رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل الإسلام السياسى مؤامرة؟

قبل الإجابة عن ذلك السؤال، هيا نحاول أن نعرف «الإسلاموية» أو تيارات الإسلام السياسى المتعددة التى رغم اختلافاتها وتناقضاتها العديدة نستطيع القول إنها جميعًا تجتمع حول محاولة تسييس وأدلجة الإسلام.

فالإسلاموية أو تيارات الإسلام السياسى جميعًا تتمحور حول مقولة جوهرية واحدة مفادها: أنه علينا حمل المجتمعات بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة على العودة لنموذج متخيَّل طاهر مثالى حدث فى التاريخ، وأن إعادة ذلك النموذج سيؤدى بمجتمعاتنا إلى التقدم والرخاء والرفاه، وسنكون سادة لكوكبنا الأزرق كوكب الإنسان وأساتذة للعالم ومهيمنين عليه إذا فعلنا ذلك. 

وهنا تتبادر إلى الذهن مجموعة من الأسئلة المشروعة البديهية وأولها سؤال: هل هذا الزعم صحيح؟

ونحاول الإجابة ونقول إن وجود نظام تاريخى مثالى طاهر هو كذبة كبرى، ولعله الأقرب للحقيقة وجود نظم فى التاريخ الإنسانى كانت بنت ظروف ووقائع تاريخية غير قابلة للتكرار، ولم يكن أبدًا أى منها عصرًا مثاليًا، كما يدعى هؤلاء المسيسون للإسلام، بل كانت عصور فتن وحروب ودماء، فيها شرور كثيرة، وخير كثير كسائر التجارب الإنسانية، ولكن العقل المؤدلج المتحيز يحاول اختزال التجربة فى يوتوبيا متوهَّمة تحذف جرائم تلك الفترة، وتتجاهل وضعية المواطن العادى بتعمد يزيف التاريخ والوقائع.

والسؤال الثانى: هل هذه الفكرة الكارثية التى أدت لفساد وقتل وجرائم وإرهاب مستفحل فى عديد من دولنا.. هل كان نشرها فى العقل العربى الحديث بريئًا عفويًا أم وراءه أيدٍ خفية؟

وهنا يجدر بنا وضع ملاحظة قبل الإجابة عن هذا التساؤل المهم أن أغلبية التيارات الدينية تعيش فى نظرية المؤامرة واتهام كل المخالفين لها بأنهم عملاء للصهيونية العالمية والماسونية الدولية والحركات الصهيو صليبية، وغير ذلك من خيالات تعبر عن عقل متأزم شاك غارق فى الخرافة واللاواقعية والاتهام بلا دليل من ناحية، ومن ناحية أخرى قد يكون هذا الخيال إسقاطًا لبعض آفات وعمالة بعض هؤلاء المتأسلمين لجهات لا تريد لدولنا سلامًا ولا أمنًا ولا تقدمًا عقلانيًا إنسانيًا، وما هم إلا كما قالت العرب رمتنى بدائها وانسلت.

وبعد تأمل تلك الملاحظة المهمة من وجهة نظرى نقول إن ظاهرة أدلجة الإسلام وتسييسه أسهمت فى المزيد من التخلف والإرهاب وعدم الاستقرار، ورفض مفاهيم الدولة الحديثة، ما أدى بدولنا العربية إلى مزيد من التخلف والخرافية واللا إنسانية واللاعقلانية. 

وهذا يفرح الجهات التى لا تريد لدولنا النهوض والتقدم، لا أقول نهوضًا كدول الغرب التى سبقتنا بقرون، ولكن كدول آسيوية وإفريقية ولاتينية سبقتنا بعد أن كنا أكثر تقدمًا منها. وصفوة القول إن أدلجة الدين ومحاولة إعادة إنتاج أفكار العصور الوسطى بحلوها ومرها، أو حتى محاولة إحياء العصور القديمة للمصريين القدماء والسومريين والبابليين رغم كونها أكثر إنسانية من العصور الوسطى إلا أنها محاولات مستحيلة تؤدى بنا إلى مزيد من التخلف واللا إنسانية والخروج عن مسيرة الجنس البشرى وتبعدنا عن التقدم المادى والمعنوى واستبدال الذى هو أدنى بالذى هو خير.

فأدلجة الدين مشروع مفيد للجهات التى لا تريد لنا تقدمًا واستقرارًا، بل تريد تفرقًا ودمارًا سواء كان ذلك بعمالة مباشرة من هؤلاء المتأسلمين وأشباههم من كل طائفة ونحلة، أو كان بتشجيع خفى لهذه التيارات المريضة بالماضى الموهوم فلاحه من أعداء شعوبنا ودولنا الحديثة الوطنية، أو كان بضحالة بعض العقول من أبناء جلدتنا الذين يتكلمون بألسنتنا، ويتخيلون أنهم مُلَّاك الحقيقة المطلقة، وهم بُعداء عنها بُعد المشرقين.

وأخيرًا نقول إن تلك التيارات لعنة، سواء كانت بتدبير خارجى أو داخلى، ففى كل الأحوال تؤدى بنا إلى مزيد من الخرافية والبُعد عن العقلانية والعلمية وانتشار عيادات الطب الخرافى، وتسخير العفاريت، والزعم بأن بعض التمائم والأقوال ذات طبيعة سحرية تغير الواقع كذبًا وزورًا، ولعل الخرافية هى الخطر الأقل. 

فالخطر الأكبر المدمر لمجتمعاتنا هو زعمهم وهمًا وافتراءً بأنهم ملاك الحقيقة المطلقة، ما يدفعهم لسفك الدماء وقتل المواطنين الذين يخالفون أوهامهم وخرافاتهم، وتطبيق قوانين القرون الوسطى البغيضة التى تبيح قتل المختلف أو المرتد أو المبتدع أو المهرطق، ويتبعون فى ذلك وسائل وحشية كالحرق وغيره من أشكال تجاوزها الجنس البشرى كله إلا بعض ذوى النفوس المريضة المجرمة. ويلزمنا جميعًا مواجهة هؤلاء المشوِّهين للمجتمع والدين بثورة فى الوعى والثقافة وتعليم أبنائنا وبناتنا التفكير النقدى، ودون ذلك سنظل فى تلك الحلقة المفرغة التى تدمر مجتمعاتنا.