رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى دولة الأيام.. أحداث ظلمها تاريخها



هناك أحداث تقع يكون لها ما بعدها وتظل عالقة في الأذهان لأهميتها أو لعظم النتائج المترتبة عليها، ففي التاريخ الإنساني والوطني من الأحداث ما أجمع الناس على أهميته، بحيث لا يكاد يختلف اثنان على تأثير هذا الحدث أو ذاك سواء على مستوى الوطن أو الإنسانية كلها، ويكاد هذا الحدث أن يطغى على غيره من الأحداث التي وقعت في مثل ذلك اليوم ولا أجد مبررًا لأي اندهاش من هذا، فحتى على مستوى الأفراد نجد أحداثًا بعينها في سيرة كل فرد وذاكرته تظل لها الأولوية والاهتمام وتبقى دائمًا في بؤرة تفكيره وذاكرته مهما مرت عليها الأيام ومهما توالت عليها الأحداث.
فمن يتذكر مثلًا يوم رحيل رئيس الأركان المصري السابق خلال حرب أكتوبر الفريق سعدالدين الشاذلي الذي يوافق الحادي عشر من فبراير عام 2011، وهو ذات اليوم الذي بلغت فيه أحداث الحراك الشعبي في مصر ذروتها قبل ساعات من إعلان السيد عمر سليمان تنحي الرئيس الأسبق مبارك، وفى أوائل شهر سبتمبر سنة 1923 ذهب سيد درويش إلى مسقط رأسه بالإسكندرية لترتيب استقبال عودة الزعيم سعد باشا زغلول من المنفى، إلا أنه بحلول يوم 9 سبتمبر رحل سيد درويش عن عمر يناهز الـ32 عامًا بشكل غامض ومفاجئ، وبعدها بعدة أيام عاد الوفد المصري بزعامة سعد زغلول ومرافقيه من منفاهم في مالطا إلى البلاد، فطغى هذا الحدث بزخمه وأهميته على الرحيل المفاجئ لفنان الشعب سيد درويش.
ويوم - مثلًا - كيوم العبور المصري العظيم يمر كل عام ويظل هذا الحدث هو الأهم والأبرز والأكثر احتفالًا على مستوى الأفراد وفي دوائر الاهتمام الوطني سواء بالمؤسسات الإعلامية أو الثقافية أو غيرها، وكيف لا يكون كذلك وهو يوم فاصل أعاد بوصلة التاريخ الحضاري للعالم إلى حيث اتجاهها الصحيح، ولكن مع انشغالنا كل عام - وهو انشغال وانخراط في الحدث أثني عليه وأطالب بالمزيد منه - فإن أحداثًا أخرى مرت على هامش اليوم تصبح أقل أهمية وربما ينشغل الناس عن تذكرها - إلا في دوائر اهتمام أقل.
ففي يوم السادس من أكتوبر وعلى مدار الشهر ذاته مرت أحداث أخرى شهدها التاريخ قبل عام 73 وبعده، ولكن لعظمة الحدث وجلال النصر، فإنه يبقى الأهم ولا تحظى غيره من الأحداث بأي قدر من الاهتمام الذي يناله احتفال المصريين والعرب بذكرى العبور العظيم، فقليلون هم الذين يذكرون أحداثًا أخرى بارزة وقعت في مثل هذا الشهر من بينها رحيل الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد عام 2012، وكذلك حدث في ذات اليوم من عام 1994 أن حشد العراق قواته حاول إعادة احتلال الكويت، لولا تصدي المجتمع الدولي لتلك المحاولة ما انتهى بها إلى الفشل.
وهناك حدثان ارتبطا باسم صانع نصر أكتوبر العظيم الرئيس الراحل محمد أنور السادات وقعا في ذات التاريخ الذي نحتفي فيه بذكرى النصر العربي الأعظم في التاريخ الحديث، ففي مثل تلك الأيام التي ارتبطت بقراره التاريخي بتحريك القوات المصرية للعبور العظيم حدث أن نال السادات جائزة نوبل للسلام عام 1978، كمكافأة إنسانية على تحركه الشجاع بأخذ المبادرة والتحرك في اتجاه عداء تاريخي حصد آلاف الأرواح وأهدر فرصًا حقيقية للتنمية والبناء والتعمير، ويلعب القدر لعبته إذ يختار المولى عز وجل أن تصعد روح البطل العظيم في ذكرى يوم انتصاره ويكون يوم السادس من أكتوبر هو ذات اليوم الذي اغتيل فيه عام 1981، فيما يعد فصلًا بارزًا من فصول لعبة الأيام.
وفي هذا يقول المولى عز وجل: «وتلك الأيام نداولها بين الناس»، وتلك آية حكيمة تلخص في كلمات بليغة سيرًا طويلة لأمم وأشخاص وروايات وأحداث عبرت في ذات الأيام، ولكن نفس الأيام التي قد تمر عليك وتتركك هانئ البال سعيدًا وتترك غيرك حزيًنا حيران آسفًا، قد تعود تلك الأيام وينقلب فيها الحال، فيصبح الحزين سعيدًا والمظلوم منتصرًا وهو المعنى الذي أفرد له المحامي الكبير والمفكر الوطني رجائي عطية كتابًا كبيرًا تجاوز الأربعمائة صفحة يحمل ذات الاسم "دولة الأيام"، ويقدم فيه نماذج ورؤية واعية لهذا التداول، وليس أبلغ من بيت شعري قديم أتذكره لشهرته قاله الشاعر العربي الرُّنْدِي يقول فيه: "هي الأمُورُ كما شاهدْتها دُوَل.. مَنْ سَرَّه زمنٌ ساءته أزمانُ" وفي مسألة الأحداث وعلاقتها بالتاريخ مجال كبير للأخذ والرد أبرزها السؤال الجدلي: هل التاريخ يعيد نفسه؟ وهذا سؤال يحتاج مزيدًا من الشرح والتعليق فيما لا يتسع المجال له في هذا المقال.