رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«المستسلم للحلم».. حكاية القاضي محمود دياب عاشق المسرح

الكاتب المسرحي محمود
الكاتب المسرحي محمود دياب

رغم اعتلائه لمنصة القضاء، وتدرجه في السلك القضائي حتى وصل إلى منصب مستشار في مجلس الدولة، إلا أن المسرح كان العشق الأول للكاتب محمود دياب، والذي تحل اليوم، الذكري التاسعة والثمانين لميلاده.

 ولد “دياب” في مثل هذا اليوم من العام 1932، في مدينة الإسماعيلية، ورغم حصوله على ليسانس الحقوق ــ وهي الكلية التي كانت يتخرج منها السياسيين والوزراء ــ إلا أن حلم المسرح ظل الهاجس الذي يؤرقه ويطارده، حتى استسلم له أخيرا وكان من أبرز الكتاب المسرحيين وعلامة من علامات فن الكتابة المسرحية في حقبة الستينيات من القرن الماضي.

قدم محمود دياب العشرات من المسرحيات، والتي قدمها المسرح القومي، ومسارح الدولة بشكل عام، نذكر من بينها مسرحيات:"قرية ظالمة ــ  قصر الشهبندر- رسول من قرية تميرة ــ أرض لا تنبت الزهور - المعجزة  - البيت القديم - الزوبعة - الضيوف -البيانو - الغريب - ليالى الحصاد -الهلافيت -باب الفتوح -رجل طيب فى ثلاث حكايات"، وهي ثلاث حكايات منفصلة متصلة "رجال لهم رؤوس، والغرباء لا يشربون القهوة، واضبطوا الساعات".

وصف الناقد المسرحي الراحل الدكتور حسن عطية، أستاذ الدراما بالمعهد العالي للفنون المسرحية بأكاديمية الفنون، الكاتب محمود دياب بأنه: هو ابن الإسماعيلية المدينة التي ولد بها وأحبها، وهو ربيب القاهرة المحروسة التي عاش فيها وتعبد في محرابها، وهو المخلص لوطنه الذي كرس حياته كلها من أجل رفعته والحفاظ على كرامته وتقدمه، وهو المؤمن بالعروبة التي أزدهرت دعوتها في الستينيات، ورأى فيها أهم أبعاد الشخصية المصرية، فلم يتعلق بالبعد البحر متوسطي، ولم ينشغل بالبعد  الفرعوني، وظل يفتش في التربة المصرية وحكايات شعبها عن هذا البعد اللغوي والمعرفي الذي صبغ هذه الشخصية بصبغة خاصة، وراح بإبداعه الراقي يأمل أن يرتفع بوعيها لمصاف العدل والتقدم، مما فتح أبواب الإبداع أمام موهبته الفريدة، فكتب الرواية والقصة والمسرحية القصيرة والطويلة وأعد القصص السينمائية وشارك في كتابة السيناريو والحوار لقصصه وقصصه غيره.

ولفت "عطية"، إلى أن محمود دياب كان شاغله الأول في مسيرته الإبداعية هو التعبير عن الروح المصرية، فصاغ في الستينيات أعمالا روائية ومسرحية قدمت على مسارح الدولة، وشغلت الجمهور والحركة النقدية كثيرا، وتنقلت موضوعاتها بين أجواء المدينة وقضايا طبقتها المتوسطة وأجواء الريف وهموم أهله البسطاء، مقدما نفسه بنص (المعجزة) الذي لفت نظر بعض النقاد إليه بعد فوزه بجائزة مؤسسة المسرح والموسيقى عام 1969.

وفي سياق بحثه عن سمات الشخصية المصرية وفنون الفرجة عندها، التفت أفكاره بأفكار يوسف إدريس التي أعلنها نهاية عام 1963 بمقالاته الداعية إلى (البحث عن مسرح مصري / عربي)، وبمسرحيته الفريدة (الفرافير) 64، وكذلك دعوة توفيق الحكيم المنادى بالكشف عن (قالبنا المسرحي) المصري، المتضمن الحكاواتي والمقلداتي والمداح، وكذلك دعوات الناقد د. على الراعي للعودة لجذور فنون الفرجة الشعبية، مما حفز دياب لكتابة أصفى وأقرب النصوص الدرامية المحققة لهذه الدعوات، فكتب (ليالي الحصاد) التي أخرجها له د. أحمد عبد الحليم 1967 لفرقة المسرح الحديث.

وبعث فيها كاتبها ألاعيب التقليد الساخر من الصبية للكبار في حفلات السمر الريفية المصرية، مع استفادة من تقنية التمثيل داخل التمثيل الغربية، ملمسا في نصه على الفوارق الاجتماعية بين البسطاء والأعيان، ومستعيدا موقفة من المنسلخ عن جذوره، سواء بالهجرة من الحي الشعبي للحى الراقي (البيت القديم) أو من القرية إلى المدينة.

 كما هو الحال هنا مع بطل المسرحية "على الكتف"، وعلى يديه يتحول حفل السمر الريفي إلى مرثية تكشف عن حجم مأساة الفوارق الاجتماعية داخل القرية، وهو ما سيعاود طرحه بقوة في نصه  (الهلافيت) الذي أخرجه عام 1970 د. أحمد عبد الهادي، لفرقة كفر الشيخ المسرحية، وعرض لمدة ليلة واحدة في ساحة جرن كبير، ولم يقدم بالعاصمة، رغم تعدد تقديمه في المسرح الإقليمي، وقيمته الفكرية والجمالية التي قدمت مساحة جيدة للهلافيت للحضور والانتقال من السخرية اللفظية من شياطين القرية ومفسديها إلى التمرد وبزوغ شمس الثورة على من أذلوهم تاريخيا وواقعيًا، لقد صار هؤلاء الهلافيت هم أبطال المسرحية، والمتمنين السيطرة على (قعدة) السمر، بأمل أكبر في السيطرة على نظام المجتمع.