رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عيد الميلاد السعيد والظاهرة الدينية

بداية نهنئ أتباع السيد المسيح فى العالم كله، خصوصًا مصرنا الحبيبة، بعيد ميلاد السيد المسيح، الذى أعيش مظاهره الآن فى مدن أوروبا بين فرنسا وبلجيكا وألمانيا والنمسا، ولا يكاد يخلو ميدان من مظاهر ذلك العيد، فالشوارع مليئة بالزينات والاحتفالات ومشروبات الكريسماس الخاصة، ومنها الكحولى وغير الكحولى، وكثير من الحلوى والمأكولات الخاصة بعيد الميلاد المجيد.

وتذكرنى شوارع باريس ليلة مولد المسيح بشوارع الإسكندرية الحبيبة وهى خالية ساعة الإفطار فى شهر رمضان الكريم، حيث يتجمع الناس جميعًا، المتدينون وغير المتدينين، مَنْ يصوم ومَنْ لا يصوم بسبب أو دون سبب حول مائدة الطعام، فى طقس احتفالى جميل تتوحد فيه العائلة والأحباب، يتسامرون ويتحدثون ويضحكون ويذكرون حياتهم ودينهم وطموحاتهم ومشاكلهم.

والعجيب أن كل هذا يحدث تمامًا مع اختلاف البلاد والأديان والمذاهب، فالناس كلهم يتطلعون لطقوس تفرحهم وتسعدهم وتجمعهم على الحب والبهجة.

والملاحظ هنا هو تشابه الظاهرة الدينية فى جوهرها، الذى يهدف لإشباع رغبات الإنسان الوجدانية والعاطفية، وتُشبع فضوله الوجودى والمصيرى.

ولعل من أفضل مظاهر تلك الظاهرة الدينية الإنسانية الواحدة فى جوهرها المتعددة فى أشكالها ومذاهبها هو ذلك السعى الحثيث للفرح، من خلال طقوس الأعياد والاحتفالات والتجمعات التى يحفها الحب والود والألفة.

فرغم اختلاف البلدان نجد المظاهر متشابهة، ففى فرنسا التى تكثر فيها اللا دينية وينتشر بها عدم الاكتراث بالعقائد المسيحية لغالبية الفرنسيين، بل تثير الأفكار المسيحية التقليدية فى الكثير ممن لقيت من الفرنسيين وغيرهم من شعوب أوروبا، السخرية والاستهزاء، خصوصًا فكرة اتصال السماء والأرض بواسطة إنسان مضى من آلاف السنين.

ورغم ذلك تجدهم يحرصون على هذا الطقس الاحتفالى الجميل، ويهنئ بعضهم بعضًا سواء ممن يؤمن بالمسيح أو من لا يؤمن به، ويشارك الجميع فى الاحتفالات ومظاهرها ويعلق الزينة.

ويذكرنى هذا ببلادنا الحبيبة فى موالد القديسين والأولياء، حيث يشترك فيها جميع المصريين من مسيحيين ومسلمين وغيرهم، فى طقس يرمز لوحدة المصير البشرى وتطلعه للسعادة والبركة والهناء.

وأستطيع القول إن تلك المظاهر السلمية الجميلة فى الظاهرة الدينية ينبغى لنا نشرها وتشجيعها، فهى تشيع أجواء السلام والحب بين بنى الإنسان. 

ونجد المتعصبين والمتطرفين من كل الأديان يلعنون مظاهر احتفالات الآخرين ويريدون أن يفسدوا عليهم أعيادهم ويصدروا فتاوى بغيضة تنشر الكراهية والعنف ضد المختلف، متجاهلين كون المظهر والظاهرة واحدًا، ولكنهم لا يريدون إلا نشر البغضاء واحتقار الآخر.

نسأل الله أن يجعل أيامنا كلها سعادة وهناء وتجمعًا ووحدة لبنى الإنسان العاقل جميعًا، سواء مسلمين أو مسيحيين وغيرهم من مختلف الملل والمذاهب والنحل. 

وكل سنة وإخوتنا الأقباط بخير وسلام وسعادة، وعيد ميلاد مجيد وسنة ميلادية حلوة للبشرية كلها.