رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أنصار طالبان فى مصر

بعد عشرين عامًا من الوجود الأمريكي في أفغانستان، انسحب الأمريكان المحتلون الذين كانوا قالوا، في أوائل حملتهم العسكرية العاتية على جبال تورا بورا، إنهم جاءوا لتصفية الإرهاب الإسلامي (متمثلا في جماعة طالبان بالذات) وتجفيف منابعه، وتنظيف هذه المنطفة الملتهبة من العالم من خطر ممتد ومتشعب ومدمر.. ومع هذه الحجج القوية خضع العالم لمنطق الاحتلال، لم يكن للأمانة يستطيع إثناءه عما يريد، وصبر طويلا منتظرا نتائجه الإيجابية، وفي طريق الصبر لمس جهودا للأمريكان وأعوانهم الأوروبيين بالجبال الصعبة المهلكة، جهودا كأنها الحقيقة، انتهت بخلق نواة لنظام حكم طبيعي للبلاد.
لكن فجأة، قرر الأمريكان ترك أفغانستان لطالبان نفسها، قائلين إن الجيش الأفغاني الذي صنعوه ودعموه انهار، وإن طالبان جاهزة للحكم، وإن عليهم منحها فرصة جديدة!
مشهد المغادرة الأمريكية كان مهينا للغاية؛ فأعداد هائلة من الأفغانيين تعلقوا بالطائرات، محاولين الفرار، وقد قيل إن هؤلاء كانوا عملاء أمريكا، ويخافون من حساب الطالبانيين بعدهم، وقيل، وهو الأرجح غالبا، إنهم مواطنون أفغان لم يعاملوا الاحتلال بتة، لكنهم فضلوا الهرب على البقاء تحت حكم مجنون يرتدي عمامة الدين، وقد سقطوا من السماء صرعى في منظر عبثي بالغ الألم. 
لم نكن نحبذ الاحتلال الأمريكي لأفغانستان بالأساس، لكننا، كما سبق وألمعت، لم يكن بيدنا منعه؛ لأنه حشد الحشود المهيبة لمهمته، ودخل أفغانستان بثوب المدافع عن مصيره من العدم وعن مصائر الجميع التي تتضمننا؛ فوجد مددا دوليا معتبرا، ونال قبولنا في إطار مهمته المحددة وحدها!
بعد أن جرى الاحتلال فعليا، كنا نتمنى أن تنجح المهمة المؤيدة، بأقل خسائر ممكنة، ثم بعد أن يؤسس أصحاب المهمة الجليلة دولة مختلفة، دولة علم وعقل ونور، كنا نتمنى أن يتم الجلاء عن البلاد وتركها لأهلها الذين تكون أحوالهم تبدلت للأقوم.. كنا حسني النية بالتأكيد، أو نتوقع شرا لكننا لا نملك تصرفا مؤثرا أمام الموافقة العالمية الكاسحة لإنفاذه؛ فالأمريكان كانت لهم حسابات أخرى بالفعل، وكل من شاركوا كانت لهم حساباتهم الخاصة التي لا تراعي الآخرين، وإنما تتوخى طمأنة غيرها بدهاء، مرحليا، لتنفذ إلى أغراضها النهائية الأنانية بهدوء..
نتابع الموقف من كثب حاليا، ونترقب ما سيجري، إلا أن ما صدمنا، بعد عودة ذوي التاريخ الأسود للحكم هناك، اكتشافنا أن لهم أنصارا ببلادنا الطيبة، بلاد النيل والأهرام التي لم تكن يوما صحراء جرداء كصحاري الأغراب الأجلاف، بلادنا المتحضرة الموغلة حضارتها في التاريخ، صحونا واكتشفنا أن لهذه الجماعة المتطرفة في أفغانستان متعاطفين معها عندنا، لا يلتفتون إلى ماضيها المرعب ولا يمهلون أنفسهم وقتا كافيا لقراءة نواياها القادمة، هي هواهم بلا تفكير، وهم السذج المخدوعون وبقايا الحالمين بالخلافة البائدة ممن كنا قصصنا أجنحتهم التنظيمية لبؤس خواطرهم؛ فلننتبه يا بني الوطن!