رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أيها العالم الجميل.. أين أنت؟

 

السؤال، أو العنوان، من قصيدة كتبها الشاعر والفيلسوف الألمانى فريدريش شيلر، وقام الموسيقار النمساوى فرانز شوبرت بتلحينها، سنة ١٨١٩. والسؤال نفسه، اختارته الكاتبة الأيرلندية سالى رونى عنوانًا لروايتها، التى صدرت الشهر الماضى، وتصدّرت قوائم الكتب مبيعًا، فى الولايات المتحدة وبريطانيا وأيرلندا. ثم تزايد الاهتمام بها، وتحول التهليل لها إلى انتقادات حادة، بعد أن رفضت «رونى» بيع حقوق ترجمتها لدار نشر إسرائيلية!

رواية «أيها العالم الجميل.. أين أنت؟»، هى ثالث روايات «رونى»، Sally Rooney، بعد «محادثات مع الأصدقاء»، التى صدرت سنة ٢٠١٧، و«أناس عاديون»، التى كانت فى القائمة القصيرة لجائزة «مان بوكر»، سنة ٢٠١٨، ونالت عددًا من الجوائز، وباعت أكثر من مليون نسخة، وتحولت إلى مسلسل تليفزيونى، تم عرضه فى أبريل ٢٠٢٠ وحقق نسبة مشاهدات عالية. ومنذ أيام، ذكرت دار نشر «مودان» الإسرائيلية، أنها تواصلت مع وكيل الكاتبة من أجل ترجمة أحدث رواياتها، إلا أن الأخيرة رفضت، بسبب تضامنها مع حركة مقاطعة إسرائيل.

الكاتبة الأيرلندية الشابة، المولودة فى ٢٠ فبراير ١٩٩١، قالت، فى بيان، إنها لا تستطيع التعاون مع شركة ليس لديها موقف واضح ضد العنصرية، ولا تدعم حقوق الشعب الفلسطينى، التى نصت عليها الأمم المتحدة. وأوضحت أن الممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين تتوافق مع تعريف القانون الدولى للفصل العنصرى، وتتطابق مع سياسة التفرقة والتمييز التى طبقتها الأقلية البيضاء الحاكمة بين عامى ١٩٤٨ و١٩٩١، ضد الأغلبية السوداء فى دولة جنوب إفريقيا. 

الاتهام بـ«معاداة السامية» كان جاهزًا، وأطلقه ناشمان شاى، أكبر وزراء الحكومة الإسرائيلية سنًا،٧٥ سنة، فى حسابه على تويتر، واصفًا «رونى» ومن ينحو نحوها بـ«سوء السلوك». كما رأى الكاتب البريطانى كريستوفر هارت أن «الكاتبة الماركسية البذيئة سالى رونى ترفض ترجمة روايتها الجديدة إلى العبرية بسبب معتقداتها اليسارية حول إسرائيل، ولكنها سعيدة جدًا برؤيتها تُباع فى الصين القمعية»، وتحت هذا العنوان الطويل، وصف المذكور الروائية الشابة، فى مقال نشرته جريدة «ديلى ميل»، الأربعاء الماضى، بأنها «دنيئة وفاقدة للمصداقية»، وأن لديها وجهة نظر «قبيحة ومتحيزة» ضد «واحة الديمقراطية فى الشرق الأوسط»!

مع اتساع دائرة الهجوم، وتكرار اتهامها بـ«معاداة السامية»، أصدرت «رونى» بيانًا ثانيًا أوضحت فيه أنها لا ترفض ترجمة روايتها إلى العبرية بشكل مطلق، بل سيسعدها أن تتلقّى عرضًا من دار نشر غير إسرائيلية وتشاركها موقفها السياسى. غير أن هذا البيان لم يخفف من حدة الهجوم، الذى امتد ليشمل حركة مقاطعة إسرائيل، بى دى إس، التى تطالب بمقاطعة الشركات، التى عملت أو دعمت أو تربَّحت من المستوطنات الإسرائيلية فى الأراضى المحتلة، استنادًا إلى مخالفة تلك المستوطنات للقانون الدولى، وانتهاكها لقرارات أممية عديدة.

يُحسب لـ«رونى»، أيضًا، أنها كانت واحدة من الكتاب والمثقفين الذين أدانوا العدوان الأخير على قطاع غزة، واتهموا إسرائيل، فى بيان، بالفصل العنصرى ودعوا إلى عزلها دوليًا، وطالبوا حكومات دول العالم، خاصة الإدارة الأمريكية بالتوقف عن تقديم الدعم لإسرائيل وجيشها، وقطع علاقاتها التجارية والاقتصادية والثقافية معها. ومع ذلك، قوبلت الكاتبة الشابة، رواياتها ومواقفها، بتجاهل، شبه تام، من وسائل إعلام عربية، تبالغ فى الاحتفاء، مثلًا، بنجمة هوليوود الصغيرة سكارليت جوهانسون، الداعمة للعدو الصهيونى والمدافعة عن سياسة الاستيطان، والتى قامت بالترويج لمنتجات شركة إسرائيلية، لديها مصنع فى مستوطنة بالضفة الغربية المحتلة!

.. أخيرًا، وبرفضها ترجمة روايتها فى إسرائيل، نرى أن الكاتبة الأيرلندية الشابة وجّهت، دون أن تقصد طبعًا، صفعة قوية لعلاء عباس الأسوانى ويوسف زيدان الإسكندرانى وأمثالهما. وهنا، قد تكون الإشارة مهمة إلى أن الأسوانى، حين حاول التنصل من المسئولية وتحميلها لناشره «الأمريكى»، أكد تقرير نشرته جريدة «معاريف»، أن دار النشر الإسرائيلية «كينيريت زمورا دفير» لديها موافقة رسمية منه على ترجمة وطباعة وتسويق وتوزيع رواية «عمارة يعقوبيان» فى إسرائيل. وتأكدت تلك المعلومة، بعد سنتين، بصدور الطبعة العبرية من رواية الأسوانى الأحدث «نادى السيارات»، عن دار النشر الإسرائيلية ذاتها!