رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سنوات الفرص القادمة

كثيرًا ما نتحدث عن سنوات الفرص الضائعة، متباكين على اللبن المسكوب، ولكن فضلت اختيار هذا العنوان، الذى يحمل بين طياته عطر الأمل، والبحث عن رياح التغيير، فى وقت يدور فيه سؤال: متى نكون فى مصاف الدول المتقدمة، التى يتمتع فيها المواطن البسيط بمستوى دخل مرتفع يعوضه سنوات عجاف مرت؟ كان غياب الرؤية، مع انعدام القدرة على الإمساك بالفرص المتاحة من أجل المصلحة العليا للبلاد عنوانًا لها، حتى جاء الوقت لكى نخرج من عباءة ما مضى، ونبشر بمستقبل جديد مختلف، إذا ما خلصت النوايا، وصدقت العزائم، إن الفرص القادمة يجب أن تكون تعويضًا عن الفرص الضائعة، ومقدمة لغايات محددة وأهداف واضحة، وذلك فى ظنى، والذى يصل إلى حد ومعنى اليقين، يعتمد على المؤشرات الآتية.
أولًا: إن لدى مصر مستودعًا بشريًا معاصرًا، فضلًا عن عبقرية الزمان والمكان وشعب يتأقلم مع كل الظروف المحيطة، ويلقى حبال المودة والمحبة لكل من يلتقطها، وقد أسهم كثيرًا وأنشأ البنية الأساسية لكل من استدعاه عربيًا وإفريقيًا، وقد آن الأوان للتركيز أكثر مع مواردنا البشرية، وعدم تقليد الآخر والنقل عنه، ولا شك أن التعددية الحضارية تجعل من هذا الوطن بلدًا يحتوى على كل الفرص القادمة.
ثانيًا: التدريب المهنى واستعادة الحرف المصرية التقليدية لمكانتها القديمة لا غنى عنه للولوج إلى طريق المستقبل، وبناء الجمهورية الجديدة، مع التحول السريع من المشروعات طويلة المدى إلى الاستثمارات والمشروعات صغيرة ومتناهية الصغر لنرى فى القريب العاجل «صنع فى مصر» تملأ الأسواق، محليًا ودوليًا. 

ومن صور الفرص الضائعة، التى نتمنى ألا تتكرر فى أى مجال، أن حضر القنصل العام لدولة كوريا الجنوبية وطلب رفع التمثيل بين الدولتين إلى سفارة مقابل منحة مالية قدرها ٥٠٠ مليون دولار، بفائدة واحد من عشرة بالمائة، مع توفير قطعة أرض مساحتها «١٠٠٠» فدان فى الصحراء لإقامة مركز للتدريب المهنى على مستوى الشرق الأوسط وربما العالم، لأن العامل المصرى مقبول فى أغلب الدول، وسوف يكون لدولة كوريا نسبة محددة من عائد العمالة المصرية، وكان الرد بالرفض، والسبب عجيب، بدعوى مجاملة كوريا الشمالية التى ساعدتنا بقطع غيار الطائرات فى حرب ١٩٧٣، الأغرب أننا أقمنا العلاقات الدبلوماسية الكاملة بعد ذلك بسنوات قليلة، ودون مقابل!!.
ثالثًا: يندهش كثير من الخبراء والمراقبين من التركيبة المصرية لبلد فيه كل مقومات النجاح، ورغم ذلك فكثيرًا ما يتجمد ويتراجع، ورغم تعرض البلاد لكثير من الضغوط، فضلًا عن استهداف إقليمى ودولى يحاول تطويق مصر مدفوعًا بغيرة مكتومة، وحقد لا مبرر له، ومصالح من طرف واحد، ولكن كل هذا لا يمنع أننا ما زلنا مقصرين فى استغلال مواردنا الطبيعية والبشرية على أكمل وجه، وإذا كانت القيادة السياسية قد نجحت وبجدارة فى تشييد البنيان، فإن عليها أن تتجه أكثر إلى بناء الإنسان.