق على أداء فريقنا بالأمس إلا أنه يحدث أحيانًا «كنا سنفرح طبعًا بهذه النتيجة» ولكن قدر الله وما شاء فعل، وأعظم المنافسات هى التى تفوز بها باعتراف خصمك واحترامه، والأهم أننا نتقدم للأمام، ففى منافسات كأس العالم فى روسيا لم نكن راضين عن أداء المنتخب، ولم تكن روح البطولة موجودة أساسًا، وواصلت الأمور التدهور بعد ذلك، واليوم نستعيد الروح والقدرة على المنافسة وهذا مكسب كبير لا بد أن ندركه وأن ننتظر مزيدًا من التحسن التدريجى.. أما على المستوى الشخصى فمكسبى أن ابنتى التى تقف على أعتاب مغادرة الطفولة استأذنت والدتها أن تشاهد المباراة مع أصدقائها ليشجعوا المنتخب، وعندما قابلتها بعد المباراة رأيتها باكية وغاضبة وقالت لى «هو المصريين موش هينجحوا فى حاجة أبدًا»؟!! فشرحت لها أين كنا وكيف أصبحنا، وتحدثت معها فى بعض الأفكار التى دونتها فى هذا المقال، وأسعدتنى غيرتها وزملائها على بلدهم، وغضبهم من أجل هزيمة المنتخب، وإحساسهم بالانتماء لهذا البلد رغم انفتاحهم على العالم الواسع من خلال لغة الدراسة وشبكة الإنترنت.. هذا الإحساس بالانتماء هو أيضًا من المكاسب التى يجب أن نتمسك بها ونضخمها ونحافظ عليها لأنها هى التى ستقودنا إلى النصر فى كل مباراة قادمة بإذن الله.