معجزة العريش

الأدب وتأصيل الهوية الوطنية كان عنوانًا موفقًا لمؤتمر أدباء إقليم القناة وسيناء الثقافى، الذى عقد فى مدينة العريش لمدة ثلاثة أيام تنتهى اليوم، وقد شرفنى القائمون عليه برئاسته، المؤتمر هو أول نشاط تشهده المدينة الحبيبة منذ ٢٠١٢، كانت سعادتى بعودة الحياة إلى طبيعتها فى شوارع المدينة المزدحمة لا حدود لها، لأن الصورة التى رسمها خصوم الحياة للأوضاع هناك لم تكن صحيحة، يوجد سلام وطمأنينة وطيبة على وجوه الناس، رغم ما عانوه فى السنوات الأخيرة.

لقد فشل الإرهابيون فى اختطاف المدينة العريقة، ونجحت الدولة فى بسط سيطرتها، ويرجع الفضل أولًا وأخيرًا إلى شهداء الجيش والشرطة والمدنيين الأبرياء الذين ضحوا من أجل مصر المعنى والمكانة، لم نشعر أننا فى خطر، المقاهى والمطاعم والمحلات عامرة إلى وقت متأخر من الليل، وأيضًا مسرح قصر الثقافة الجميل الذى احتضن فعاليات المؤتمر. تناولت الأبحاث محورين، الأول عام، تناول فيه أنور فتح الباب الأدب وتأصيل الهوية الوطنية، وتناول عاطف عبدالرحمن أدب المقاومة فى الإقليم، وتناول الشاعر والباحث القدير مسعود شومان الأدب الشعبى وتحولات الثقافة، المحور الثانى من الأبحاث سلط الضوء على الإبداع فى الإقليم، فكتب حاتم مرعى عن شعر العامية، وكتب عمر شهريار عن شعر الفصحى، وكتب محمد السيد شوشة عن السرد، ومن الأعمال المهمة أيضًا بحث مسعد أبوبدر عن الأسطورة فى أدب البادية، وما كتبه سالم شبانة عن الشاعر الراحل أشرف العنانى، بخلاف شهادات عدد كبير من الأدباء، أنت أمام حالة ثقافية حقيقية، توجد رغبة حقيقية لإنجاح المؤتمر، من القائمين عليه ومن المشاركين، من الباحثين والشعراء والنقاد، الأطفال قدموا عروضًا مبهجة أمام القصر فى الشارع، الأمسيات الشعرية احتفت بكل أشكال الكتابة، وكان حضور شعر البادية لافتًا، الفرقة الشعبية للمدينة صنعت حالة جميلة جعلتنا نتسمر فى أماكننا، عمل احترافى بديع، كل هؤلاء عبروا عن موقفهم من الصراع بالغناء الشعبى والرقصات الفلكلورية المرتبطة بالمكان، ومن المفاجآت السارة أيضًا عرض فيلم المخرج عاطف شكرى «الشهيد» المأخوذ عن كتاب لمحمد نبيل الكاتب والمؤرخ العسكرى، ورئيس الإدارة المركزية لإقليم القناة وسيناء، الذى لعب دورًا كبيرًا فى نجاح المؤتمر، الفيلم صور بطولات ثلاثة من الشهداء «اثنين من الجيش وواحد من الشرطة»، الفيلم مؤثر ولم يتمالك الحضور أنفسهم وتساقطت دموعهم بغزارة، الفيلم سجل مع أهل الشهداء الذين التقاهم السيد الرئيس، فيلم لا أعرف لماذا لا يعرض فى التليفزيون؟، فيلم جيد من إنتاج المركز القومى للسينما، وأعتقد أن إتاحته للجمهور العام ستترك أثرًا لن ينسى، تعرفت إلى مبدعين كبار باعدت بيننا المسافات، والتقيت أصدقاء رائعين باعدت بيننا مشاغل الحياة، وزرت الشاعر الكبير والصديق سامى سعد، الذى عرفنى على مدينته ودهاليزها وتاريخها، سامى سعد من أحب الشعراء إلى قلبى، وسعدت أيضًا بلقاء أبنائه الثلاثة الرائعين، وتعرفت على تواريخ منسية عن سيناء الحبيبة من الصديق حسونة فتحى، غمرنى الصديق الروائى عبدالله السلايمة، أمين عام المؤتمر بمودته، وبالطبع لن ينسى المشاركون كرم وإخلاص مدير الشئون الثقافية للإقليم حنان مرعى، نجح المؤتمر لأنه كان ينبغى أن ينجح، ولكى يبعث برقية من كلمة واحدة، هى: انتصرنا.