رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لا هوان ولا تهاون

أثناء سيره بين أقرانه، طلاب معهد التربية بأحد شوارع منطقة الزمالك، فوجئ الطالب إسماعيل خلوصي بعضة خلفية مباغتة أصابه بها كلب حراسة هاجمه على حين غرة، بعد أن وثب باتجاهه، من فوق أسوار إحدى الفلل!
كانت العضة موجعة .. ومن فرط إيلامها توجه الطالب على الفور إلى أقرب نقطة للشرطة، من أجل تحرير محضر شكاية بحق أصحاب الفيلا التي انطلق من حديقتها الكلب، والتي تبين فيما بعد أنها مملوكة للسيدة أم كلثوم، وهي نفسها صاحبة الكلب!
قامت الدنيا قليلاً ثم قعدت، أخذت الأحداث في التصاعد ثم ما لبثت أن هدأت، فالشاب المعضوض طالب غلبان من عوام الناس، والكلب العضاض مملوك للست كوكب الشرق، سيدة الغناء العربي وهي من هي.
ومن ثم، فقد تم حفظ التحقيق "لأن الخدمات التي أدتها أم كلثوم للدولة، كفيلة بأن تعفيها هي وكلبها من المسئولية الجنائية، وفق ما ذكر في حيثيات الحفظ".
ليس هذا فحسب، بل إن أخانا إسماعيل، أدلى بعدة أحاديث صحفية، أعرب خلالها عن سعادته البالغة بأن اختاره "كلب الست" من بين كل زملائه ليعضه هذه العضة المعتبرة، ويحدث به كل تلك الإصابات، التي وردت ضمن تقرير القومسيون الطبي!
الواقعة حقيقية، حدثت هنا في مصر في أوائل الستينيات، كنت قد قرأت عنها، وتذكرتها فقط  بالأمس عند مشاهدتي للمقطع المتداول، والذي يصورإهانة طبيب لممرض، وإجباره علي الاعتذار لكلب!
أقول وأصدقكم القول ..
أنا لم أتوقف طويلاً أمام الفيديو على الرغم من بشاعته، وكل مشاعر الغضب، والحنق، والاستياء، والاشمئزاز التي انتابتني، لم تضف إلى نفسي أيًا من مشاعر الضيق، لأن لديّ منها ما يكفيني وزيادة!
ما وقفت أمامه بعمق، وتأملته بتأنٍ، هو طريقة التعامل وسرعة التفاعل التي تمت بخصوص الفيديو، على كل المستويات وكافة الأصعدة، الجميع قد استنفر، كل في مجال اختصاصه!
معالي النائب العام يأمر بالتحقيق، الأجهزة الأمنية تتحرك للتأكد من صحة الواقعة، وزير التعليم العالي يوجه بسرعة الإحالة للتحقيق الفوري، ووزيرة الصحة تقرر تشكيل لجنة مكبرة من الإدارة المركزية للمؤسسات العلاجية غير الحكومية والتراخيص للتحقيق فيما حدث، أعضاء مجلس النواب يطالبون بفتح تحقيق عاجل بخصوص الواقعة، جامعة عين شمس تحيل الطبيب المعني لتحقيق عاجل، ونقابة الأطباء تعرب عن استيائها، وتحيل الطبيب نفسه إلى لجنة آداب المهنة ...
نعم ... لقد حدث كل هذا، وربما ما هو أكثر بعد سويعات قليلة من انتشار الفيديو!
أنا لا يعنيني هنا هل كانت الواقعة قديمة أو حديثة،  كما لا يهمني إن كانت قد حدثت داخل مستشفى حكومي أو في عيادة خاصة!
لم ألتفت كثيرًا إلى طريقة حديث الرجل عن كلبه، والتي تذكرني بواحد من أسوأ الأفلام التي شاهدتها في عمري الفائت كله، فيلم كان اسمه " السيد كاف" أنتجه بنفسه ولنفسه المخرج صلاح أبوسيف سنة ١٩٩٤، وكتب هو في مقدمته هذا الفيلم تخريفة أخرى من تخاريف المخرجين!
كل تلك الأشياء لم تشغلني نهائيًا، لأن ما يهمني قد حصلت عليه، وهو أنه قد تأكد لي، أنه في جمهوريتنا الجديدة، لا هوان بحق ضعيف، ولا تهاون مع متجاوز...
في مصر السيسي ليس هناك أحد فوق القانون.
حفظ الله بلدي.