رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

3 أيام فارقة فى قضية سفاح الإسماعيلية

جملة من مشاعر الغضب والسخط والاستنكار سيطرت علينا جميعًا بسبب جريمة القتل البشعة التي حدثت أخيرًا في مدينة الإسماعيلية، فبلادنا مهما شهدت -مثل غيرها من الدول- من تغير في أشكال وأساليب جرائم العنف، إلا أنها تظل محكومة بأعراف وقيم أساسها التسامح وجوهرها الدين والرحمة.

لذا فجعنا جميعًا بمشهد ذلك السفاح وهو يعتدي على المجني عليه بسكين جهارًا نهارًا في طريق عام ويفصل رأسه عن جسده ويمشي بها في الشارع!

وبعيدًا عن كل تفاصيل القضية ومسار التحقيقات وعملية الضبط، استوقفني دور النيابة العامة، فما قامت به لا يمكن أن يمر مرور الكرام على الإطلاق خصوصًا في ظل جسامة الواقعة وتأثيرها البالغ على الرأي العام المصري والعربي.

من دون مبالغة، ما فعلته النيابة العامة المصرية في هذه القضية غير مسبوق، وأجزم أن القائمين على التحقيق فيها لم يروا النوم، ليحققوا هذه النتائج، ويخففوا من حدة الغضب، ويهدئوا من روع أسرة فقدت عائلها بطريقة دموية لم نشهد لها مثيلًا في بلادنا.

ثلاثة أيام فقط - عزيزي القارئ -فصلت بين تاريخ الواقعة وضبط المتهم يوم 1 نوفمبر الجاري، وإحالته من جانب النيابة العامة إلى محكمة الجنايات يوم 4 نوفمبر ليواجه محاكمة مستعجلة.. ثلاثة أيام وليس شهرًا أو اثنين كما هو متوقع ومنطقي.

بصفتي رجل قانون، أؤكد لكم أن هذا أقرب إلى السحر، ولا أخفيكم قولًا إنني اعتقدت في البداية أن النيابة أسقطت بعض الإجراءات مراعاة لعامل الوقت، لكن بالتدقيق ومتابعة بيانات النائب العام المستشار الجليل حمادة الصاوي أدركت أن التحقيقات محكمة لدرجة مبهرة، فلا تكاد توجد ثغرة فيها.

لقد استدعت ودونت إفادات جميع الشهود سواء الرجلين المصابين الآخرين، وشهود العيان الذين حضروا الواقعة، واستدعت أم الجاني الذي اقترن اسمها بدوافع الجريمة، وقامت بتفريغ مقاطع الفيديو من ذاكرة كاميرات المراقبة التي وثقت الواقعة، وعاينت الموقع، وناظرت الجثة، وندبت الطب الشرعي وحصلت على تقرير يؤكد جواز حدوث الجريمة وفق التصوير الوارد في التحقيقات.

كما ندبت خبراء الأدلة الجنائية لفحص المتهم، وحصلت على تقرير يؤكد أنه كان تحت تأثير التعاطي الاختياري للمخدرات، وهذا بالمناسبة لمن لا يعرف القانون، ليس عذرًا على الإطلاق، بل إن تعاطي المخدرات يعد في مثل هذه الحالات ظرفًا مشددًا كونه عن علم وإرادة حرة.

وذهبت النيابة العامة إلى ما هو أكثر من ذلك فانتدبت لجنة من الخبراء النفسيين، حتى تحسم الجدل الذي دار حول الحالة النفسية للمتهم، وحصلت على تقرير يؤكد أنه لا يعاني من أي أمراض نفسية أو عقلية قبل أو أثناء الواقعة.

تخيلوا، كل هذه الإجراءات في ثلاثة أيام فقط، لتحيل المتهم من بعدها وبعد اكتمال التحقيقات إلى محكمة الجنايات، بتهمة القتل العمد المقترن بالشروع في قتل شخصين، بموجب نص المادة 234 الفقرة الثانية من قانون العقوبات، التي تنص على أنه "من قتل نفسًا من غير سبق إصرار ولا ترصد، يعاقب بالسجن المؤبد أو المشدد، ومع ذلك يحكم على فاعل هذه الجناية بالإعدام إذا تقدمتها أو اقترنت بها أو تلتها جناية أخرى".

رغم هول الفاجعة، إلا أن موقف النيابة العامة مهم ويحمل رسالة حاسمة وصارمة مفادها أن للعدالة يدًا طولى، فلم تترك المجال للقيل والقال والاجتهاد والجدل الذي دار من أول دقيقة تلت الجريمة!

والأهم من كل ذلك، أن النيابة العامة -بما قدمت من درس في الدأب والاجتهاد-أعادت الطمأنينة للمجتمع، والهدوء النفسي -حتى لو كان نسبيًا -للأسرة المكلومة، ورسخت لدينا قناعة بأن لا خوف في ظل قانون محكم ورجال أكفاء يقومون على تطبيقه.

وختامًا، يجب أن أثمن دور الذراع الإعلامية للنيابة العامة المصرية، فهى لا تترك مجالًا للتخمين أو الفبركة، من خلال إصدار بيانات دقيقة ومحكمة وبليغة، ليس في هذه القضية فقط، ولكن في كل ما يتعلق بهذه المؤسسة العريقة، ولا يمكن أن تتخيلوا أهمية هذا الدور الذي يؤدى بشفافية وصدق يعكسان استراتيجية مستنيرة يتبناها نائب عام استثنائي.

  • محامٍ بالنقض ومستشار قانوني أول بدبي