رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خطة بايدن.. كيف يؤثر الانسحاب الأمريكى من الشرق الأوسط على إسرائيل؟

خطة بايدن
خطة بايدن

خلال الأسابيع الأخيرة، أثار قرار سحب الولايات المتحدة الكثير من قواتها من الشرق الأوسط مخاوف لدى إسرائيل، خاصة أنه يمثل خطوة فى اتجاه تراجع أهمية المنطقة لدى إدارة الرئيس جو بايدن، كما أنه يأتى فى ظل بحث الحكومة الإسرائيلية الجديدة، برئاسة نفتالى بينيت، عن فتح صفحة جديدة مع الإدارة الديمقراطية فى واشنطن، بعد فترة من التوتر شهدها رئيس الوزراء السابق، بنيامين نتنياهو. 

وما بين تداعيات خطوة الانسحاب الأمريكية على أوضاع الشرق الأوسط، يهتم الإسرائيليون بما تعنيه هذه الخطوة بالنسبة للنفوذ الإيرانى، وبحث طهران عن امتلاك السلاح النووى، كما تجرى النقاشات حاليًا حول تأثيراتها على العلاقات مع الفلسطينيين، فى ظل الفتور الذى تبديه إدارة «بايدن» تجاه هذا الملف، وهو ما نستعرضه فى السطور التالية.

مخاوف فى تل أبيب من اتفاق ضعيف يسمح لإيران باستكمال مشروعاتها لإنتاج صواريخ بعيدة المدى

اهتم المراقبون فى إسرائيل، على مدار الأسابيع القليلة الماضية، بالتقارير التى تتحدث عن سحب الولايات المتحدة بعض قواتها من الشرق الأوسط، من السعودية والعراق والكويت والأردن، ومن بينها تلك التى كانت مسئولة عن بطاريات الدفاع الجوى «باتريوت»، ومنظومات الدفاع ضد صواريخ من نوع «THAAD».

ورغم أن القرار ليس جديدًا، فى ظل كون خروج القوات العسكرية الأمريكية من المنطقة كان أيضًا هدفًا لإدارة الرئيس الأمريكى، السابق دونالد ترامب، مع تحول مركز الاهتمام إلى مواجهة التحدى الصينى، إلا أن المخاوف بشأن تنفيذ هذه الخطوة ازدادت بشكل كبير فى إسرائيل.

فالحديث عن فك الارتباط الأمريكى بالشرق الأوسط فى عهد «ترامب» كان يستهدف تعزيز المحور المناهض لإيران فى المنطقة، وترسيخ أمن حلفاء أمريكا، فيما يأتى فك الارتباط فى عهد «بايدن» مختلفًا، خاصة فى مسألة الاتفاق النووى مع إيران، لأن خروج القوات يتزامن مع استهداف تحقيق اتفاق نووى مع طهران، يهيئ المناخ لمزيد من خفض مستوى التواجد الأمريكى فى المنطقة.

وتشير التقديرات فى تل أبيب إلى أن خطوة الخروج الأمريكى من الشرق الأوسط لن تشجع الرئيس الإيرانى الجديد، إبراهيم رئيسى، على اتخاذ موقف أكثر اعتدالاً فى المفاوضات على اتفاق نووى جديد، بل سيساعد على جرأة الإيرانيين بشكل أكبر.

وتؤكد التقديرات أن هناك فارقًا كبيرًا بين تنفيذ الخطوة الأمريكية فى عهد إدارتى «ترامب» و«بايدن»، وبالتالى تداعياتها، ففى حالة «ترامب» كان قرار تقليص القوات الأمريكية يرتبط بمزيد من الضغوط على إيران لدفعها إلى طاولة المفاوضات وهى ضعيفة ومستعدة لصفقة أفضل من تلك التى أبرمت فى عهد الرئيس الأمريكى الأسبق، باراك أوباما. أما فى حالة «بايدن»، كما يرى المراقبون فى تل أبيب، فإن الأمر يظهر كما لو أن الإدارة الحالية تريد أى صفقة مع إيران، دون أن تعتمد أى ضغوط، لأن الولايات المتحدة تستهدف الخروج بسرعة من المنطقة، الأمر الذى يسمح بتحويل إيران إلى قوة إقليمية عظمى، سواء من ناحية إمكانية التوصل إلى سلاح نووى أو من ناحية التخلص من الحصار الاقتصادى المفروض عليها.

ففى الماضى، اهتم «ترامب» بخلق توازن استراتيجى جديد فى الشرق الأوسط يعتمد على تحالف إسرائيلى– خليجى، ظهر فى اتفاقات السلام، وكذلك التعهد بتقديم صفقات سلاح متقدمة للدول المشاركة فى الائتلاف الذى يستهدفه، والذى بدا كأنه يعوض عن الخروج الأمريكى من المنطقة، أما فى الوقت الحالى، فإن «بايدن» يعارض صفقات الأسلحة للدول الخليجية، ما دفع بعضها لفتح قنوات تواصل مع إيران نفسها، بحسب مراقبين.

وفى ظل هذه الظروف، تزداد المعارضة فى إسرائيل لسياسة أمريكا حيال إيران، ليس فقط لأن إدارة «بايدن» تصر على العودة إلى الاتفاق النووى فى صورته السابقة التى ترفضها تل أبيب؛ لأن هذه السياسة ستسمح لطهران باستكمال مشروعاتها لإنتاج صواريخ بعيدة المدى، فضلًا عن استئناف نشاطاتها العسكرية فى سوريا ولبنان، وتزايد تطلعاتها نحو الهيمنة على المنطقة. 

حكومة بينيت تتجه نحو مزيد من التقارب مع العرب وعلاقات بناءة مع واشنطن تتجاوز المشاحنات السابقة

يفسر البعض عدم اهتمام إدارة بايدن بالنزاع الإسرائيلى- الفلسطينى إلى عدم رغبته فى محاكاة الولاية الأولى للرئيس الأسبق باراك أوباما، أو التورط مجددًا فى مستنقع الشرق الأوسط المعقد، معتبرين أن ذلك أدى لتراجع حماس الفلسطينيين لعقد الانتخابات العامة، بعدما عقدوا آمالًا مبالغًا فيها على وصول التقدميين من الحزب الديمقراطى إلى السلطة فى واشنطن. 

ورغم التفاؤل بأن تغيير المناخ السياسى فى إسرائيل وتشكيل حكومة جديدة برئاسة نفتالى بينيت، ودعوته لزيارة واشنطن بنهاية يوليو الجارى، قد تشجع إدارة «بايدن» على الانخراط مجددًا فى ذلك الملف، إلا أن الإدارة الأمريكية، وفقًا للإسرائيليين، أصدرت قرارات غير مريحة، منها إعادة فتح قنصلية للفلسطينيين فى القدس، وإدانة هدم بيوت الفلسطينيين فى الضفة.

ويشير المراقبون إلى لقاء يائير لابيد، وزير الخارجية الإسرائيلى، بنظيره الأمريكى، أنتونى بلينكن، حين أعلنت تل أبيب عن أن الحديث تناول مجموعة من المسائل، فيما قال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية باقتضاب: «جرى الحديث عن الحاجة إلى تحسين الوضع الفلسطينى».

ومع ذلك، يعتقد البعض أن لقاء «بايدن» و «بينيت» قد يعزز من التفاهمات، خاصة أنه يأتى بعد لقاءات متعددة لمسئولين عسكريين وأمنيين ودبلوماسيين من البلدين، فى ظل رغبة الطرفين فى تنقية الأجواء وإزالة الغضب المتراكم عبر سنوات حكم «نتنياهو».

ويوضح المراقبون فى تل أبيب أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة ترى أن سياسة المناكفة مع الديمقراطيين، التى اتبعها رئيس الوزراء السابق «نتنياهو» لن تجدى نفعًا، ما يعنى ضرورة تغيير كيفية التعاطى مع الإدارة الأمريكية عبر حوار هادئ وبناء.

ويؤكد البعض أن إسرائيل ستعمل أيضًا على تعزيز التعاون مع الدول العربية من حلفاء الولايات المتحدة فى المنطقة، سواء كانوا من بين الدول التى طبعت العلاقات مؤخرًا أو غيرها، مع وضع أسس واضحة للمصالح المشتركة.

ويشيرون فى هذا الصدد إلى المقترح الإسرائيلى بشراء السعودية والإمارات والبحرين بطاريات «القبة الجديدة» و«العصا السحرية»، اللتين تنتجهما إسرائيل، بعد سحب بطاريات الدفاع الجوية الأمريكية من المنطقة.

وينوهون إلى أن هذا النوع من التقارب واستثمار العلاقات مع العرب سيسمح للحكومة الإسرائيلية الجديدة بتحقيق أرباح اقتصادية جيدة تعوض تكاليف المواجهة العسكرية مع حركة «حماس» الفلسطينية فى شهر مايو الماضى، فضلًا عن كونها تسمح بتطوير المنظومات الاعتراضية الإسرائيلية. 

ورغم أن الموافقة العربية ليست مضمونة تمامًا حيال هذا المقترح، إلا أن عددًا من المسئولين فى تل أبيب يرى أن الأمور يمكن أن تختلف حال التوصل لاتفاق نووى مع إيران لا يرضى دول المنطقة، الأمر الذى يشجع على مزيد من التفاهم والتعاون لمواجهة الخطر الإيرانى.