رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحاقدون على حضارتنا المصرية

كان موكب المومياوات الملكية حدثًا عالميًا يفخر به كل مصرى، وتتشرف به الدولة المصرية، وأقيم من أشهر، تحديدًا يوم السبت ٣ أبريل ٢٠٢١، وتضمن الموكب مغادرة ٢٢ مومياء ملكية المتحف المصرى الكائن بميدان التحرير وسط العاصمة المصرية القاهرة إلى موقعها الجديد شرق القاهرة بالمتحف القومى للحضارة المصرية بالفسطاط.

ثم تكرر دولتنا الاحتفال بإنجاز كبير آخر وهو إنهاء طريق الكباش المقدس عند أجدادنا منذ آلاف السنين، وهو طريق يربط بين معبد الكرنك الشهير ومعبد الأقصر الذى قدسه أسلافنا المصريون العظام قرونًا طويلة، وكما نعلم لكل عصر مقدساته ومعتقداته.

وكم أسعدنى كلا الحفلين، ونطالب بالمزيد من تلك الاحتفالات التى تروج للسياحة وتُعلِمُ القاصى والدانى عظمة مصر وحضارتها وإسهاماتها فى تاريخ البشرية قديمًا وحديثًا.

ولكن ما لبث الإعلان عن حفل موكب المومياوات حتى تعالت عقيرة أصوات الجهل والكراهية بسب وقذف الدولة المصرية قديمًا وحديثًا.

ثم يتكرر المشهد بكل ما فيه من بغضاء وحقد، مرة أخرى، عند الإعلان عن إنجاز طريق الكباش، الذى بدأ العمل عليه من منتصف القرن العشرين من أيام الملك فاروق وتتابعت على إنجازه عشرات الحكومات المصرية بنشاط وفتور، حتى اكتمل المشروع فى ٢٠٢١، وقام رئيس مصر شخصيًا بالإشراف على إنهائه مع الحكومة الحالية، وجاء الحفل مشرفًا لمصر شعبًا وحكومة ورئيسًا، وتصدر المحتفلين الرئيس عبدالفتاح السيسى فى إشارة لأهمية حضارتنا وفرعونيتنا وثقافتنا الأصيلة.

وهنا يتبادر سؤال: لماذا هذا الكره والحقد على حضارة مصر القديمة ودينها الذى تشدقت به عشرات المنصات المبغضة لواحدة من أعظم الحضارات التى قامت على كوكب الإنسان؟

معظم النقد موجه للحضارة القديمة، لكونها حضارة وثنية لا ينبغى لنا الاحتفال بها، فهل هذا حقيقى أم أن وراء الأكمة خبايا وضغائن خفية؟

حقيقة الأمر لا توجد وثنية أو ما يسمى بدين وثنى، فلا يوجد دين يسمى نفسه الدين الوثنى، ولكنها عبارة لاكتها الألسن بالعصور الوسطى سبًا وقذفًا لأديان العالم القديم التى لم يعرف الإنسان غيرها.

والسبب فى ذلك هو شيوع الرموز الدينية التى تشير للسماء وربها أو أربابها وتقديس بعض الأماكن واتخاذها قبلة للصلاة لهذا الإله أو ذاك، حسب كل طائفة ومذهب من أديان العالم الكثيرة جدًا، وحتى التماثيل التى يتشدق البعض بكونها وثنية صريحة ليست كذلك، بل هى رمز، فلا يعقل أن يعتقد المصرى القديم أو غيره أن ربه قطعة من الحجر أو الخشب، بل هى رمز الإله رع أو آمون أو إيزيس أو غيرها من آلهة التاريخ الكثيرة، وليست هى عين الرب أو الربة، وكذلك الرب زيوس اليونانى والرب جوبيتر الرومانى والرب إنليل العراقى والرب بعل الكنعانى وغيرها.

فكلها رموز كالأيقونات والمحاريب والقبلات المقدسة التى اتخذتها الأديان الوسيطة والحديثة، ويحكى القرآن الكريم عن النبى والملك سليمان أنه كان يصنع أو تُصنع له التماثيل، فكان ذلك مقبولًا وشائعًا ولعل سذاجة وجهل بعض الشعوب هما ما دفع المشرّع لتحريم التماثيل؛ لتعلق الشعوب البدائية الساذجة الجاهلة الأمية بها، فكان ذلك خلاف الأصل الذى عرفته الحضارات العريقة الراسخة.

وبعد أن نفينا تهمة الوثنية المكذوبة التى يشيعها أعداء الحضارة والتقدم لتشويه حضارات العالم القديم؛ من أجل تعصب بغيض لحضارات أخرى لا تساويها أو تكافئها، منطلقين فى ذلك من تفكير أصولى قائم على عقيدة خبيثة لبغض المختلف وتحقيره وشيطنته.

بعد نفى ذلك نكتشف أن أساس بغضهم مصر القديمة العظيمة وحضارتها ودينها أنه لم يكن دين كراهية فيه البغض والتبرؤ ممن لا يؤمن به المصرى القديم، وليس كدينهم المشوه القائم على العنف والتحريض عليه وشيطنة وتسخيف وتحقير من لا يؤمن بما يؤمن به الأصولى المتطرف، وتتم تنحية أى وجه جميل متسامح لأديان المنطقة الإبراهيمية من يهودية ومسيحية وإسلام، وكل دين من تلك الأديان العظيمة له المئات من المذاهب والفرق والجماعات التى فيها الخيِّر الجميل، وللأسف الكثير من الشرير العنيف عالى الصوت يشوه مصرنا القديمة ويجهلها ويريد الدمار لمصرنا الجديدة ويتربص بها.

فمن يعتقد بدين الحب والجمال يحب الظاهرة الدينية والحضارية، ويحاول أن يجعلها أكثر حبًا وودًا وجمالًا وصداقة للإنسان والبيئة.